بين الصمود والارتباك.. ما واقع الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر؟
الهجمات على إيران
7 دقيقة قراءة
بين الصمود والارتباك.. ما واقع الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر؟"إسرائيل دولة غير متجانسة اجتماعياً إلى حد كبير، وتخلق هذه الظاهرة انقسامات عميقة متعددة الأبعاد حول قائمة طويلة من القضايا الأساسية والأخلاقية، ويظهر ذلك خصوصاً في أثناء خوض حرب طويلة".
مع اندلاع حرب طوفان الأقصى، فعّلت الحكومة الإسرائيلية "سيناريو التهديد المرجعي" الذي يجيز لها طلب إخلاء السكان من منازلهم في حالات تعرضهم لخطر / Reuters
1 أغسطس 2025

وردت تلك الفقرة في كتاب أصدره معهد الأمن القومي الإسرائيلي في عام 2025 بعنوان "اختبار المرونة الوطنية من خلال الإجلاء المدني الواسع النطاق في حرب السيوف الحديدية"، مما يفتح الباب أمام مناقشة التحديات التي واجهتها الجبهة الداخلية منذ عملية طوفان الأقصى.

فالحرب لم تدر رحاها في غزة فقط إنما شملت الحدود الشمالية مع لبنان نحو عام، فيما يستمر هطول الصواريخ القادمة من اليمن، تجلى كان التحدي الأبرز خلال فترة الحرب ضد إيران، والتي شهدت إطلاق نحو 550 صاروخاً باليستياً تجاه إسرائيل مما دفع عدة ملايين لدخول الملاجئ بشكل يومي، فيما قُتل نحو ثلاثين شخصاً وأصيب المئات، وشهدت منطقة وسط تل أبيب دماراً غير مسبوق، وأثيرت تساؤلات حول سردية "الدولة المحصنة".

فرغم التفوق العسكري الإسرائيلي، عانت الجبهة الداخلية من ارتباك خلال الحرب، وظهرت كخاصرة رخوة في البنية الأمنية الإسرائيلية، رغم ما تدعيه المؤسسة العسكرية من جهوزية في مواجهة التهديدات.

جذور التأسيس

حين تعرّضت تل أبيب لقصف جوي من الطيران المصري خلال حرب 1948، كرد فعل على المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين، أُنشئت وحدة الدفاع المدني، ولاحقاً في عام 1951، أصدر الكنيست "قانون الدفاع المدني" الذي نص على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية السكان من هجمات العناصر المعادية.

وعلى مدى العقود الأربعة التالية، لم تواجه إسرائيل تحديات جدية تهدد عمقها المدني، وبالتالي لم يتعرض الدفاع المدني لاختبارات فعلية تظهر مدى جاهزيته.

إلا أن حرب الخليج الثانية عام 1991 شكلت نقطة تحول. إطلاق العراق نحو 39 صاروخ سكود على تل أبيب ارتبكت السلطات الإسرائيلية، وتبين غياب خطط منظمة لحماية السكان أو لإدارة عمليات الإخلاء.

وفي ضوء تلك التجربة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية عدة قرارات تهدف إلى تنظيم المسؤولية والصلاحيات في حالات الطوارئ، وقررت في عام 1992 إنشاء قيادة خلفية في الجيش تتولى تأمين المنطقة الحضرية الكثيفة في أوقات الطوارئ للمحافظة على النسيج الأساسي للحياة، وخاصةً في مجالات الصحة والصرف الصحي والاقتصاد والرعاية الاجتماعية.

وبعد تجربة حرب لبنان عام 2006، التي تضمنت إخلاء نحو ثلث سكان الشمال بشكل فردي لفترات زمنية متفاوتة دون استجابة مناسبة لاحتياجاتهم، انتقد "مراقب الدولة" عدم وجود إجراءات ونهج حكومي في التعامل مع عمليات الإخلاء، وأكد على ضرورة بناء نظام إخلاء منظم، وعدم ترك القرار بشأن الإخلاء وتنظيمه للمجتمع والجمعيات الخيرية.

فيما صاغ فريق من مجلس الأمن القومي اقتراحاً لنهج شامل للتعامل مع الجبهة الداخلية، وأوصى بإحالة مسؤولية التعامل مع الجبهة الداخلية إلى وزير الأمن العام بحجة أنه لا يمكن لرجل عسكري أن يكون مسؤولاً عن استعداد السلطة المحلية لحالات الطوارئ في المناطق المدنية، وهو ما رفضه رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، حيث أصر على بقاء مسؤولية إدارة الجبهة الداخلية بيد وزارة الدفاع.

برامج الإخلاء والحماية

بعد سلسلة حروب متكررة مع غزة، اعتبر جيش الاحتلال منذ عام 2012، وفق تصنيفه للتهديدات الذي ينشره في "مرجع التهديدات للجبهة الداخلية"، أنه في أي سيناريو مستقبلي للصراع في المنطقة، ستكون الجبهة الداخلية هدفاً رئيسياً لأضرار واسعة النطاق باستخدام عدد كبير من الصواريخ والقذائف، بما يؤدي إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى خلال الحرب، بالإضافة إلى أضرار تلحق بالنشاط الاقتصادي والأنشطة الحيوية الأخرى.

