تمثل الأستاذة الفلسطينية الراحلة جميلة الشنطي، أحد أبرز الوجوه النسائية داخل حركة المقاومة الإسلامية حماس، وذلك بدورها الكبير وإسهاماتها الكثيرة داخل المكتب السياسي للحركة، خصوصاً في العمل النسوي داخل الحركة. فمن جميلة الشنطي؟ وأي خطر شكلته على جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى يغتالها؟
ولادة ونشأة جميلة الشنطي:
في الخامس عشر من شهر مارس/آذار سنة 1957، ولدت جميلة عبد الله طه الشنطي، في مخيم جباليا الواقع بين مدينتي غزة وبيت لاهيا شمال قطاع غزة المحاصر.
ولدت "أم عبد الله"، لقب جميلة الشنطي، لأسرة تعود أصولها إلى قرية الجية التي دمرت بعد نكبة 1948، والتي استولى عليها المستوطنون اليهود، قرب مدينة المجدل (أشكلون حاليا) على مقربة من مدينة عسقلان المحتلة.
نشأت الدكتورة جميلة الشنطي في أسرة محافظة ومتواضعة، عرفت بتدينها واهتمامها بالعلم والثقافة والأدب العربي والأجنبي. شجعتها أسرتها في استكمال دراستها الجامعية، إيماناً منها بالدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه مستقبلاً في مسيرة التحرر الفلسطيني، كما لعبته النساء الفلسطينيات في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر التاريخ.
دراسة وتكوين جميلة الشنطي:
درست أم عبد الله المراحل التعليمية الثلاث الابتدائية والإعدادية (المتوسطة) ومرحلة الثانوية العامة (البكالوريا) إلى حصولها على الشهادة الثانوية، في إحدى المدارس الثانوية التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
بعد ذلك، قررت الخروج من قطاع غزة بهدف استكمال دراستها الجامعية، وقع اختيارها على جامعة عين شمس في محافظة القاهرة بجمهورية مصر العربية، ودرست فيها وتوجتها بحصولها على شهادة البكالوريوس (الإجازة) في اللغة والأدب الإنجليزي سنة 1980.
ثم عادت مرة أخرى إلى مسقط رأسها في قطاع غزة المحاصر، بعد 10 سنوات قضتها معلمةً في المملكة العربية السعودية. التحقت بكلية التربية التابعة للجامعة الإسلامية في مدينة غزة، وحصلت منها على درجة الماجستير (الماستر) في تخصص أصول التربية سنة 1998.
وبسبب وجودها ضمن قائمة الاغتيالات التي حددتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسبب انتمائها إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، لم تستطع الأستاذة جميلة الشنطي الالتحاق بجامعة دبي في الإمارات العربية المتحدة، واكتفت بالدراسة عن بعد، إلى حصولها سنة 2013، على شهادة الدكتوراه في إدارة التربية من كلية فرحة للعلوم الأسرية، التابعة لذات الجامعة بالإمارات.
المسار السياسي للسيدة جميلة الشنطي:
إيماناً منها بالدور الكبير والفعال الذي يمكن أن تلعبه المرأة الفلسطينية داخل نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، قررت السيدة جميلة الشنطي دخول غمار السياسة والنضال، بهدف إسماع الصوت الفلسطيني، الذي أريدَ له ألاّ يُسمع.
التحقت بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، في أثناء متابعة دراستها في جامعة عين شمس بالعاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1977 و1980، وشكلت تلك الخطوة المهمة في حياتها، أول خطوة تخطوها نحو ميدان السياسة والنضال والتحرير.
كما شاركت بعدها جميلة الشنطي، في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، إذ كانت من الجيل الأول المؤسس للحركة سنة 1987. ثم عادت من المملكة العربية السعودية بعد أكثر من عقد في مجال التدريس والتعليم، لتتفرغ للنضال السياسي داخل قطاع غزة، فانضمت إلى العمل التنظيمي داخل حركة حماس سنة 1990.
نجحت السيدة جميلة الشنطي في عملية كسر الحصار التي قادتها من خلال قيادة وتنظيم مسيرة نسائية نحو مسجد أم النصر في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة. حيث نجحت في فك وكسر الحصار المفروض على عدد من مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية، الذين لجؤوا إلى المسجد المذكور واحتموا به، بعد اجتياح قوات الاحتلال الصهيوني بلدة بيت حانون، في أقصى شمال القطاع المحاصر.
وأدت عملية كسر الحصار إلى بروز اسمها داخل الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، فاشتهرت أكثر وزادت شعبيتها. كما برز اسمها أيضاً لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إذ وُضعت ضمن القائمة الموحدة للاغتيالات، لا لشيء إلا لأنها فكت الحصار وحررت أبناء شعبها، قبل أن يتعرضوا لمذبحة داخل أحد بيوت الله (مسجد أم النصر).
وفي عام 2006، أي نفس السنة التي نظمت فيها مسيرة نسائية نحو مسجد ام النصر، نجحت جميلة الشنطي في نيل مقعد برلماني داخل المجلس التشريعي الفلسطيني، ممثلة عن كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة حماس.
كما عينت جميلة الشنطي في سنة 2023 وزيرة لشؤون المرأة داخل الحكومة في غزة، ثم نجحت في نيل منصب عضو المكتب السياسي لحركة حماس، لتصبح أول قائدة نسائية في المنصب سنة 2021.
