أسفر القصف عن إبادة كاملة لعائلة عساف، إذ قُتل والداه وشقيقه الأكبر، إلى جانب عدد من أقاربه، ما أدى إلى شطب أسمائهم من السجل المدني الفلسطيني، بعدما طُمست حياتهم في لحظة واحدة.
أُصيب أركان بجروح بالغة، منها كسور في الجمجمة والفك والقدم والحوض، بعد أن قذفه الانفجار من منزله إلى تلة قريبة، كانت قد تناثرت فيها أشلاء أحبّته.
اليوم، يكابد أركان آلامه وحده، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، ما يزيد من تدهور وضعه الصحي. وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، لم يتوقف عن مناداة والديه، طالباً دواءً أو لمسة حنان تخفف وجعه، غير مدرك أن كل من أحبهم قد رحلوا.
أركان ليس استثناءً، بل هو واحد من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا عائلاتهم بالكامل في الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. أُبيدت أسرهم، ولم يُترك لهم سوى مواجهة مصير قاتم بمفردهم، وسط الدمار والجوع والفقر.
ليلة الهجوم
في مساء السادس عشر من مايو/أيار الجاري، استهدفت غارة جوية إسرائيلية منزل عائلة عساف في حي "التوام" شمال غرب بلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، مخلّفة مجزرة مروّعة.
تقول خالة الطفل الناجي، آلاء قاعود، في حديثها لوكالة الأناضول، إن القصف أدى إلى مقتل جميع من كانوا داخل المبنى السكني المؤلَّف من ستة طوابق، بمن فيهم شقيقتاها وأفراد عائلتيهما، بينما نجا الطفل أركان عساف وحده بأعجوبة.
وأضافت بحرقة: "انهار المبنى على رؤوسهم. لم يتبق أحد. شقيقتاي وعائلتاهما كانوا جميعاً في المنزل".
ونقلت عن شهود عيان كانوا موجودين قرب الموقع لحظة الهجوم أن الانفجار العنيف قذف الطفل أركان إلى تلة قريبة، حيث وُجد بين أشلاء ضحايا المجزرة.
وبصوت متهدّج يغلبه البكاء، قالت قاعود: "سيبقى أركان وحيداً يصارع الحياة دون والدَيه، اللذين لا يزال ينادي عليهما كل يوم، غير مدرك أنه فقدهما إلى الأبد".
لا علاج ولا دواء
يرقد الطفل أركان عساف حالياً في منزل جدته بمدينة غزة، دون تلقي الرعاية الصحية اللازمة، رغم معاناته من كسور خطيرة في جسده، بينها إصابات في الفك والحوض.
وتوضح خالته، آلاء قاعود، أن أركان بحاجة ماسة إلى متابعة طبية يومية وعمليات جراحية عاجلة، إلا أن الانهيار الكامل الذي يعانيه النظام الصحي في قطاع غزة يحول دون حصوله على أي من ذلك.
وتشير إلى أن الطفل يحتاج إلى أدوية وريدية لتسريع التئام جروحه، بدلاً من الأقراص التي لا تفي بالغرض، في ظل غياب الحد الأدنى من الخدمات الطبية.
وحسب تقارير حقوقية محلية ودولية، فإن النظام الصحي في غزة يعاني من شلل شبه تام بسبب الحصار المتواصل والإبادة الجماعية التي تتعرض لها المنطقة.
وفي تصريح لها يوم 4 مايو/أيار، قالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إن الوضع الصحي في قطاع غزة "كارثي وقريب من الانهيار"، مشيرة إلى أن إسرائيل تمنع دخول أي مساعدات طبية أو مستلزمات منذ الثاني من مارس/آذار الماضي.
وأضافت هاريس في حديث لوكالة الأناضول أن الطواقم الطبية تعاني من نقص حاد في أبسط الأدوات، من أكياس الدم وأجهزة الحقن الوريدي إلى أعواد القطن والمضادات الحيوية، ما يعيق قدرتهم على علاج الجرحى وحمايتهم من العدوى.
وتفاقم هذا الانهيار مع الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمنشآت الصحية في القطاع، إذ تعرضت مستشفيات ومراكز طبية لهجمات مباشرة، ما أخرج العديد منها عن الخدمة.
ووفق وزارة الصحة في غزة، لم يتبقّ من أصل 38 مستشفى سوى 19 مستشفى تعمل جزئياً، من بينها 8 حكومية و11 خاصة، إلى جانب 9 مستشفيات ميدانية تقدم خدمات إسعافية في ظروف قاسية تحت وطأة الحرب المستمرة.
وإلى جانب معاناته من الإصابة، يعاني أركان من تداعيات صحية تؤخر من عملية شفائه جراء المجاعة المتفشية في القطاع، وتقول قاعود إنه لا يتناول الطعام الصحي الذي يفيد في التئام كسوره وجروحه.
وتوضح أنه دائماً ما يطلب أصنافاً مختلفة من الطعام، فيما يواسي نفسه بصور منشورة على شبكة الإنترنت.
هذا الطفل الذي لم يدرك بعد معنى المجاعة يطلب من خالته جزءاً من كعكة نُشرت صورتها على الإنترنت، كما يطلب أن تبقى هذه الصورة بحوزته كي ينظر إليها كلما جاع.
ومنذ 2 مارس/آذار، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
وعلى مدار تلك الأيام، لم تسمح إسرائيل إلا بدخول 87 شاحنة مساعدات فقط مخصصة لمؤسسات دولية وأهلية فيما يحتاج القطاع يومياً إلى 500 شاحنة من المساعدات الإغاثية والطبية والإغاثية و50 شاحنة وقود كحد أدنى منقذ للحياة بغزة، وفق ما أعلن عنه المكتب الإعلامي الحكومي مساء الأربعاء.
وفي 8 مايو/أيار الجاري قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أباد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نحو 2200 عائلة بالكامل، ما أدى إلى مسح 6 آلاف و350 شخصاً من السجل المدني.
وأوضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أباد ما يزيد عن 5 آلاف و120 عائلة فلسطينية بغزة لم يتبق منها سوى فرد واحد فقط.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 176 ألف فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلاً عن مئات آلاف من النازحين.