كان كومو، الذي استقال سابقاً على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي، يأمل في العودة إلى الواجهة السياسية بدعم من شخصيات بارزة في الحزب، من بينها الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
إلا أن حملته لم تتمكن من جذب القاعدة الناخبة، لا سيما مع ازدياد التململ من المؤسسة الحزبية في أوساط الشباب واليسار الديمقراطي. وقال كومو في خطاب مقتضب مساء الثلاثاء، أمام أنصاره: "الليلة لم تكن ليلتنا... لقد اتصلت به وهنأته... لقد فاز".
وحسب النتائج الأولية الصادرة عن لجنة الانتخابات في المدينة، حصل ممداني على نحو 43% من الأصوات بعد فرز 95% من بطاقات الاقتراع. وشارك في الانتخابات التمهيدية للحزب نحو عشرة مرشحين، في سباق يخوضه الديمقراطيون بارتياح نسبي في مدينة يتجاوز فيها عدد الناخبين المسجلين ضمن الحزب عدد الجمهوريين بثلاثة أضعاف.
وجرت عملية الاقتراع في ظروف مناخية صعبة بسبب موجة حر شديدة، وأُغلقت الصناديق عند التاسعة مساءً بالتوقيت المحلي. ووفق نظام "الاختيار الترتيبي" المعتمد في المدينة، يطلب من الناخبين ترتيب خمسة مرشحين حسب الأفضلية.
وفي حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة (50%+1)، تبدأ عملية إعادة فرز تدريجية تُستبعد خلالها الأسماء الأقل دعماً، ما قد يُطيل حسم النتائج النهائية.
ورغم الاسم الثقيل الذي يحمله كومو، ومكانته السابقة في الحياة السياسية، لم تنجح حملته في كبح اندفاعة ممداني، الذي خاض حملة ركّزت على أزمة القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة في نيويورك، وطرح وعوداً مثل تجميد الإيجارات وتوفير النقل المجاني، بدعم من قاعدة شبابية وحضور قوي على منصات التواصل الاجتماعي.
وحسب واشنطن بوست، وُلد زهران ممداني في أوغندا وانتقل إلى نيويورك في سن السابعة. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وعمل مستشاراً لمنع حجز الرهن العقاري في كوينز، حيث ساعد الأسر ذات الدخل المنخفض من مجتمعات الأقليات. وقد صرّح بأن هذه التجربة كانت دافعاً رئيسياً لدخوله العمل السياسي.
في عام 2020، انتُخب ممداني لعضوية مجلس ولاية نيويورك ممثلاً عن منطقة كوينز، ويشمل نطاق دائرته أحياء: أستوريا، ودتمارس-ستاينواي، وأستوريا هايتس. وكان نشطاً سياسياً منذ دراسته الجامعية في كلية بودوين، حيث تخصّص في دراسات الشعوب الإفريقية وشارك في تأسيس فرع "طلاب من أجل العدالة في فلسطين".
وإذا نجح ممداني في الانتخابات العامة المقبلة، فسيصبح من أصغر من تولّوا منصب عمدة نيويورك في تاريخها، وأول مسلم يشغل هذا المنصب في مدينة يقطنها أكثر من نصف مليون مسلم، وتُعد موطناً لإحدى كبرى الجاليات اليهودية خارج إسرائيل، وفق ما نقلت شبكة CNN.
تقدُّم لافت للتقدميين يُعمِّق انقسام الحزب الديمقراطي
تعكس نتائج الانتخابات التمهيدية الأخيرة في نيويورك تصاعد تأثير الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، في وقت يشهد فيه الحزب اضطراباً داخلياً على المستوى الوطني عقب خسارته الانتخابات الرئاسية أمام دونالد ترمب العام الماضي.
فرغم أن هذا الاستحقاق المحلي لم ينجح في تهدئة مخاوف قيادة الحزب، فإن الحملة التي قادها زهران ممداني، بتركيزها على العدالة الاجتماعية ومعالجة أزمات السكن وتكاليف المعيشة، وجدت صدى واسعاً بين شرائح الناخبين، لا سيما الشباب، حسب تحليل نيويورك تايمز.
ويخوض ممداني حملته مدعوماً من "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا"، وهي حركة سياسية يسارية تُعد من أسرع التيارات صعوداً داخل المدن الكبرى.
ووفق الصحيفة، لم يكن متوقعاً قبل أسابيع فقط أن ينجح ممداني في إزاحة خصم ثقيل سياسياً مثل أندرو كومو، المدعوم من المؤسسة الحزبية التقليدية.
