وُلد عبد السلام في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وسط ظروف إنسانية بالغة القسوة. ومنذ أسابيعه الأولى، بدأ يعاني من تضخم في الكبد، ما تطلب علاجاً عاجلاً وحليباً طبياً لم يكن متوفراً في مستشفيات غزة المحاصرة.
بذلت عائلته كل ما في وسعها لتوفير العلاج والغذاء، ووجّهت مناشدات متكررة للسماح بخروجه من القطاع، لكن جميع المعابر ظلّت مغلقة في وجه الرضيع المريض.
في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، أسلم عبد السلام روحه بعد أيام قضاها في غيبوبة مؤلمة، نتيجة انعدام العلاج والحليب الضروري لحالته، في ظل حصار خانق يحرم آلاف الأطفال من أبسط حقوقهم في الحياة. وكان رحيله مشهداً مألوفاً يتكرر يومياً في غزة المنكوبة.
في لحظة الوداع، خيّم الصمت والحزن على العائلة التي أنهكها العجز والانتظار، واستقبل والداه نبأ وفاة فلذة كبدهما الوحيد بالدموع المنهمرة. وبين جدران المستشفى، احتضنت ياسمين جسده الصغير للمرة الأخيرة، وطبعت على جبينه قبلة وداع صامتة، وكأنها تحاول أن تبث فيه الحياة من جديد، قبل أن يُصلّى عليه ويوارى الثرى في تراب خان يونس.
موت جماعي يقترب
في حديثها لوكالة الأناضول، روت والدة الطفل، ياسمين النمس، تفاصيل مأساة ابنها الوحيد عبد السلام، الذي تُوفي نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة. وقالت: "بعد شهرين من ولادته، جرى تشخيص إصابته بتضخم في الكبد، وكان من الضروري نقله للعلاج خارج غزة، لكن الحصار وإغلاق المعابر حالا دون ذلك".
وأضافت: "خلال تلك الفترة كان يتعذب أمام عينيّ، وكنت أوجه مناشدات للعالم بأسره، لكن لم يستجب أحد، فمات طفلي". وتابعت بحرقة: "ذهبت لأدفن فلذة كبدي وابني الوحيد".
وسردت الأم الأيام الأخيرة من حياة رضيعها قائلة: "كان مرضه بسيطاً، لكن حالته تفاقمت بسبب انعدام العلاج في غزة. بلغ من العمر خمسة أشهر، لكن نقص الحليب والعلاج أفقداه حياته". وأشارت إلى أنها كانت تبحث عن حليب علاجي قبل أسبوع فقط من وفاته، دون جدوى، ما تسبب في دخوله في غيبوبة واعتماده على أجهزة التنفس الصناعي حتى وفاته.
من جهته، قال والد الطفل، منعم أبو محسن، إن ابنه كان في حاجة ماسة إلى العلاج خارج القطاع، لكن الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر حرماه من فرصة النجاة. وأوضح أنه قدّم مناشدات عديدة إلى منظمة الصحة العالمية، لكنها لم تلقَ أي تجاوب فعلي.
وحمّل أبو محسن المجتمع الدولي مسؤولية الصمت والتقصير، داعياً إلى التدخل العاجل لإنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة، حيث يعيشون تحت وطأة القتل، والتجويع، ونقص الرعاية الصحية بسبب الحصار المستمر.
والسبت، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، من خطر موت جماعي يهدد أكثر من 100 ألف طفل في القطاع جراء نفاد الحليب والمكملات الغذائية في ظل استمرار سياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل، التي تتزامن مع حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 22 شهراً.
وحسب أحدث معطيات وزارة الصحة في غزة، فقد بلغ عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية حتى الاثنين نحو 147 فلسطينياً، بينهم 88 طفلاً، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتحذر منظمات أممية ومؤسسات محلية من أن استمرار الحصار ومنع المساعدات ينذران بوقوع وفيات جماعية بين الأطفال، وسط تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية، وانهيار المنظومة الطبية بالكامل.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تهربت إسرائيل من مواصلة تنفيذ اتفاق مع حركة حماس لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، وأغلقت معابر غزة أمام شاحنات مساعدات مكدسة على الحدود.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاماً، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل نحو 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 205 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.