المقر الذي كان عرضة لعمليات قصف مستمرة من جيش الاحتلال طيلة الشهور الماضية، ويغطيه ركام المباني المدمَّرة وتناثرات الذخائر والصواريخ غير المنفجرة على أرضه، تحوّل إلى واحد من أكثر "حقول الموت" المحتملة خطورة على حياة النازحين.
بين هذه الاجسام المدمرة والمتفجرة نصبت العائلات خياماً بدائية من القماش والنايلون، في محاولة يائسة لإيجاد ملاذ يحميها من نيران القصف ولَسعات البرد، فخلال الأسابيع الماضية اكتظ وسط المدينة وغربها بالنازحين من الأحياء الشرقية والشمالية.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد وجّه، صباح الجمعة، إنذارات جديدة إلى سكان أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح شرق المدينة بضرورة الإخلاء "قبل مهاجمتها بقوة"، في تكرار للإنذارات التي سبقتها بأسابيع، وأجبرت آلاف العائلات على النزوح مجدداً.
وفي ظل هذا الواقع، حذّر العقيد محمد الزرقة، المتحدث باسم الشرطة في غزة، من وجود أكثر من 30 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب، منتشرة في أنحاء القطاع، تشكل خطراً كارثياً على حياة المدنيين، خصوصاً في أماكن لجوء النازحين.
وأوضح الزرقة أن طواقم هندسة المتفجرات في الشرطة تعمل بإمكانات شديدة التواضع، و"في ظل انعدام تام لمعدات وإجراءات السلامة"، بل حتى المركبات المخصصة لنقل الأجسام الخطرة غير متوفرة.
وأضاف أن القنابل ذات الأوزان الكبيرة تُترَك في مكانها مع تأمين محيطها فقط، ريثما تتوفر إمكانيات إزالتها لاحقاً. كما لفت إلى أن آلاف الأطنان من الذخائر التي أُلقيت على القطاع تتطلب عمليات مسح هندسي شاملة لجميع المناطق، وهو أمر غير ممكن حالياً في ظل الإمكانيات المحدودة ونقص الطواقم المدربة، ناهيك بضرورة إزالة الركام قبل الشروع في أي عملية ميدانية.
السكن في ما لا يصلح للسكن
الفلسطيني مروان عياد قال إنه اضطر إلى النزوح من حي الشجاعية مرتين خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنه لجأ في المرة الثانية إلى مقر مدينة عرفات للشرطة وسط مدينة غزة، رغم أنه لا يصلح للسكن بأي حال.
وأضاف أن المقر أصبح غير آمن إطلاقًا، بسبب تناثر الذخائر والصواريخ غير المنفجرة بين ركام المباني المدمرة، والتي باتت تتوسط خيام النازحين.
وأوضح عياد أنهم أُجبروا على النزوح برفقة أطفالهم إلى هذا المكان، الذي حوّلته آلة الحرب الإسرائيلية إلى موقع من الدمار والركام، في ظل غياب أي بدائل آمنة أو مهيأة لاستقبالهم.
ودعا إلى ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل لوقف حرب الإبادة والمجازر الدموية التي يواصل جيش الاحتلال ارتكابها في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فقد نزح خلال الفترة ما بين 18 مارس/آذار و9 أبريل/نيسان أكثر من 400 ألف شخص، من ضمنهم ما يزيد على 80 ألف عائلة، مع التحذير من احتمال تضاعف هذا العدد نتيجة أوامر الإخلاء الجديدة التي طالت أحياء الشجاعية والتفاح شرق المدينة.
من جانبها، روَت نازحة فلسطينية من عائلة عياد (فضّلَت عدم ذكر اسمها) معاناتها بعد أن أصبحت العائل الوحيد لطفليها، عقب استشهاد زوجها خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
وقالت إنهم ينتقلون من نزوح إلى آخر بسبب إنذارات الإخلاء القسرية التي يصدرها الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر. وأضافت أنها تعيش مع طفليها في خيمة واحدة، إلى جانب عائلتها الممتدة المكوّنة من والديها وإخوتها، في ظروف اقتصادية وصحية متردّية.
وأوضحت أنها تنام مع طفليها على غطاء واحد مفروش على الأرض، من دون أي وسائل للتدفئة تحميهم من برد الليل القارس.
وتصف حياتها بعد فقدان زوجها بأنها "صعبة إلى أبعد حد"، إذ تعجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة لأطفالها، بما في ذلك الغذاء، فهُم يعانون من سوء تغذية نتيجة ندرة الطعام، وإن وُجد فإنه يفتقر إلى العناصر الأساسية لنموهم.
وإلى جانب ذلك، أكدت أنها غير قادرة على توفير مستلزمات النظافة الخاصة بالأطفال مثل الحفاضات، التي باتت نادرة ومرتفعة الثمن بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر ومنع دخول المساعدات، مما زاد معاناة آلاف العائلات التي باتت تعتمد كلياً على الإغاثة.
وفي سياق متصل، حذّر المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا من أزمة مياه خانقة تضرب المدينة، بعد أن وقفت إسرائيل يوم السبت ضخ المياه من خط ميكروت الذي يزوّد غزة بنحو 70% من احتياجاتها المائية.
وأوضح في تصريحات الأربعاء الماضي من أن أعمال الصيانة باتت مرهونة بالوضع الأمني المتدهور في شرق المدينة، ما يزيد حدة الأزمة.
وأشار مهنا إلى أن النقص الحاد في المياه يهدد بتفشي الأمراض المعدية والجلدية والمعوية، لا سيما في ظل الازدحام السكاني الهائل وسط مدينة غزة، الناتج عن موجات النزوح المتتالية من المناطق الشرقية والجنوبية.
وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) اقتراب غزة من "الجوع الشديد للغاية"، فيما شارفت الإمدادات الأساسية في القطاع على النفاد، جرّاء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر.
وقالت مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا، جولييت توما: "مع استمرار حصار السلطات الإسرائيلية على غزة لأكثر من 6 أسابيع، كل الإمدادات الأساسية على وشك النفاد".
وأوضحت توما في بيان أن نفاد الإمدادات الأساسية يترافق مع "ارتفاع كبير في أسعار" البضائع المتوفر في غزة خلال مارس/آذار الماضي، منذ أن فرضت إسرائيل حصارها على القطاع.
وتابعت: "هذا يعني أن الرضَّع والأطفال ينامون جائعين".
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة في غزة، خلّفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.