وترى نيويورك تايمز أن هذا الارتباط الوثيق بين كومو وقيادات الحزب المخضرمين قد أضعف من جاذبيته لدى القواعد الناخبة التي أظهرت توقاً واضحاً للتغيير.
في هذا السياق، قال باسيل سميكل، الأستاذ في كلية الدراسات المهنية بجامعة كولومبيا: "الناخبون غير راضين عن أداء المؤسسة الديمقراطية الوطنية، ويريدون التركيز على بناء حركة سياسية من الأسفل. وممداني لم يقدّم نفسه على أنه مرشح تقليدي، بل بنى حركة اجتماعية حول ترشّحه”.
وقد حظي فوز ممداني بترحيب شخصيات تقدمية بارزة، من بينها السيناتور بيرني ساندرز، والنائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، وهما من أشد المنتقدين لترمب.
وكتبت أوكاسيو-كورتيز على منصة "إكس": “المليارديرات وجماعات الضغط أنفقوا الملايين لإسقاطك ولتشويه نظامنا التمويلي العام... ومع ذلك، انتصرت".
أما ساندرز فكتب: "لقد واجهت المؤسسة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وتغلّبت عليها".
في المقابل، شنّ المرشح الجمهوري كيرتس سليوا، هجوماً عنيفاً على ممداني، واصفاً إياه بأنه "راديكالي مفرط لا يناسب مدينة على حافة الانهيار"، مضيفاً: "ليس هذا وقت الشعارات الثورية، بل وقت القيادة الحقيقية. لقد نذرت حياتي للدفاع عن هذه المدينة... لِنَفُزْ في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني"!
وترى شرائح من الناخبين أن ما جرى لا يمثل مجرد تنافس محلي، بل يعكس اختباراً لطبيعة الحزب الديمقراطي في المرحلة المقبلة.
وقال نيكولاس زانتال (31 عاماً) في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: "هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على اتجاه الحزب الديمقراطي: هل نسير خلف مرشح معتدل من الجيل القديم، أم نحو تيار يساري شاب، طموح، ومثالي؟".
الموقف من إسرائيل
حسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز، يُعد زهران ممداني من أبرز الأصوات التقدمية الناقدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وهو ما جعله محطّ اهتمام وانتقاد على المستويين المحلي والوطني.
ففي عام 2023، قدّم مشروع قانون في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك يهدف إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية الممنوحة للجمعيات الخيرية التي تربطها علاقات بمستوطنات إسرائيلية وُصفت بأنها تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومع ذلك، رأت قيادة الجمعية أن المشروع "غير قابل للنقاش سياسياً"، ولم يُطرح للتصويت.
كما أشار تقرير نيويورك تايمز إلى أن ممداني عبّر مراراً عن معارضته الشديدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وأعلن تأييده لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). وذهب في تصريحاته إلى حد المطالبة باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على خلفية ما وصفها بـ"انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين".
ورغم تلك المواقف المثيرة للجدل، أكّد ممداني، وفق نيويورك تايمز، رفضه القاطع لمعاداة السامية، مشدداً على أنه يُميز بوضوح بين معاداة الصهيونية ومعاداة اليهود. وأوضح أنه في حال انتخابه عمدة لنيويورك، فإنه سيزيد من تمويل برامج مكافحة جرائم الكراهية، لا سيما تلك المرتكبة بحق الجاليات الدينية.
في المقابل، استغل الجمهوريون هذه المواقف لتصوير ممداني على أنه رمز لـ"تطرّف" الحزب الديمقراطي. فقد أعلنت "اللجنة الوطنية الجمهورية للكونغرس" أن ممداني هو "الوجه الجديد للديمقراطيين"، في ما بدا أنه مقدّمة لحملة انتخابية مضادة على المستوى الوطني.
وكتب السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، ريك سكوت، على منصة "إكس"، أن فوز ممداني سيؤدي إلى "هروب مزيد من سكان نيويورك" إلى ولايته، في إشارة إلى تصاعد الخطاب اليساري في المدينة.
أما النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، فأطلقت حملة لجمع التبرعات بعد إعلان فوز ممداني، وكتبت في رسالتها:
"معدتي انقلبت. هذا الرجل متعاطف مع إرهابيي حماس".
وهو اتهام ترفضه حملة ممداني التي تؤكد التزامه بحقوق الإنسان ومناهضة كل أشكال الكراهية، بما في ذلك معاداة السامية.