لعقود طويلة كان قصر "طوب قابي" في مدينة إسطنبول مقراً لواحدة من أعظم الإمبراطوريات التي حكمت في العالم.
القصر الذي شيَّده فاتح القسطنطينية محمد الفاتح بين عامي 1459و1465 ظلّ مقراً للسلاطين العثمانيين، قبل الانتقال منه في القرن الثامن عشر.
وبعد إنشاء الجمهورية التركية تحول القصر إلى متحف تروي مقتنياته سيرة رجال كان لهم الدور الأهم في حكم دولة امتدت من قلب أوروبا إلى صحارى إفريقيا.
متحف "طوب قابي"
تضم مدينة إسطنبول مجموعة من القصور والمتاحف، يعد "طوب قابي" أبرزها وأهمها، متصدراً قائمة الأماكن الأكثر استقطاباً للزوار، إذ بلغ عدد زائريه مليوناً و964 ألفاً، خلال النصف الأول من العام الجاري.
يتألف القصر من أربعة أفنية رئيسية وعدد من المباني عبارة عن مساكن ومطابخ ومساجد ومستشفى وغيرها، وكان يقيم فيه ما يقرب من 4000 شخص.
وفي أبريل/نيسان الماضي جرى توسيع المتحف وإضافة نحو ألفين و150 متراً مربعاً إلى مساحته، وجرى ترميم 4 مهاجع فيه كانت مغلقة منذ 165 عاماً، ليضفي عليه مزيداً من الهيبة والجمال.
ومع توسيع المتحف ارتفع عدد القطع الأثرية المعروضة فيه، حيث جُلب المزيد منها إلى المساحات الجديدة.
ويضم المتحف عشرات آلاف القطع الأثرية التي تعود إلى فترة صدر الإسلام والفترات التي تلتها، إضافةً إلى العصر العثماني.
وتتألف القطع الأثرية من أسلحة وقطع فنية وألبسة وأوانٍ وعروش السلاطين وسجلات تاريخية، ويتميز بكثرة الأجنحة والغرف التي كانت تسكنها عائلات السلاطين وأركان الدولة.
ومن أجنحة القصر: جناح العهد، وجناح والدة السلطان، وديوان السلطان ووزرائه، وجناح لكل زوجة من زوجات السلطان، إضافةً إلى متحف للهدايا التي كانت تهُدى إلى السلطان، وساحة للمراسم والاحتفالات.
الأمانات المقدسة
ومن أهم أقسام المتحف "غرفة الأمانات المقدسة" التي تضم بُردة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشعرة من لحيته الشريفة، وآثار أقدامه، ومحفظة لسنه الشريفة التي كُسرت في غزوة أحد، وبعض مراسلاته، بالإضافة إلى سيفه.
كما تضم الغرفة وعاء طعام للنبي إبراهيم، وعصا النبي موسى، وسيف النبي داوود، وعباءة النبي يوسف، وسيوفاً تعود لخلفاء المسلمين، وبردة السيدة فاطمة بنت النبي محمد، ومفاتيح الكعبة المشرفة، ومحفظة الحجر الأسود.
ويعد الاعتناء بالمقتنيات المقدسة تقليداً عثمانياً منذ قرون، ويجري تنظيفها بشكل موسمي في شهر رمضان الكريم، وهذا التقليد مستمر منذ عام 1517، أي إحضار المقتنيات إلى مدينة إسطنبول، مقر الخلافة الجديدة، عقب ضم السلطان العثماني سليم الأول مصر إلى دولته، حيث تُحفظ في "الغرفة الخاصة" بالمتحف.
ويُتلى القرآن في هذه الغرفة على مدار الساعة، ويتناوب 40 حافظاً على القراءة.
أسلحة من عصور وحضارات
ويعد جناح الخزانة الداخلية من أكثر أقسام القصر زيارةً، بعد جناح الأمانات المقدَّسة، لما يضمّه من تشكيلة أسلحة متنوعة تنتمي لحقب تاريخية مختلفة.
وتعود مجموعة الأسلحة إلى ثقافات وحضارات ودول متعددة، كالأموية والعباسية والمماليك وتتار القرم والهند واليابان، إضافةً إلى مجموعة بارزة من الأسلحة تعود لعهد الدولة العثمانية.
وتضم المجموعة أسلحة تعود إلى السلطان محمد الفاتح وبعض السلاطين وكبار رجال الدولة العثمانية، إضافةً إلى أسلحة كانت موجودة في الخزائن الملكية بالبلاد التي فتحها العثمانيون، وأخرى كانت تُهدى للسلاطين.
موقع مميز
ويطل القصر على مشاهد جميلة تشمل مدخل البوسفور والخليج الذهبي وشطري المدينة الآسيوي والأوروبي، ويحيط به البحر من ثلاث جهات، وتزينه القباب والأبراج.
ويحتاج الزائر إلى 5 ساعات على الأقل للتجول في أنحاء المتحف، لكثرة أجنحته ومقتنياته.
ويتدفق السيّاح بشكل يومي على المتحف، وقسم كبير منهم يتجولون على شكل مجموعات مع دليل سياحي يشرح لهم تفاصيل المتحف وقطعه الأثرية وامتداداته التاريخية.