تشهد مناطق مختلفة حول العالم تغيّرات جوية مفاجئة وهطل أمطار غزيرة تسبب فيضانات وكوارث طبيعية تؤثر بشكل كبير في الحياة الإنسانية والبيئة. وفي ليبيا، شهدت البلاد مؤخراً واحدة من هذه الكوارث، التي كان لها تأثير هائل في السكان والبنية التحتية.
وضرب الإعصار، الذي أطلق عليه اسم "دانيال" من خدمات الأرصاد الجوية الوطنية في جنوب شرق أوروبا، كلاً من اليونان وتركيا وبلغاريا قبل أن يخلف خسائر هائلة في ليبيا.
وبحسب آخر الإحصائيات، تجاوز عدد ضحايا الإعصار المتوسطي "دانيال" الذي اجتاح مدن شرقي البلاد، 5 آلاف وفاة، جلهم في درنة. بينما قُدرت أعداد المفقودين جراء الفيضانات بـ"الآلاف".
إعصار دانيال
بدأت العاصفة في البحر الأيوني في 4 سبتمبر/أيلول، وسرعان ما اكتسبت قوة حولتها في 8 سبتمبر لتصبح عاصفة استوائية، ومن ثم إعصاراً استوائياً قبل أن تضرب اليابسة بالقرب من مدينة بنغازي في ليبيا يوم الأحد.
وتسبب الإعصار في هطل أمطار غزيرة في جميع أنحاء ليبيا، قُدرت بنحو 250 ملم في غضون ساعات قليلة، وهو ما يقرب من معدل هطل الأمطار السنوي البالغ قرابة 270 ملم وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ما أدى إلى حدوث فيضانات واسعة النطاق.
كما تسببت الرياح العاتية في أضرار جسيمة للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمنازل.
بينما كانت مدينة درنة في ليبيا أكثر المناطق تضرراً من العاصفة، إذ تسبّب انهيار سدين في المدينة في مقتل ما لا يقل عن 2700 شخص. كما تسببت العاصفة في مقتل العشرات في مدن بنغازي وسوسة والبيضاء والمرج.
وتسببت العاصفة أيضاً في أضرار جسيمة في اليونان، فقد تسببت الفيضانات الكارثية في مقتل أكثر من 15 شخصاً وفقدان 20 آخرين، جلهم في اليونان. كما تسببت في أضرار جسيمة للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمنازل.
كيف تتكون الأعاصير؟
الأعاصير عبارة عن ظواهر طبيعية تتشكل فوق المحيطات الاستوائية الدافئة. فهي بحاجة إلى هواء دافئ ورطوبة عالية ورياح خفيفة للبدء.
تبدأ العملية بموجة استوائية، وهي منطقة ذات ضغط منخفض، تتحرك عبر المناطق الاستوائية. ومع تحرك الموجة الاستوائية فوق الماء الدافئ، يسخن الهواء فوق الماء ويرتفع، وهذا يخلق منطقة ذات ضغط منخفض، التي تسحب المزيد من الهواء من المناطق المحيطة.
ومع ارتفاع الهواء، يبرد ويتكثف، مكوناً السحب. تطلق الغيوم الحرارة، ما يزيد من تدفئة الهواء ويجعله يرتفع إلى أعلى، وهذا يخلق حلقة مكتفية ذاتياً، إذ يرتفع الهواء الدافئ، ويبرد، ويتكثف، ويطلق الحرارة، ويرتفع مرة أخرى. ومع ازدياد قوة العاصفة، تبدأ الرياح حول مركز العاصفة في الدوران، تساعد الرياح الدوارة على جذب المزيد من الهواء الدافئ والرطب، ما يؤدي إلى تغذية العاصفة بشكل أكبر.
وعندما تصل سرعة الرياح في العاصفة إلى 119 كيلومتراً في الساعة تصنف العاصفة على أنها عاصفة استوائية. وإذا وصلت سرعة الرياح إلى 178 كيلومتراً في الساعة تصنف على أنها إعصار. ويمكن أن تنمو الأعاصير بشكل كبير وقوي جداً، إذ إن أقوى الأعاصير سجل سرعة رياح تزيد على 253 كيلومتراً في الساعة.
ما العلاقة بين الاحتباس الحراري والأعاصير؟
تعدُّ العلاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري وكثرة الأعاصير مجالاً بحثياً معقداً، وما زال في طور التطور. ومع ذلك، هناك أدلة متزايدة على أن ظاهرة الاحتباس الحراري تجعل الأعاصير أكثر شدة وتدميراً.
إحدى الطرق الرئيسية التي يعتقد أن ظاهرة الاحتباس الحراري تؤثر في الأعاصير هو تبخّر المزيد من المياه خلال فصل الصيف. فبخار الماء هو العنصر الرئيسي في السحب، والمزيد من بخار الماء يعني المزيد من السحب، يمكن للسحب أن تحبس الحرارة، ما قد يساعد في تأجيج الأعاصير.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن ظاهرة الاحتباس الحراري تعمل على تغيير أنماط الرياح في الغلاف الجوي. ويمكن أن يؤثر هذا في الطريقة التي تتحرك بها الأعاصير، ما يزيد من احتمالية تحركها نحو مناطق معينة.
لماذا يطلق على الأعاصير أسماء بشرية؟
بدأت الممارسة الحالية المتمثلة في تسمية الأعاصير بأسماء بشرية على يد كليمنت وراج، عالم الأرصاد الجوية الأسترالي في أواخر القرن التاسع عشر. اعتقد وراج أن إعطاء أسماء بشرية للأعاصير من شأنه أن يسهل تذكرها، ويساعد على تجنّب الارتباك عندما تكون هناك عدة عواصف نشطة في الوقت نفسه.
تُختار أسماء الأعاصير من لجنة تابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO). وتُدوَّر الأسماء كل ست سنوات، إذ لا يُستخدم أي اسم أكثر من مرة واحدة خلال فترة ست سنوات، وهذا يساعد على تجنّب الارتباك، إذ سيكون الناس على دراية بأسماء الأعاصير التي حدثت في الماضي.
لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أيضاً قائمة بالأسماء التي سُحبت من الاستخدام بعد أن تسبب الإعصار في أضرار جسيمة أو خسائر في الأرواح، وذلك احتراماً لضحايا العاصفة وتجنّب ربط الاسم بحدث سلبي.
تجدر الإشارة إلى أن اختيار أسماء الأعاصير ينتقى من قائمة أسماء الذكور والإناث الشائعة في البلدان المتضررة من الأعاصير، وذلك بهدف جعل الأسماء مألوفة أكثر، ويسهل تذكّرها للأشخاص في تلك البلدان.