انضمت مؤخراً عدة دول عربية، السعودية ومصر والكويت والبحرين وقطر والإمارات، إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي تقودها الصين بصفة "شريك حوار"، وذلك وسط ترحيب كبير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يدفع إلى التساؤل عن إمكانية تحوُّل هذه المنظمة إلى مركز جذب جديد لدول الشرق الأوسط، في ظل رغبتها في الابتعاد عن الهيمنة الأمريكية، فضلاً عن المدى الذي يمكن أن تحقق فيه هذه المنظمة نوعاً من التكافل والقوة لأعضائها.
وكانت دولة الإمارات آخر دولة عربية تُمنح رسمياً صفة "شريك حوار" للمنظمة، وذلك على هامش اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بها، الذي عُقد يومَي 4 و5 مايو/أيار 2023، إذ وقَّعت الإمارات على مذكرة تفاهم للانضمام إلى رابطة دول المنظمة.
وتُعتبر "شنغهاي للتعاون" منظمة دولية تأسست في المدينة الصينية شنغهاي في 15 يونيو/حزيران عام 2001، وتضم 8 دول أعضاء، هي: الصين والهند وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى 4 دول بصفة "مراقب" ترغب في أن تصبح كاملة العضوية، وهي أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا.
وتقيم المنظمة علاقات مع 6 دول بصفتها "شركاء حوار"، وهي: أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا.
وفي عام 2021 بدأت المنظمة في عملية ضم إيران إليها بوصفها دولة كاملة العضوية، فيما تقدمت مصر وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات بطلبات للحصول على صفة "شركاء حوار".
وشهدت مدينة سمرقند الأوزبكية أول قمة للمنظمة عقب انتشار جائحة كورونا، وذلك في سبتمبر/أيلول الماضي، وتُعتبر قمة سمرقند أول قمة تجمع "الشركاء" في منظمة شنغهاي، التي تتصدرها الصين وروسيا، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
"رسالة مباشرة لأمريكا"
يقول الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي والرئيس الأسبق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديثه لـTRT عربي إنّ "منظمة شنغهاي بمثابة (نكاية) في أمريكا، وهي مؤسسة سياسية أكثر منها اقتصادية، نظراً إلى كون مجموعة الـ77 (للدول النامية) هم أعضاء بها، وكذلك عدد من مجموعة دول عدم الانحياز".
ويرى سعيد أن منظمة شنغهاي "تأسست باعتبارها نوعاً من المعاندة للسياسة الأمريكية التي تحتكر فوائد العولمة لصالحها"، ما أثار غضب الصين التي تريد أن تستفيد من مبادئ العولمة، وهو الأمر الذي تقف أمريكا حائلاً أمام تحقيقه.
وأشار الرئيس السابق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن الصين تملك فائضاً في ميزان المدفوعات يصل إلى ما يقرب من 500 مليار دولار، وذلك في تعاملاتها مع جميع دول العالم، ما يجعلها دولة قوية تستفيد بشكل واسع من علاقاتها الدولية ويجعلها قادرة على مواجهة أمريكا، لذا كان تحوُّل البوصلة العربية والشرق أوسطية نحو منظمة شنغهاي، وهو ما يُعتبر رسالة مباشرة لأمريكا.
وأوضح سعيد أن ترحيب الرئيس الروسي بوتين يعطي إشارة قوية إلى فكرة "العناد" مع أمريكا بانضمام حلفاء واشنطن الكبار، مثل مصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر، إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ما يعكس "سياسة انفتاحية عربية" تُركز على توسيع قاعدة المصالح إقليمياً وعالمياً، دون البقاء في "أسر" المصالح مع الولايات المتحدة.
وتسعى منظمة شنغهاي إلى توسيع دورها ومكانتها في حل القضايا الدولية والإقليمية باعتبارها واحدة من بين كبرى المنظمات العالمية، حسب سعيد. وأضاف أن الرئيس بوتين أكد ذلك في كلمته خلال اجتماع المنظمة الأخير بأن "شنغهاي للتعاون منفتحة على كل الأطراف للمساعدة في حل مشكلات الطاقة والغذاء المزدادة في العالم".
وعن تقييم تجربة الانضمام إلى منظمة شنغهاي أكد سعيد أن "الأمر لم تتضح معالمه بعد، خصوصاً أن المنظمة ظهرت بشكل جليّ على السطح بعد الحرب الروسية الأوكرانية، رغم أنها أُنشئت منذ أكثر من 20 عاماً".
"مؤسسة منافسة لا بديلة"
وقال الدكتور عادل عامر، مدير عام المركز المصري للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، لـTRT عربي إنّ انضمام عدة دول من الشرق الأوسط إلى منظمة شنغهاي يأتي في إطار الاتفاق من أجل الانضمام إلى التكتلات التجارية والسياسية خارج إطار الأمم المتحدة، وكذلك خارج المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، وذلك نظراً إلى "فشل هذه المؤسسات التابعة لأمريكا، أو الأمم المتحدة، في حل كثير من المشكلات التي نشأت عالمياً كحرب روسيا-أوكرانيا، أو النزاع في السودان".
وأضاف عامر أن الانضمام إلى منظمة شنغهاي يأتي ضمن المنافسة التي تديرها روسيا باعتبارها مهرباً من "فشل" المؤسسات الأممية الكبرى، مشيراً إلى أن منظمة شنغهاي تُعَدّ "مؤسسة منافسة لا بديلة"، نظراً إلى كون أمريكا لا تزال تتحكم في ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي، حسب قوله.
وأشار إلى أن السياسة الخارجية لمصر، وكذلك لحلفائها من الدول العربية المنضمة إلى منظمة شنغهاي، تقوم على "توسيع علاقتها مع روسيا والصين من جانب، والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر، بما يحقق مصالحها، ودون الدخول في حالة استقطاب دولي".
من ناحيته نفى الباحث الاقتصادي وائل النحاس لـTRT عربي أن تكون منظمة شنغهاي بديلاً عن المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تتبع الأمم المتحدة أو أمريكا، مشيراً إلى أن روسيا "لم تستطع أن تحسم الحرب الأوكرانية لصالحها رغم مرور أكثر من عام على الحرب، ما يجعل قدرتها على تمكين مؤسساتها من الاقتصاد العالمي ودوائر صنع القرار الدولي ليست كما يؤمل منها".
وتابع النحاس أن التكتلات الكبرى التي تتبع أمريكا "هي صاحبة الغلبة عالمياً حتى اللحظة، نظراً إلى وجود عشرات المميزات التي تستحوذ عليها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن توفره منظمة شنغهاي، على الأقل في الوقت الحالي".