مضى 22 عاماً على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ أمريكا الحديث، فبعد مرور أكثر من عقدين على الهجمات الإرهابية، لا يزال تأثير الأحداث يتردد صداه في كل جانب من جوانب المجتمع المعاصر في الولايات المتحدة.
في 11 سبتمبر 2001، استولت مجموعات صغيرة من الخاطفين على أربع طائرات ركاب أقلعت من نيويورك وبوسطن وواشنطن إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، واستخدمتها لضرب مبانٍ بارزة في نيويورك وواشنطن.
وضربت طائرتان برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك، فيما دمَّرت طائرة ثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن.
أما الطائرة الرابعة، فتحطمت في حقل بولاية بنسلفانيا، ويُعتقد أن الخاطفين كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول، مقر مجلسَي النواب والشيوخ (الكونغرس)، في واشنطن العاصمة.
بعدها بوقت قصير، أعلنت الولايات المتحدة إغلاق مجالها الجوي، في محاولة لوقف المزيد من الهجمات المحتملة.
وأودت الهجمات بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص، وتعرض نحو 400 ألف شخص لسحابة غبار مسرطنة، أغلبهم من رجال الإطفاء والشرطة الذين عملوا على إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناجين.
تغيير ثقافي
لم يقتصر تأثير الأحداث على إعادة تشكيل ديناميكيات الأمن الدولي فحسب، فقد أدّى أيضاً إلى إحداث تغيير في الجانب الثقافي الأمريكي، ففي الفترة التي أعقبت الكارثة مباشرةً تجنب منتجو الأفلام الإشارة إلى الموضوع واستُبدلت أشياء كثيرة تضمنت إشارات مرئية إلى برجَي مركز التجارة العالمي.
أحد الأمثلة الشهيرة كان فيلم ديزني للرسوم المتحركة "ليلو وستيتش" عندما استُبدِل بمشهد في الفيلم حيث يختطف الكثير من الشخصيات طائرة "بوينغ 747" ويطيرون بها عبر وسط مدينة "هونولولو"، مشهد آخر لاستبدال الطائرة بسفينة فضائية غريبة.
كما حُذف مشهد من فيلم 'الرجل العنكبوت' يخطط فيه البطل للتسلق بين البرجين، في حين أُجِّل فيلم "Martin Scorsese Gangs of New York" لمدة عام كامل ليصدر بنهاية المطاف في ديسمبر/كانون الأول 2002.
وفي الوقت الذي تجنب فيه المنتجون تناول الحادث، طرح بعض المنتجين أفلاماً حول الأحداث. ففي عام 2006، عُرِض فيلم "مركز التجارة العالمي" من بطولة نيكولاس كيدج، وفيلم 'يونايتد 93' اللذين يتناولان الموضوع.
وفي عام 2014، عََرض فيلم بعنوان "القناص الأمريكي" السيرة الذاتية لحياة الجندي كريس كايل، الذي يعد القناص الأكثر دموية في تاريخ الجيش الأمريكي، حيث تناولت الكثير من المشاهد قتل مسلمين مجهولَي الهوية فقط من أجل متعة المتفرج، وفق محللين.
هاجس أمني
تغلغل هاجس انعدام الأمن في المجتمع الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر، الأمر الذي أثّر أيضاً على الجانب السياسي في الولايات المتحدة.
قبل أحداث 11 سبتمبر، كان الإرهاب يُعد تهديداً خارجياً هامشياً، ولكن بعد الأحداث، أصبح مصطلح "مكافحة الإرهاب" أولوية قصوى لكل إدارة أمريكية، حتى لو تغيرت رؤيتها بمرور الوقت.
شكّل مصطلح "الحرب على الإرهاب"، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السباق جورج دبليو بوش للقضاء على الإرهاب وداعميه، انعطافة وصفها الكثير بالخطيرة وغير المسبوقة في التاريخ لاعتبارها حرباً غير واضحة المعالم وتختلف عن الحروب التقليدية.
