وحسب وول ستريت جورنال، تعمل الولايات المتحدة حالياً على تطوير وسائل جديدة لاعتراض هذه التهديدات، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل رئيسي على أنظمة دفاعية عالية التكلفة، في ظل تسارع وتيرة الهجمات.
وتشير الصحيفة إلى أن نحو 30 سفينة أمريكية، تمثل نحو 10% من الأسطول النشط، شاركت في العمليات البحرية منذ أواخر 2023، وقد أنفقت واشنطن ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار في ضربات استهدفت الحوثيين.
ووفقاً للتقرير، تمكنت القوات الأمريكية من تدمير جزء كبير من ترسانة الحوثيين، لكنها لم تحقق هدفها الاستراتيجي في تأمين الممرات البحرية، فيما يواصل الحوثيون استهداف السفن وإطلاق صواريخ نحو إسرائيل.
وتنقل وول ستريت جورنال عن قادة عسكريين وبرلمانيين قلقهم من تأثير هذا الانتشار الطويل والمكثف على الجاهزية الشاملة للقوات الأمريكية، خصوصاً في ظل ارتباطه بحوادث طائرات واصطدامات بحرية تخضع حالياً لتحقيقات داخل البنتاغون.
كما تحذر الصحيفة من أن استمرار هذا الانتشار قد يخلق فجوات استراتيجية في السنوات المقبلة، بعد أن أدى إلى استنزاف موارد كانت مخصصة لردع الصين، وتأجيل صيانة حاملات الطائرات، وسط تقديرات بأن صراع البحر الأحمر يُنظر إليه داخل البنتاغون على أنه تمهيد لاحتمال مواجهة كبرى مع بكين.
مباغَتة غير متوقعة
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، خاضت البحرية الأمريكية في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واحدة من أعنف معاركها منذ عقود، حين باغت الحوثيون المدمرة “يو إس إس كارني” في البحر الأحمر بهجوم صاروخي عنيف دام عشر ساعات. وأسقط الطاقم خلال المواجهة أكثر من 12 طائرة مسيّرة وأربعة صواريخ كروز.
ووفقاً للصحيفة، تسبب تصعيد الحوثيين في الكشف عن ثغرة لوجيستية كبيرة، إذ اضطرت المدمرات الأمريكية إلى مغادرة البحر الأحمر لإعادة التسلح، في وقت رفضت فيه دول مجاورة استقبال السفن خشية الاستهداف. لاحقاً، حصلت واشنطن على إذن باستخدام ميناء في البحر الأحمر وُصف بأنه "مغيّر لقواعد اللعبة"، لكونه أتاح إعادة التسلح دون مغادرة ساحة القتال.
وفي ديسمبر/كانون الأول، شكّل الرئيس السابق جو بايدن تحالفاً دولياً لحماية الممرات الحيوية، وأطلق حملة ضربات جوية بقيادة أمريكية. وحسب وول ستريت جورنال، حافظ البنتاغون على وجود مجموعتين بحريتين في المنطقة ضمّت كل منهما خمس سفن ونحو 7000 بحار.
وأشارت الصحيفة إلى أن الضغط العملياتي أثقل كاهل البحارة، حيث بقيت حاملات مثل “يو إس إس دوايت أيزنهاور” في الخدمة المستمرة لشهور. وفي إحدى الليالي، واجهت المدمرة “يو إس إس ستوكدايل” هجوماً كثيفاً بصواريخ وطائرات مسيّرة، ما أجبر الطاقم على اتخاذ إجراءات ميدانية شديدة الحساسية تحت تهديد مباشر.
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، أتاحت طبيعة البحر الأحمر الجغرافية للحوثيين أفضلية تكتيكية واضحة في المواجهة مع البحرية الأمريكية، إذ إن عرض الممر المائي لا يتجاوز 200 ميل في أقصى اتساعه، ما يحد من قدرة السفن الكبيرة على المناورة، ويجعلها عرضة للرصد من نقاط مراقبة منتشرة على الساحل اليمني، يستخدمها الحوثيون لتوجيه ضرباتهم بدقة.
