وأكد مصدر فلسطيني مطّلع، لوكالة الأناضول، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى في الأيام القليلة المتبقية قبل التهدئة المحتملة إلى تسريع وتيرة التدمير والقتل في مناطق شمال وشرق محافظة الشمال، وشرق مدينة غزة، وشرق خان يونس جنوبي القطاع، مستغلاً غياب القيود الدولية والغطاء الأمريكي المفتوح.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن إسرائيل "تحاول تدمير ما تبقى من مقومات الحياة في هذه المناطق، بهدف منع عودة السكان إليها، على غرار ما جرى في مخيم جباليا الذي دمّر بشكل شبه كامل".
تهجير قسري وتغيير ديمغرافي
منذ انطلاق "عربات جدعون" منتصف مايو/أيار الماضي، تغير التوزيع السكاني للقطاع بشكل جذري، إذ تكدّس مئات الآلاف من الفلسطينيين في ثلاث مناطق ساحلية ضيقة: غرب مدينة غزة، وغرب المحافظة الوسطى، وغرب مدينة خان يونس، في ظل استمرار القصف واستهداف أي تحرك خارج هذه الرقع الجغرافية المحدودة.
ويفصل بين هذه المناطق محاور عسكرية إسرائيلية تشكل خطوط نار مفتوحة، منها محور "نتساريم" الذي يفصل وسط القطاع عن شماله، ومحور "كيسوفيم" الذي يعزل المحافظة الوسطى عن خان يونس، إضافة إلى محور "موراج" الذي يفصل خان يونس عن رفح، المدينة التي باتت شبه خالية من سكانها بعد تهجير قسري تحت التهديد والقصف.
وحسب تقديرات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، لا تتجاوز المساحة التي يتكدس فيها السكان حالياً 15% من إجمالي مساحة القطاع، في حين تدرج إسرائيل نحو 85% من القطاع ضمن مناطق عسكرية أو خاضعة لأوامر إخلاء.
استهداف المدارس ومراكز الإيواء
وفي سياق تسريع عملية التفريغ السكاني، صعّد جيش الاحتلال خلال الأسبوع الأخير من استهدافه البنية التحتية المدنية، ولا سيما المدارس ومراكز الإيواء.
وقصف مدارس في أحياء الزيتون والتفاح بمدينة غزة، بينها مدرسة "مصطفى حافظ" التي استُهدفت دون سابق إنذار، ما أسفر عن استشهاد 17 مدنياً، بينهم نساء وأطفال. كما استُهدفت مدرسة "الشافعي" بحي الزيتون فجر السبت، ما أدى إلى استشهاد 7 من عائلة واحدة.
ووفق المصدر الفلسطيني، "هذا الاستهداف المنهجي يهدف إلى جعل تلك المواقع غير قابلة للاستخدام مستقبلاً، وبالتالي منع عودة النازحين إليها، بما ينسجم مع هدف إسرائيل المعلن بفرض وقائع جديدة على الأرض".
تدمير واسع في "المناطق الحمراء"
وتشير شهادات من السكان إلى تنفيذ جيش الاحتلال عمليات تدمير واسعة في "المناطق الحمراء" التي يصعب الوصول إليها بسبب القصف المتواصل.
ويسمع السكان يومياً عشرات الانفجارات الناتجة عن تفجير مبانٍ سكنية، لا سيما في شمال وشرق غزة، في مشهد يؤكد التوجه الإسرائيلي نحو إبادة عمرانية ممنهجة.
وأظهر مقطع فيديو نشره أحد المقاولين المتعاونين مع جيش الاحتلال حجم الدمار الهائل في حي تل الزعتر ومدينة الشيخ زايد شمال القطاع، وسط غياب تام للمدنيين.
تعزيز السيطرة والضغط التفاوضي
ووفق ما أفاد به المصدر المقرب من الفصائل الفلسطينية للأناضول، فإن إسرائيل تريد من خلال تكثيف عملها العسكري في غزة تحقيق مكاسب جديدة، سواء ميدانياً عبر تعزيز السيطرة على المناطق العازلة التي تنوي فرضها، والتوغل في مناطق جديدة من القطاع، أو على الصعيد التفاوضي، عبر الضغط العسكري لتعزيز موقفها إزاء مقترح وقف إطلاق النار، وكذلك على المستوى الاستراتيجي في ما يتعلق بتهجير السكان وتغيير الواقع الديمغرافي وترتيبات بعيدة لما بعد الحرب على غزة، حسب المصدر.
والأربعاء، نقلت صحيفة "معاريف" العبرية عن مصادر أمنية أن الجيش "جاد في نيّاته لزيادة نشاطه في غزة، وأنه يدفع بكامل القوات من أجل تحقيق نصر حاسم على حماس في غضون أيام أو أسابيع"، في إشارة لتحقيق مكاسب جديدة ميدانياً.
والخميس، قالت القناة "12" العبرية إن الجيش يستعد لاستكمال السيطرة على القطاع من خلال الفرق الخمس التي تناور في الميدان"، ما اعتبرته "أمراً ضخماً لم يُشهد مثله منذ أكثر من عام".
وتابعت: "ضمن تلك الفرق، يعمل في منطقة رفح جنود من الفرقة 143، كما تعمل الفرقة 36 في خان يونس، وتعمل الفرقة 99 في مناطق جباليا وبيت لاهيا (شمال) ونتساريم (وسط)".
و"يتركز القتال حاليا في حي الشجاعية (شرق مدينة غزة)، حيث وسّع الجيش نطاق عملياته خلال الأسبوع الماضي"، وفق القناة. وأفادت بأن "الجيش يستعد لتطويق مدينة غزة والمخيمات الوسطى ومنطقة المواصي، وهي المنطقة التي نزح إليها معظم الفلسطينيين".
يأتي ذلك في ظل تقارير تفيد بحدوث تقدم في مفاوضات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة.
ومن المقرر أن يغادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حسب هيئة البث، ومن المتوقع أن يعلن ترمب عن وقف إطلاق النار في غزة الاثنين المقبل، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
وتقدر تل أبيب وجود 50 محتجزاً إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون تعذيباً وتجويعاً وإهمالاً طبياً، أودى بحياة عديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلفت نحو 193 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.