"الأكبر في تاريخ إسرائيل".. هل تنذر الميزانية المالية الجديدة باستمرار الحرب؟
صدَّق الكنيست الإسرائيلي الثلاثاء الماضي على ميزانية عام 2025، التي خصصت جزءاً كبيراً للإنفاق العسكري، ما يشير إلى أن إسرائيل تنوي البقاء في حالة حرب لفترة طويلة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن الميزانية التي وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي ستكون بقيمة 619 مليار شيكل (نحو 169 مليار دولار أمريكي)، ذاكرة أن "ميزانية الدفاع هي الأعلى، وبلغت 109.8 مليار شيكل (نحو 30 مليار دولار).
أما ثانية أكبر ميزانية لوزارة التربية والتعليم، فتبلغ نحو 92 مليار شيكل (نحو 25 مليار دولار)، بعد ذلك الصحة نحو 60 مليار شيكل (أكثر من 16 مليار دولار)، وفق الهيئة.
كيف أنقذت الموازنة حكومة نتنياهو؟
حظيت ميزانية عام 2025 بموافقة واسعة نسبياً داخل الكنيست الإسرائيلي، إذ أُقرت بأغلبية 66 صوتاً مقابل 52، ما عزز من موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مواجهة الضغوط السياسية الذي يواجهها ولا سيما بسبب أزمة المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
ووفقاً للنظام الأساسي الإسرائيلي، كان عدم تمرير الميزانية بحلول نهاية الشهر الجاري سيؤدي إلى سقوط الحكومة تلقائياً والتوجه نحو انتخابات مبكرة. إلا أن إقرارها الآن يمنح نتنياهو وحلفاءه هامشاً أوسع لتحديد أولويات الحكومة، سواء فيما يتعلق بالشؤون الداخلية أم الحرب في غزة.
وبالتزامن مع إقرار الميزانية، التي زادت بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، وتأكيد لجنة المالية في الكنيست أن هذه الزيادة تعود إلى ارتفاع الإنفاق العسكري، وهدد نتنياهو خلال جلسة الاستماع البرلمانية، بالاستيلاء على أراضٍ في غزة في حال استمرار حركة حماس في رفض إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
هل تنذر خطة الإنفاق الدفاعي باستمرار الحرب؟
وصف وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الميزانية بأنها "ميزانية حرب وستكون ميزانية نصر"، مشيراً إلى أن إسرائيل تخوض"أطول وأغلى حرب في تاريخها".
وأوضح أن الميزانية تتضمن دعماً مكثفاً لجنود الاحتياط وعائلاتهم، إذ خُصص لهم حزمة بقيمة 9 مليارات شيكل (نحو 2.5 مليار دولار).
وفي ظل تخصيص النصيب الأكبر للإنفاق الدفاعي، وافق الكنيست في 19 مارس/آذار الجاري على إعادة وزراء حزب "قوة يهودية" بقيادة إيتمار بن غفير إلى الحكومة، بعد انسحابهم منها في يناير/كانون الثاني الماضي احتجاجاً على اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، وذلك بعد أن اشترط بن غفير استئناف الحرب في غزة للعودة إلى الحكومة.
جاء ذلك بالتزامن مع هجمات مفاجئة على قطاع غزة، حيث شن الاحتلال الإسرائيلي، فجر 18 مارس/آذار، هجوم مكثف أودى بحياة مئات الفلسطينيين، في أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي.
ورغم التزام حماس الاتفاق، رفض نتنياهو المضي قدماً في المرحلة الثانية منه، مستجيباً لضغوط المتشددين في حكومته، واستأنف الحرب التي خلفت أكثر من 163 ألف قتيل وجريح في صفوف الفلسطينيين.
ويرى محللون سياسيون أن تزايد الإنفاق العسكري، مع خرق اتفاق وقف إطلاق النار، قد يشير إلى نية إسرائيلية لمواصلة الحرب.
وقال مايكل كوبلو، المحلل في "منتدى السياسات الإسرائيلية" في نيويورك، لصحيفة نيويورك تايمز: "قد يعني ذلك تصعيد الشعبوية اليمينية المتطرفة والاستمرار في الحرب، أو ربما البحث عن استراتيجية خروج… لكن أياً كان المسار، فإنه سيعكس حسابات نتنياهو الشخصية أكثر من الضغوط التي يتعرض لها من شركائه في الائتلاف".
وشهدت جلسة التصويت على الميزانية احتجاجات واسعة من المتظاهرين الذين أغلقوا الطرق المؤدية إلى الكنيست، مطالبين نتنياهو بتسريع المفاوضات للإفراج عن عشرات المحتجزين في غزة منذ نحو 18 شهراً، بينما أثار القرار الحكومي الأخير بالعودة إلى الحرب مخاوف بين الإسرائيليين بشأن مصير المحتجزين الذين لم يُفرج عنهم بعد.
وكانت إسرائيل قد أنفقت 31 مليار دولار على الحرب في غزة ولبنان خلال عام 2024، وتعهدت الحكومة بمواصلة زيادة ميزانية الدفاع في المستقبل.
وبينما أنفقت نحو 170 مليار شيكل (46 مليار دولار) على الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى نهاية 2024، يُتوقع أن يصل الإنفاق العسكري في عام 2025 إلى 86 مليار شيكل إضافية.
"ميزانية تضر بكل إسرائيلي"
واجهت الميزانية الحكومية لعام 2025 انتقادات من المعارضة الإسرائيلية، إذ وصفها قادتها بأنها "منفصلة عن الواقع" و"سرقة".
وهاجم زعيم المعارضة يائير لابيد، الميزانية بشدة، متهماً الحكومة بإجراء تخفيضات واسعة في الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، لمصلحة تمويل الأحزاب اليمينية المتشددة في الائتلاف الحاكم.
وقال لابيد: "هذه الميزانية تضر بكل مواطن إسرائيلي، وخاصة الطبقة العاملة. من أجل إبقاء الائتلاف السياسي متماسكاً لبضعة أشهر أخرى، تُباع حقوق المواطنين"، واصفاً إياها بأنها "أكبر عملية سرقة في تاريخ البلاد".
وأعرب نواب المعارضة عن استيائهم من اقتطاع نحو 3 مليارات شيكل (814 مليون دولار) من ميزانيات وزارات مختلفة، وهو ما انعكس سلباً على رواتب العاملين في القطاع العام، بما في ذلك المعلمون والعاملون الاجتماعيون، في حين لم يُمس التمويل المخصص للمؤسسات الدينية والوزارات التابعة لليهود المتشددين، التي وصفها مسؤولو وزارة المالية في وقت سابق بأنها "غير ضرورية".
كما حذر محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، من أن الميزانية لن تقلل من مستوى الدين العام بما يكفي لتعويض الارتفاع الحاد في الإنفاق العسكري بسبب الحرب على قطاع غزة.
وأشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن زيادة الإنفاق الدفاعي أدت إلى فرض زيادات ضريبية اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني، بهدف تعزيز إيرادات الدولة وسد العجز المالي الناتج عن تكاليف الحرب. وشملت هذه الإجراءات رفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18%.