سوريا الجديدة
4 دقيقة قراءة
عقيدة التفكيك الإسرائيلية.. الدروز هدف وليسوا حليفاً
في عام 1967، وجّهت إسرائيل ضربة موجعة لسوريا باحتلالها هضبة الجولان، لتجد نفسها أمام فسيفساء اجتماعية معقدة تضم العرب السنة، والتركمان، والشركس، والدروز. ومع نهاية الحرب، اضطر معظم سكان الجولان إلى النزوح، باستثناء الطائفة الدرزية التي اختارت البقاء.
عقيدة التفكيك الإسرائيلية.. الدروز هدف وليسوا حليفاً
استُقبل سقوط الأسد لاحقاً بترحيب في أوساط واسعة من الطائفة، مع ذلك، بقي موقف القيادة الدينية حذراً. / AA
6 مايو 2025

ومع إعلان إسرائيل ضم الجولان عام 1981، وبدء توطين المستوطنين اليهود فيه، وجد الدروز أنفسهم في مواجهة واقع قاسٍ: تقاسم الأرض مع قادمين جدد تحت سلطة احتلال لا تعترف بحقوقهم وتفرض هيمنتها بالقوة.

لاحقاً، ومع انهيار نظام الأسد في أواخر عام 2024، برز الدروز بوصفهم أحد مكونات المجتمع السوري التي انخرطت بقوة في الحراك الجديد، وبعد سنوات من اتهامهم بالحياد إبان الثورة السورية، استعادت الطائفة حضورها السياسي والشعبي. ورغم أن الدروز لم يكونوا معزولين تماماً عن الحراك الشعبي، فإن عوامل داخلية -مثل الملابسات الغامضة لوفاة الشيخ أحمد الهجري عام 2012، والعلاقة الوثيقة بين خليفته الشيخ حكمت الهجري والنظام السوري المنهار- أسهمت في تحفظ الطائفة التي عادت في أغسطس/آب 2023، للاحتجاج في ساحة الكرامة في مدينة السويداء، ما شكّل قطيعة مع النظام السوري المنهار.

واستُقبل سقوط الأسد لاحقاً بترحيب في أوساط واسعة من الطائفة، ومع ذلك بقي موقف القيادة الدينية حذراً؛ إذ تمسّك الشيخ حكمت الهجري بمسافة واضحة من الحكومة الجديدة في دمشق، ورفض الدخول في أي حوار معها، بل أعلن بعد اشتباكات 29 أبريل/نيسان 2025 رفضه الاعتراف بالحكومة الجديدة، ما وضع عقبة سياسية أمام بناء علاقة مستقرة بين الدروز والحكومة السورية.

في المقابل، رأت إسرائيل في هذا التحول فرصة استراتيجية. فمع تراجع نفوذ إيران وحلفائها، وفي ظل محاولات الحكومة السورية الجديدة بناء الأجهزة الأمنية وضبط الأوضاع في البلاد، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال هذه الحالة لإعادة ضبط معادلات الردع عبر إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري تفصل بين حدودها وقوات الحكومة السورية الذي تعده تهديداً وجودياً. وبالنسبة إليها، فإن انعدام الاستقرار في سوريا يوفر فرصة نادرة لاستخدام القوة دون قيود حقيقية للمرة الأولى منذ 1967.

وفي هذا الإطار، تكتسب الطائفة الدرزية أهمية خاصة في المقاربة الإسرائيلية، بوصفها مفتاحاً يمكن من خلاله خلخلة البنية المركزية للدولة السورية. فمنذ احتلال الجولان السوري، طرحت إسرائيل تصورات تمنح دروز سوريا حكماً ذاتياً محدوداً، في إطار مبدأ "فرّق تسد"، بهدف تقويض الدولة المركزية وتسهيل التدخل الإسرائيلي في عمق الجغرافيا السورية.

ويستند هذا التوجه إلى لحظة تاريخية فاصلة تمثلت في هزيمة الجنرال الدرزي سليم حاطوم، أمام حافظ الأسد عام 1966، وما تلاها من تهميش تدريجي للدروز في المؤسستين العسكرية والسياسية. وعلى الرغم من محاولات إسرائيل استثمار هذا التوتر، فإن غياب قيادة موحدة للطائفة ورفضها الصدام المباشر مع النظام السوري المنهار أحبط تلك المساعي لعقود.

اليوم، ومع تصاعد التوتر الأمني في مناطق درزية مثل جرمانا وأشرفية صحنايا، وغياب تسوية مستقرة مع الحكومة الجديدة، عادت إسرائيل لمحاولة توسيع نفوذها، حتى إنها نفَّذت هجمات قرب القصر الرئاسي في دمشق، في تصعيد غير مسبوق من حيث الموقع والرمزية.