وحسب التقرير، غالباً ما لا تلتقط الرادارات إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ الحوثية إلا قبل دقيقة أو دقيقتين من وصولها، ما يفرض على طواقم السفن اتخاذ قرارات الرد في غضون 15 ثانية فقط. وتمكنت القوات الأمريكية من التصدي لمئات الهجمات بهذه الوتيرة.
ويقول براين كلارك، وهو استراتيجي سابق في البحرية الأمريكية وزميل بارز في معهد هدسون، للصحيفة: "نشر حاملة طائرات في هذا النطاق يجعلها هدفاً ثابتاً وسهل المنال للحوثيين".
ويضيف أن العمل بالقرب من الشواطئ كان مألوفاً لدى البحرية الأمريكية، نظراً لأن الخصوم في الماضي كانوا يترددون في مهاجمة حاملة طائرات خشية الردع الأمريكي، "لكنّ هذا الأمر تغيّر".
كما نقلت الصحيفة عن ضابط أمريكي خدم ستة أشهر في البحر الأحمر، أن أحد أكبر التحديات اليومية كان ضبط أنظمة الرادار بشكل يسمح بكشف التهديدات دون التسبب بإنذارات كاذبة، وهو ما شكّل مصدر ضغط نفسي دائم للعاملين على متن السفن المشاركة في العمليات.
تكتيكات متغيّرة
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، يخضع فقدان ثلاث مقاتلات من طراز F/A-18 على متن حاملة الطائرات يو إس إس ترومان (USS Truman) لتحقيقات جارية في البنتاغون، وسط تساؤلات متزايدة حول الأسباب المحتملة خلف هذه الحوادث المتكررة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في البحرية الأمريكية قوله: "إنه أمر غير مسبوق... قد يكون مجرد حظ سيئ أو نتيجة لمشكلات أعمق".
في سياق متصل، حذّر النائب الجمهوري كين كالفرت، رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات الدفاعية في مجلس النواب، من التأثيرات المترتبة على الوتيرة المرتفعة للعمليات في البحر الأحمر، قائلاً خلال جلسة استماع عُقدت في 14 مايو/أيار: "على مدار العام الماضي، خاضت البحرية الأمريكية عمليات قتالية شديدة ومستمرة في واحدة من أكثر مناطق الصراع البحري نشاطاً منذ جيل. لكن هذا الإيقاع المكثف له ثمن، إذ يجري تمديد الانتشار، ويُثقل كاهل السفن والبحّارة، وتُستنزف الجاهزية للمهام العالمية الأخرى".
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، ورغم أن الحوثيين لم ينجحوا في إصابة أي سفينة أمريكية بشكل مباشر، فإنهم أظهروا تطوراً كبيراً في تعقب واستهداف الأهداف المتحركة خلال المواجهات في البحر الأحمر.
ففي المراحل الأولى، كانت الجماعة تطلق صواريخ أو طائرات مسيّرة فردية على ارتفاعات عالية، ما مكّن أنظمة الدفاع الأمريكية من اعتراضها بسهولة، حسب مسؤولين في البحرية.
لكن لاحقاً، تبنّى الحوثيون تكتيكات أكثر تطوراً، حيث نفذوا هجماتهم ليلاً مستخدمين مقذوفات تحلّق على ارتفاعات منخفضة جداً فوق سطح الماء، مما جعل اكتشافها واعتراضها أكثر تعقيداً.
كما اعتمدوا أنماطاً هجومية متغيرة، تجمع بين الصواريخ والطائرات المسيّرة في موجات متتالية. وحسب الصحيفة، تمكنت الجماعة أيضاً من إسقاط أكثر من 12 طائرة أمريكية من طراز ريبر (Reaper)، تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار.
وتشير وول ستريت جورنال إلى أن كبار قادة القيادة المركزية الأمريكية (Centcom) سعوا منذ عام 2023 إلى التصرف بحزم لإضعاف قدرات الحوثيين، لكن إدارة بايدن كانت مترددة في التصعيد. وبحلول الوقت الذي سُمِح فيه بتنفيذ الضربات، كانت الجماعة قد بدّلت مواقعها أو غيّرت تكتيكاتها، ما أدى إلى تقويض فاعلية الخطط الاستخباراتية الأمريكية.