المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) هو مؤسسة صحية محلية توفر خدمات الرعاية الصحية للسكان المقيمين في مناطق مختلفة في قطاع غزة، ينتمي المستشفى إلى الكنيسة الأسقفية الأنغليكانية في القدس، ويُعد واحداً من أقدم المستشفيات في غزة.
أين يقع مستشفى المعمداني؟
يقع مستشفى "المعمداني" في إحدى المناطق السكنية بحي الزيتون في قطاع غزة، ويتميز بموقعه الاستراتيجي، إذ يقع إلى الغرب من كنيسة "القديس فيليبس الإنجيلي" ويفصل بينهما شارع أم الليمون الذي يربط ميدان فلسطين شمالاً بميدان عسقولة جنوباً، ويمتد هذا الشارع حتى يصل إلى الشارع الرئيسي (عمر المختار).
على بُعد 230 متراً إلى الجنوب من المستشفى، يمكن العثور على كنيسة برفيريوس الأرثوذكسية اليونانية التي بُنيت في القرن الخامس الميلادي.
يوجد مستشفى المعمداني داخل منطقة الشمعة في قطاع غزة، هذه المنطقة تحتضن عدة معالم مهمة منها كنيسة دير اللاتين ومعبد خاص للراهبات المسيحيات يُعرف باسم "الراهبات الوردية" و "دار السلام"، إضافة إلى ذلك تضم المنطقة بعضاً من أهم المباني العثمانية في القطاع، مثل حمام السمرة الأثري الوحيد الذي تبقى من تلك الحقبة الزمنية، كما تتضمن المنطقة مدرسة الروم الأرثوذكس في الناحية الشرقية للمستشفى.
وتشمل المنطقة الشمالية لهذا الحي مسجد "كاتب ولاية"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع الميلادي والذي يقع على بُعد نحو 180 متراً تقريباً من المستشفى.
نبذة تاريخية عن مستشفى المعمداني
مستشفى المعمداني هو واحد من أقدم مستشفيات مدينة غزة، تأسس في نهاية القرن الـ19 الميلادي. بادر بتأسيسه القس أليوت ولاحقاً تولى إدارته الدكتور بيلي ثم الدكتور ستيرلينغ، كان المستشفى الوحيد في المنطقة الواقعة بين يافا وبورسعيد في تلك الحقبة الزمنية، يقدم المستشفى خدماته لسكان المنطقة ويبلغ عدد السكان الذين يقدم لهم الخدمات نحو 200 ألف نسمة.
في فترة الحرب العالمية الأولى تعرض مستشفى المعمداني لأضرار جسيمة بما في ذلك التدمير والسرقة والنهب، أُعيد بناؤه بعد الحرب وأُعيدت تسميته باسم "المستشفى الأهلي العربي" في عام 1919، واستمر الدكتور ستيرلينغ في إدارة المستشفى حتى عام 1928 ثم تولى إدارته الدكتور ألفرد حتى عام 1948.
في تلك الفترة قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا إغلاق المستشفى مع نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، ومع ذلك تدخلت البعثة المعمدانية واستولت على المستشفى ونُقلت إدارته إليها، يجدر بالذكر أن غزة كانت تابعة إدارياً لمصر في ذلك الزمان.
خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، نشبت منازعات بشأن ملكية المستشفى وذلك نتيجة إلغاء الإدارة المصرية قانون الوقف الأهلي في غزة، هذا القرار أدى إلى تعرض ممتلكات المستشفى وأراضيه لنزاعات حول الملكية.
في عام 1976 أقدمت وكالة "أونروا" على قطع المساعدات المقدَّمة لمستشفى المعمداني وأوقفت دعمها لمدرسة التمريض التابعة للمستشفى، هذا الإجراء أثَّر سلباً في أداء المستشفى وأدى إلى تقليص عدد موظفيه، وبدايةً من عام 1977 انخفض عدد الأطباء في المستشفى إلى 3 فقط، والممرضين إلى 28 وقلّت أعداد المرضى الذين جرى استقبالهم، ونهاية السبعينيات عادت ملكية المستشفى إلى أبرشية القدس الأسقفية.
في تلك الفترة مُوِّل المستشفى من الجمعية المتحدة الفلسطينية في أمريكا، واستمر في تقديم خدماته واستقبال المرضى والجرحى خلال مختلف الحروب بدءاً من الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987 وصولاً إلى حرب "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ما الأقسام الموجودة داخل مستشفى المعمداني؟
قدم المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" في غزة خدمات طبية متعددة في مختلف التخصصات الطبية، حيث كان يستقبل حالات الولادة على مدار الساعة يومياً من سكان قطاع غزة.