وبناء على ذلك، وُضعت حلول من بينها برنامج "فندق الضيوف" المخصص لسكان الريف، وبرنامج "المكان الآمن" المخصص لسكان المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وبرنامج "نسمة الريح" الذي يركز على الإخلاء قصير المدى.

وطُوّرت هذه البرامج في ضوء التجارب السابقة التي أظهرت أن السكان في مناطق الحرب يميلون إلى الإخلاء من تلقاء أنفسهم إلى مناطق أكثر أماناً أثناء التصعيد.

وطُلب من العديد من الوزارات والهيئات الحكومية، كالشرطة وشركة الكهرباء والسلطات المحلية، تخصيص موارد بشرية ومعدات لتلبية الاحتياجات العاجلة للسكان بحيث عند وقوع حدث طارئ خلال الحرب، تعمل الهيئات ذات الصلة في محورين رئيسيين:

· الأول هو محور الجهد العملياتي، وخلاله تدير الهيئات ذات الصلة عمليات إنقاذ الحياة، مثل إخلاء السكان وفتح الطرق وتوفير خدمات الإطفاء والإنقاذ.

· الثاني هو محور جهد المساعدة المدنية، وخلاله تدير الهيئات ذات الصلة عمليات المساعدة للمستوطنين، وتوفير خدمات البنية التحتية مثل الكهرباء، ومعالجة المشاكل التي تظهر في الاقتصاد.

في المقابل، نشر مكتب مراقب الدولة عدة تقارير تتناول الثغرات في الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ. وشدد على وجود نواقص في الهيكل التنظيمي، وغموض تقاسم المسؤولية بين المؤسسات، مما يجعل من الصعب تحقيق التعاون والتنسيق الأمثل بين الهيئات المعنية.

وفي عام 2020، نشر تقريراً حول "الاستعدادات للدفاع عن الجبهة الداخلية ضد تهديد الصواريخ والقذائف" أشار إلى أن 28% من سكان إسرائيل – أي نحو 2.6 مليون شخص- يفتقرون إلى الحماية النموذجية بالقرب من منازلهم، وأن الصلاحيات بين وزارة الدفاع ووزارة الأمن العام – التي تحول اسمها في عام 2023 إلى وزارة الأمن القومي- لم تُنظّم بعد في جميع المسائل المتعلقة بإدارة الجبهة الداخلية.

وكشف أن الخطة متعددة السنوات للفترة 2019-2030 لحماية الجبهة الداخلية، والتي أقرّها مجلس الوزراء، لم تُنفذ بعد. وأوصى باستكمال صياغة خطة حماية الجبهة الداخلية بتكلفة قدرها 5 مليار شيكل؛ كما أوصى هيئة الطوارئ الوطنية باستكمال صياغة خطة إخلاء التجمعات السكانية من خطوط المواجهة، بما في ذلك المستوطنات المحيطة بغزة والحدود الشمالية.

الحرب تختبر الشعارات

مع اندلاع حرب طوفان الأقصى، فعّلت الحكومة الإسرائيلية "سيناريو التهديد المرجعي" الذي يجيز لها طلب إخلاء السكان من منازلهم في حالات تعرضهم لخطر، وخاصة في المناطق القريبة من الحدود ضمن خطة "المسافة الآمنة".

وأصدرت حكومة نتنياهو سلسلة قرارات تقضي بإخلاء سكان المستوطنات الجنوبية الواقعة ضمن نطاق سبع كيلومترات من غزة، بما في ذلك مدينتا سديروت وعسقلان، بالإضافة إلى المستوطنات الشمالية الواقعة على بُعد خمس كيلومترات أو أقل من الحدود مع لبنان.

وتُظهر بيانات هيئة الطوارئ الوطنية الإسرائيلية أنه بحلول الأول من نوفمبر 2023، أُجلِيَ ما مجموعه 250 ألف شخص، منهم حوالي 88 ألف شخص أُجْلُوا إلى 650 فندقاً موزعة بين إيلات والبحر الميت والقدس والمنطقة الوسطى، ونحو 70 ألف شخص أُجْلُوا بشكل مستقل إلى بدائل متنوعة، و94 ألف شخص أُجْلُوا إلى تجمعات سكنية بديلة. وتقرر تقديم منحة بقيمة 200 شيكل عن كل شخص بالغ و100 شيكل عن كل طفل أقل من 18 عاماً، لكل يوم قتال.

ومع دخول حزب الله والحوثيين وإيران على خط الحرب، استخدمت قيادة الجبهة الداخلية بكثافة نظام إنذار يُصدر تحذيراً مُسبقاً من التهديد الصاروخي المُتوقع، لضمان قدرة المستوطنين على اتخاذ إجراءات لحماية أرواحهم.