في مايو/أيار 2010، أفاد تقرير استراتيجية الأمن القومي، الذي نشرته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بالتخلّي عن مصطلح "الحرب على الإرهاب".
وذكر التقرير أن "الولايات المتحدة ليست في حرب عالمية ضد الإرهاب أو الإسلام... نحن فيه حرب ضد شبكة محددة، القاعدة وأذرعها الإرهابية التي تدعم جهوداً تستهدف الولايات المتحدة، وحلفاءها، وشركاءها".
ومنذ ذلك الحين، استخدم بعض السياسيين "شبح" الإرهاب لتضخيم التهديد المتصوّر من أجل مكاسب سياسية، خصوصاً خلال الحملات الانتخابية.
ويمكن أن يكون هذا النهج بمثابة "بروباغندا" لحشد الدعم الشعبي وتشويه سمعة المعارضين وتعزيز المكانة السياسية للمرشّح من خلال تصوير نفسه مدافعاً عن الأمن القومي، كما يرى مراقبون.
وكان لمثل هذه التكتيكات تأثير عميق على التصورات العامة والقرارات السياسية في الولايات المتحدة، مما أضاف تعقيداً حول العلاقة بين الإرهاب والسياسة والخوف العام.
الحرب في العراق
بدأت الحرب في العراق في مارس 2003، إذ قادت واشنطن تحالفاً دولياً أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين (1979-2003)؛ بزعم تطويره أسلحة دمار شامل وارتباطه بتنظيم "القاعدة"، وهو ما اتضح لاحقاً أنها مبررات كاذبة.
ومحاولاً تبرير الحرب على العراق، قال وزير الخارجية الأمريكي في حينه كولن باول، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي قبل شهر من الغزو: "كل تصريح أُدلي به اليوم مدعوم بمصادر موثوقة، ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات مبنية على معلومات استخباراتية موثوقة".
لكن لم يُعثَر على أي أسلحة كيميائية ولا بيولوجية في العراق، رغم تحقيقات مكثفة أعقبت القضاء على صدام وجيشه، ليعلن باول لاحقاً أن خطابه في مجلس الأمن كان "أكبر شي ندم عليه" خلال عقود من عمله في الخدمة العامة.
وعقب الإطاحة بصدام، شهد العراق أعمالاً عدائية دموية متقطعة استمرت حتى انتهاء الاحتلال الأمريكي عام 2011.
ولا تزال واشنطن تحتفظ بقوات في العراق، بعد أن غيَّرت مهمتها من القتال إلى تقديم التدريب والاستشارات، لكنَّ جماعات مسلحة عراقية تشن من حين إلى آخر هجمات على تلك القوات، مطالبةً بانسحاب أمريكي كامل.
تنظيم "داعش" الإرهابي
وعلى الرغم من انتهاء حروبها التي ظلت مستمرة منذ أحداث 11 سبتمبر رسمياً، فإن الولايات المتحدة عادت إلى الواجهة من جديد من خلال الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي ظهر على شكل تهديد إرهابي جديد في العراق يفوق بكثير المخاطر التي شكَّلها تنظيم "القاعدة"، ففي 2011، ظهر تنظيم "داعش" بشكل بارز واجتذب أتباعاً من جميع أنحاء العالم تجمعوا في الجارتين العراق وسوريا.
وفي أوج قوته، سيطر "داعش" الإرهابي على ثلث سوريا و40% من العراق، وسط حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع.
وعلى الرغم من دحر "داعش" الإرهابي في الكثير من المناطق في البلدين، نتيجة حملة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا في المنطقة وفروع له في غرب إفريقيا وأفغانستان.
وحتى اليوم، تشارك قوات أمريكية في جهود دولية تهدف إلى إنهاء تهديدات "داعش" و"القاعدة"، لكن من دون نهاية قريبة تَلوح في الأفق.