في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الجنوب السوري، تحتل المناطق ذات الغالبية الدرزية موقعاً محورياً في الحسابات الأمنية والسياسية للاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط بسبب تركيبتها السكانية، بل لما تنطوي عليه من أهمية جيوسياسية بالغة.
فمن جهة، تضمّ هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 ثروات مائية هائلة تُعدّ ركناً أساسياً في تأمين احتياجات إسرائيل من المياه. ومن جهة أخرى، برزت محافظة السويداء خلال سنوات الحرب السورية مركزاً لوجيستياً مهما لحزب الله، رغم أن نفوذ الحزب اقتصر فعلياً على ثلاث نقاط رئيسية فيها، غير أن الموقع الجغرافي للمحافظة جعلها ممرّاً حيوياً لعمليات التهريب عبر الحدود، ما ضاعف من حساسيتها الأمنية لإسرائيل.

من جهة أخرى، لا تقتصر الاستراتيجية الإسرائيلية على الجانب العسكري، بل تمتد إلى مسارات دينية وسياسية ناعمة. ففتح المعابر أمام دروز سوريا لزيارة مقام النبي شعيب في الجولان المحتل يُعد محاولة لبناء روابط عقائدية بين دروز الداخل ودروز سوريا، في مسعى لصياغة رأي عام درزي سوري متعاطف مع الاحتلال الإسرائيلي. ورغم التباينات السياسية داخل الطائفة، تبقى وحدة العقيدة عاملاً جامعاً، تراهن عليه إسرائيل لتعويض ضعف الارتباط القومي لدى دروز الداخل.

وتحاول حكومة الاحتلال الإسرائيلي استغلال الخطاب الطائفي في الساحة السورية، من خلال الترويج لروايات تشكك في انتماء الدروز للإسلام وتصوّرهم على أنهم طائفة "باطنية" معزولة، ما يمنحها فرصة لتقديم نفسها "حاميةً للأقليات"، مستندةً إلى خطاب قانوني تعددي يُخفي أهدافاً تدخلية.

وعلى الصعيد السياسي، تعمل إسرائيل على توطيد علاقتها بالشيخ حكمت الهجري، عبر ربطه بقيادات درزية داخل أراضي 48، مثل موفق طريف، في محاولة لفك الارتباط بين دروز سوريا وزعاماتهم التقليدية، وعلى رأسهم وليد جنبلاط. وإذا نجحت في ذلك، ستخلق حكومة الاحتلال طيفاً درزياً موالياً لها في سوريا، على حساب الامتداد اللبناني للطائفة.

في المحصلة، يكشف تموضع الدروز في مناطق استراتيجية، وفشلهم في التوصل إلى تسوية مع الحكومة الجديدة، عن محاولة إسرائيلية لاستغلالهم ورقة ضغط في مشروعها الإقليمي. لذا، فإن مزاعم "حماية الدروز" تشكل غطاءً سياسياً لتدخل عسكري هدفه أبعد من مجرد الأمن. ورغم وعي شريحة واسعة من الدروز بهذه الأجندة ورفضهم المساس بوحدة سوريا، فإن تجاهل مخاوفهم قد يوفر لإسرائيل الذريعة لتكريس تدخلها.

لذلك، فإن مواجهة هذه المخاطر تتطلب استراتيجية عربية شاملة، تأخذ في الاعتبار البنية الاجتماعية والسياسية للطائفة الدرزية، وتراقب بدقة تفاعلاتها عبر المثلث الجغرافي شديد الحساسية: سوريا، لبنان، وإسرائيل.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
غزة.. شهداء بمجزرة جديدة للاحتلال بحق نازحين وأونروا تُحذر من "التجويع المتعمّد" في القطاع
انتقاد أممي وأوروبي لـ”تسييس” إسرائيل لمساعدات غزة واستخدامها سلاحاً ضد الفلسطينيين
عقيدة التفكيك الإسرائيلية.. الدروز هدف وليسوا حليفاً
تجاوزت نسبته 25%.. تشوهات الأجنة تهدد قطاع غزة وسط قصف سامٍّ وحصار خانق
أكثر من 32 شهيداً في مجازر جديدة بغزة.. والاحتلال يقرّر توسيع الإبادة في رفح
الحوثيون: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الأمريكي-الإسرائيلي على الحديدة إلى 4 شهداء و39 مصاباً
ويتكوف يعلن عن مبادرات بشأن مساعدات لغزة وسط تحذير أممي من تفاقم المجاعة
رشيدة طليب تتهم واشنطن بالتواطؤ في "الإبادة الجماعية" ضد الفلسطينيين
حماس: تصديق الكابينت الإسرائيلي على توسيع الحرب تضحية بالأسرى وتجديد لدورة الفشل
جيش الاحتلال يعلن "مرحلة أعنف" من الإبادة في غزة.. والكابينت يصدّق على الخطة
جيش الاحتلال يواصل حملته في طولكرم وجنين.. ويعيد اعتقال محررين ويهدم منازل
وسط انهيار صحي وشيك.. أكثر من 50 شهيداً في يوم دامٍ عقب تصعيد الاحتلال غاراته على غزة
الرئيس الفنزويلي: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة والمجتمع الدولي شريك بالصمت
محامو الطالبة التركية المعتقلة بأمريكا: أوزتورك محتجزة في ظروف سيئة وحالتها الصحية تتفاقم
مشيخة عقل الدروز في سوريا تدين العدوان الإسرائيلي وتدعو لإعادة الأمن ونبذ الفتن
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us