مع تفعيل التحذيرات فقط في المناطق التي يبرز فيها خطر نتيجة سقوط الصواريخ والقذائف والشظايا الاعتراضية. مع العلم أنه يوجد حالياً 1700 منطقة إنذار في إسرائيل. كما نُشرت آلاف صفارات الإنذار لتنبيه الأشخاص خلال وجودهم خارج المباني، مع إمكانية استلامهم التنبيهات عبر تطبيق قيادة الجبهة الداخلية.

مشكلات وتحديات

كشفت الحرب عن اختلالٍ عميق في تقسيم المسؤوليات بين مختلف المؤسسات. فقد أدى غياب هيئة تنفيذية واحدة تُشرف على إدارة الجبهة الداخلية، وتنسق العمل بين الوزارات والسلطات المحلية والمؤسسات الخدمية، إلى تشظي القرار وعمل كل جهة وفق تصوراتها الخاصة.

ففي الفنادق التي أُجلِي إليها المستوطنون، لم تكن هناك جهة مسؤولة مركزية تُتابع احتياجاتهم بحسب تقرير لمراقب الدولة ماتانياهو إنجلمان، كما التقرير أوضح أن جولات المراقب في الفنادق كشفت عن فشل نظام الصحة النفسية الحكومي في علاج المُهجَّرين، لاعتماده في معظمه على المتطوعين.

وكشف أن متوسط مدة الانتظار لتلقي العلاج ضمن صناديق التأمين الصحي بلغ نحو ستة أشهر ونصف. مع العلم أن نحو 580 ألف إسرائيلي على الأقل تعرضوا لصدمات نفسية شديدة واكتئاب وقلق، خلال أول ستة شهور من الحرب.

وقد أُبلِغَ عن صعوبات تواجهها العديد من العائلات النازحة في الحفاظ على روتين الطوارئ في الفنادق في ظل التكدس، فضلا عن تعرض النازحين لأضرار اقتصادية جسيمة بسبب توقف أعمالهم الخاصة وتضرر قطاع السياحة والمطاعم، وغياب أفق زمني واضح أثناء الحرب للعودة إلى منازلهم.

انعكس هذا الأداء الحكومي في نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي ومعهد بيو، فنحو 51% من الجمهور منحوا الحكومة تقييماً منخفضاً في تعاملها مع أزمة النازحين، و60% قالوا إن ثقتهم بها قد تراجعت. وتكشف هذه الأرقام حجم التراجع في عناصر الصمود النفسي والاجتماعي، والتي تشكل أعمدة في الجبهة الداخلية.

لقد واجهت إسرائيل صعوبة حقيقية في الحفاظ على الاستمرارية الوظيفية لمجتمعها خلال الحرب، فتفاقم الشعور بالعزلة والقلق بين مئات الآلاف من النازحين. وعلى الرغم من محاولات الجيش استعادة الثقة، إلا أن الرأسمال المعنوي للدولة تلقى ضربة عميقة، تُهدد بتداعيات طويلة المدى.

وتآكلت بفعل استمرار الحرب العوامل الحاسمة في بناء الصمود المجتمعي مثل الثقة بين المواطن والدولة، والتضامن الاجتماعي، والتفاؤل بالمستقبل، واستقرار الحياة اليومية، وتصاعد الشكوك حول مسارها، وغياب أفق واضح لنهايتها، فضلاً عن الاستقطاب الحاد الذي يشهده الخطاب السياسي الداخلي، مما يضعف قدرة إسرائيل على الصمود كجبهة داخلية موحدة رغم المجازر التي ترتكبها.

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
"تلتزم تحقيق السلام مع لبنان".. المبعوث الأمريكي يدافع عن إسرائيل رغم اعتداءاتها المتواصلة
البرغوثي: نواجه مخططات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.. وأمريكا تواصل انحيازها الكامل لإسرائيل
مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض احتجاجاً على زيارة نتنياهو
جيش الاحتلال يعلن اعتقال خلية يزعم أنها تتبع فيلق القدس الإيراني جنوبي سوريا
ترمب يتوعد الدول المتحالفة مع بريكس برسوم جمركية إضافية بنسبة 10%
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 82 قتيلاً وسط استمرار البحث عن مفقودين
ترمب: أمامنا فرصة جيّدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة هذا الأسبوع
قادة "بريكس" يدعون إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ويُدينون الهجمات على إيران
القسام تستهدف تجمعات لجيش الاحتلال بخان يونس وتقصف مستوطنتين محاذيتين لغزة
بلا نتيجة حاسمة.. انتهاء الجلسة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل
جيش الاحتلال يستهدف مواني ومحطة كهرباء في اليمن والحوثيون يعلنون التصدي للهجوم
الضفة.. شهيدان في نابلس وإخطارات بالهدم في الخليل و296 انتهاكاً إسرائيلياً في سلفيت
الدوحة.. جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لأجل وقف إطلاق النار في غزة
"بملايين الدولارات".. تقرير بريطاني: شركة أمريكية تخطط لتهجير فلسطينيي غزة عبر المساعدات الإنسانية
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب باتفاق شامل تزامناً مع مفاوضات الدوحة
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us