شهد المستشفى تطوراً كبيراً وتوسعاً في تقديم خدماته، إذ أصبح مؤسسة صحية متكاملة تحتضن مجموعة من الأقسام المتخصصة وتشمل:
1. قسم الطوارئ، الذي يعمل على مدار الساعة.
2. قسم الجراحة.
3. قسم جراحة العظام.
4. قسم العمليات.
5. قسم الولادة.
6. قسم الصيدلية.
7. قسم العلاج الطبيعي.
8. قسم الحروق.
9. قسم المختبر.
10. قسم الأشعة والتصوير الإشعاعي للثدي (Mammography).
11. قسم العيادات الخارجية، الذي يقدم خدماته طوال أيام الأسبوع باستثناء الأحد.
استهداف مستشفى المعمداني
منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حاولت إسرائيل بشكل متزايد تهجير الفلسطينيين في منطقة شمال قطاع غزة من منازلهم، حيث كثفت القصف الجوي على مدن الشمال والوسط بشكل مستمر للضغط على السكان وإجبارهم على النزوح إلى مناطق الجنوب.
وبالتوازي مع ذلك استقبل مستشفى المعمداني المئات من النازحين الذين هربوا من منازلهم نتيجة للقصف الجوي المستمر من طائرات الاحتلال الإسرائيلي التي أجبرتهم على النزوح قسراً، على الرغم من كونه مستشفى ومعروفة إحداثياته فإنه لم يسلم من هجوم إسرائيلي وقع في وقت متأخر من يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول مما أسفر عن سقوط نحو 500 قتيل.
مجزرة مستشفى المعمداني المروّعة
مجزرة مستشفى المعمداني، والمعروفة أيضاً باسم مجزرة المستشفى الأهلي العربي، كانت حادثة مروعة نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي، وقعت هذه الحادثة في حي الزيتون جنوب مدينة غزة في ساعات الليل الأولى في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الغارة الجوية الإسرائيلية العنيفة استهدفت ساحة المستشفى التي كانت تضم الكثير من المصابين والجرحى بالإضافة إلى مئات النازحين المدنيين وكانت غالبيتهم من النساء والأطفال، هذه المجزرة الإسرائيلية أسفرت عن كارثة حقيقية، إذ مُزقت أجساد الضحايا وأصبحوا أشلاء متفرقة ومحترقة، وأدت هذه المأساة الرهيبة إلى تحول المستشفى إلى مكان مليء بالدماء.
سيارات الإسعاف هرعت إلى موقع المأساة التي نفَّذتها إسرائيل وحاولت بشدة معالجة الضحايا الذين كانوا على قيد الحياة، وتُركت الجثث متناثرة في جميع أنحاء المكان نظراً لعدم قدرة الخدمات الطبية الفلسطينية على التعامل مع عدد كبير من الضحايا الذين سقطوا بفعل هذا الاستهداف الإسرائيلي.
ووفقاً للتقديرات استُشهد نحو 500 مدني فلسطيني في القصف الإسرائيلي الذي استهدف مستشفى المعمداني الممتلئ بالمدنيين النازحين، وأعلنت وزارة الصحة في غزة خلال مؤتمر صحفي في المستشفى وسط تكدس جثث الشهداء عن استشهاد أكثر من 500 فلسطيني في هذا القصف.
كانت قوات الاحتلال قد أصدرت تحذيراً للمستشفى وعدد من المستشفيات الأخرى بإخلاء المباني، ومع ذلك لم يكن من الممكن إخلاء المستشفى بالكامل، من جانبها نفت إسرائيل أنها استهدفت المستشفى وزعمت أن الانفجار كان نتيجة صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي. بدورها أصدرت الحركة بياناً نفت فيه الاتهامات الإسرائيلية الباطلة.
هذه الغارة لم تكن الأولى التي تستهدف مستشفى المعمداني خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تعرض المستشفى لهجوم من طائرات الاحتلال، مما أسفر عن إصابة 4 من الكوادر الطبية العاملة فيه وتضرر بعض أقسام المستشفى جراء التدمير.
الرد الفلسطيني على مجزرة مستشفى المعمداني
في تمام التاسعة مساءً، نفذت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ضربة صاروخية تُعرف باسم "تاسعة البهاء"، استهدفت مستوطنتَي أسدود وعسقلان، رداً على المجازر التي ارتكبها الاحتلال ضد المدنيين.