وذكّرت جميلة الشنطي في أحد تصريحاتها الإعلامية، بأن المرأة تشارك باستمرار في صنع القرار السياسي داخل حركة حماس، فضلاً عن تشاور اعضائها مع النساء حتى في بعض الجوانب العسكرية. كما ذكرت بأن المرأة الفلسطينية تبدي استعدادها في كل الميادين والظروف الصعبة، للتضحية في سبيل تحقيق رسالتها الأساسية.
تقلدت الدكتورة جميلة الشنطي عديداً من المناصب والمسؤوليات، في مجالات عديدة، بخاصة في ميدان النضال والسياسة، فضلاً عن مجال التربية والتعليم. إذ رحلت صوب المملكة العربية السعودية بعد استكمالها الدراسة الجامعية في مصر، وعملت في السعودية معلمة لمدة عشر سنوات خلال الفترة الممتدة بين عامي 1980 إلى عام 1990.
قبل أن تقرر العودة إلى قطاع غزة المحاصر، حيث التحقت بالعمل التنظيمي لحركة المقاومة الإسلامية حماس سنة 1990، وأسندت إليها مهمة رئاسة العمل النسائي داخل الحركة لسنوات طويلة. كما أشرفت جميلة الشنطي على ملف الجامعات والكتاتيب القرآنية والدروس التعليمية للنساء في مساجد القطاع، داخل حركة حماس.
إلى جانب ذلك، ترأست جميلة الشنطي أكثر من مرة مجلس الشورى الخاص بالنساء المنتميات للحركة لدورتين متتاليتين. بالموازاة مع ذلك، عملت جميلة الشنطي مشرفة متخصصة في الجانب التربوي داخل الجمعية الإسلامية في مدينة غزة، أحد أكبر الجمعيات الخيرية في القطاع، التي تعنى بتربية وتعليم الناشئة وتحفيظهم القرآن الكريم والآداب الإسلامية.
فضلاً عن السنوات الطويلة التي قضتها جميلة الشنطي في إلقاء الدروس والمحاضرات داخل كلية التربية التابعة للجامعة الإسلامية داخل القطاع، وهي الجامعة التي حصلت منها على شهادة الماجستير في ذات التخصص، سنة 1998.
في سنة 2006، ترشحت الدكتورة جميلة الشنطي خلال الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي أجريت في الخامس والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني من نفس العام. وتمكنت من الفوز بمنصب عضو داخل المجلس التشريعي الفلسطيني، التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية، ممثلة لكتلة التغيير والإصلاح، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
استمرت جميلة الشنطي في العمل داخل المجلس التشريعي الفلسطيني منذ أوائل سنة 2006 لمدة 12 سنة، إلى وقت حل المجلس في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2018.
ثم في سنة 2013، عينت جميلة الشنطي وزيرة لشؤون المرأة داخل حكومة حركة حماس التي كانت، ولا تزال، تسيطر على قطاع غزة وتديره. قبل انتخابها داخل المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس سنة 2021، لتصبح سيدة تنجح في نيل عضوية المكتب السياسي داخل الحركة.
محاولات الاغتيال جميلة الشنطي:
تعرضت الدكتورة الفلسطينية الغزاوية جميلة الشنطي، لعدد من محاولات التصفية والاغتيال من طرف جيش ومخابرات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها باءت كلها بالفشل. ووضعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضمن قائمة الاغتيالات، منذ سنة 2006.
أبرز هذه المحاولات الصهيونية الفاشلة كانت في السادس من نوفمبر/تشرين الأول سنة 2006، إذ استهدفت طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، منزلها في وسط مخيم جباليا شمالي القطاع، إلا أنها نجت ولم تصب بأذى، بسبب عدم وجودها في البيت وقت العملية. في حين استشهدت زوجة أخيها، نهلة الشنطي، فضلاً عن شخصَين آخرَين كانا في مكان قريب من المنزل.
استشهاد جميلة الشنطي:
في يوم الخميس الماضي (19 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، أعلن المجلس التشريعي الفلسطيني (PLC)، خبر استشهاد النائبة الفلسطينية جميلة الشنطي، بعد استهداف بيتها في مخيم جباليا، عن طريق غارة جوية شنتها طائرات سلاح الجو التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في ليلة الخميس الماضي.
ونعى المجلس الشهيدة جميلة الشنطي، مؤكداً سير نواب المجلس على "دربها ودرب جميع شهداء شعبنا الأبرار حتى دحر الاحتلال عن أرضنا وقدسنا وأقصانا المبارك، وستبقى هذه الجريمة النكراء وكل الجرائم بحق الإنسانية شاهدة على إرهاب الاحتلال الفاشي الذي يقتل الأطفال والنساء أمام مرأى ومسمع العالم". حسب ما ذكره البيان الذي نشر في صفحة المجلس الرسمية على الفيسبوك.
وتعتبر الشهيدة جميلة الشنطي ثالث عضو في المكتب السياسي داخل حركة المقاومة الإسلامية حماس يستشهد، بعد القائدين الشهيدين جواد أبو شمالة زكرياء أبو معمر، منذ انطلاق "عملية طوفان الأقصى".