بالمثل ردت كتائب الشهيد عز الدين القسام بتوجيه رشقة صاروخية نحو قاعدة رامون الجوية احتجاجاً على المجزرة الإسرائيلية، كما أطلقت صواريخ أخرى باتجاه مدينة تل أبيب، إذ سُمعت أصوات انفجارات ضخمة في سماء المدينة ناتجة عن محاولات نظام القبة الحديدية اعتراض صواريخ المقاومة.
الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد مجزرة مستشفى المعمداني
وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مدينة تل أبيب في صباح يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتقديم ما وصفها بـ"المساعدة والدعم للشعب الإسرائيلي"، وأجرى الرئيس الأمريكي مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أدلى خلاله بايدن بتصريحات تؤكد دعمه لإسرائيل وانتقاده لحركة حماس.
بايدن وبشكل صريح أيَّد الرواية الإسرائيلية بخصوص مجزرة مستشفى المعمداني رغم تأكيد التقارير ضلوع إسرائيل في الهجوم، وعبّر بايدن عن حزنه وغضبه بشأن ما سمّاه "الانفجار" في المستشفى، وأشار إلى أن هناك مصادر استخباراتية في البنتاغون أكدت أن الانفجار ناتج عن خطأ في إطلاق صاروخ من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
الولايات المتحدة كونها حليفاً رئيسياً لإسرائيل دعمت الرواية الإسرائيلية وتجاهلت الحقيقة. وهو ما أكده مجدداً المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون، من أن تقييم الولايات المتحدة الحالي يشير إلى أن إسرائيل ليست مسؤولة عن الانفجار وذلك بناءً على تحليل الصور الجوية والاعتراضات والمعلومات مفتوحة المصدر، وعلى الرغم من هذا التقييم أشار إلى أن التحقيقات لا تزال جارية.
الحداد الوطني على مجزرة مستشفى المعمداني
عقب المجزرة المروعة في مستشفى المعمداني أعلنت عدة دول حداداً وطنياً حزناً على الشهداء والضحايا الذين سقطوا نتيجة المجازر والهجمات التي نفَّذتها إسرائيل.
فقد أعلنت تركيا حداداً لمدة 3 أيام احتراماً لأرواح آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، جاء ذلك بموجب مرسوم رئاسي حمل إمضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي منشور له على منصة إكس، قال الرئيس أردوغان: "نحن في تركيا نشعر داخل قلوبنا بحجم الآلام الكبيرة التي يعيشها أشقاؤنا الفلسطينيون".
كذلك أعلنت الحكومة اللبنانية حداداً وطنياً في اليوم التالي للمجزرة للتعبير عن الحزن على الشهداء والضحايا الذين سقطوا جراء الاعتداءات الإسرائيلية. وأعلن العراق أيضاً حداداً على ضحايا مجزرة مستشفى المعمداني.
كذلك أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حالة حداد عام في إيران. وانضم الأردن إلى القائمة أيضاً حيث أعلن حالة حداد لمدة 3 أيام على ضحايا المجزرة. بالمثل أعلنت مصر حالة حداد عام لمدة 3 أيام، وكذلك أعلنت دول عربية أخرى.
الدعاية الإسرائيلية الكاذبة حول مجزرة مستشفى المعمداني
إسرائيل اتّبعت ممارسات دعائية مثل تلفيق المعلومات واستغلال الأحداث لصالحها، كما في مجزرة جباليا في أغسطس/آب 2022، إذ قُتل 5 أطفال في غارة جوية، واتهمت حركة الجهاد بالمسؤولية.
كذلك نشرت إسرائيل مقاطع فيديو وأدلة زائفة تدّعي أن الهجوم على مستشفى المعمداني ناجم عن صاروخ فلسطيني، ولكن الكثير من منصات كشف المعلومات المضللة المستقلة فنّدت الرواية الإسرائيلية.
إسرائيل نشرت مقطع فيديو يُظهر صواريخ فلسطينية انطلقت من غزة وجرى اعتراضها بنجاح، ولكن ثبت أن المقطع صُوِّر قبل المجزرة بزمن كبير، تلاعبت الحسابات الرسمية لإسرائيل مع المعلومات وأثّرت سلباً في مصداقيتها، إذ تجب مراقبة وتقييم ما يُتداول بعناية وعدم الاعتماد على معلومات دون التحقق منها.
وتحقق فريق TRT عربي من منشور على المنصة الرسمية لفريق الدبلوماسية الرسمية التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع x، إذ يتضح أن القائمين على المنصة حاولوا إخفاء الفيديو، لكنه لا يزال ظاهراً عند الضغط على إمكانية "مشاهدة التعديلات".