ومنذ أكثر من أسبوع، يكتفي بصل بشرب الماء الممزوج بالملح، في وقت يواصل عمله الميداني رغم علامات الإنهاك التي بدت جلية على جسده.

ورغم خطواته المتثاقلة، توجه يوم الثلاثاء إلى سيارة إسعاف وصلت إلى المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، للمساعدة في نقل المصابين إلى قسم الطوارئ.

يقول بصل، في حديثه لوكالة الأناضول، إن إضرابه يأتي استجابة "لصرخات الأطفال المجوَّعين"، مضيفاً: "لن أصمت ما دامت الروح في هذا الجسد".

وتتزامن هذه الخطوة مع تحذيرات متصاعدة من كارثة غذائية في القطاع. فقد أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن ثلث سكان غزة لم يتناولوا الطعام منذ عدة أيام نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل.

وقال روس سميث، مدير الاستعداد للطوارئ والاستجابة في البرنامج، إن "أزمة الجوع في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة من اليأس، إذ يعجز مئات الآلاف عن تأمين وجبة واحدة يومياً".

وحسب تقديرات البرنامج، يعيش ربع سكان القطاع ظروفاً تقترب من المجاعة، بينما يعاني نحو 100 ألف امرأة وطفل من سوء تغذية حاد، في ظل انهيار منظومة الإمدادات الغذائية والطبية بفعل الحصار والهجمات الإسرائيلية.

وأضاف بصل: "الرسالة التي حملتها منذ بداية الإضراب عن الطعام، أنني لن أتذوق الطعام ما دام أطفال غزة يُجوَّعون وتدخل بعض المساعدات بطريقة لا إنسانية".

وأوضح أنه منذ 9 أيام يعيش على "الماء والملح" فقط تضامناً مع المُجوَّعين، رغم أنه منهم، وأمضى أسابيع طويلة بحد أدنى وشحيح جداً من الطعام.

واستكمل قائلاً: "في غزة، لا يوجد سوى فتات الطعام لكل فئات المجتمع".

ومنذ بدء الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بالتوازي جريمة تجويع بحق فلسطينيي غزة، إذ شددت إجراءاتها في 2 مارس/آذار الماضي، حينما أغلقت جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستويات "كارثية".

وحسب أحدث معطيات وزارة الصحة في غزة، فقد بلغ عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية حتى الاثنين نحو 147 فلسطينياً، بينهم 88 طفلاً، منذ 7 أكتوبر 2023.

مواصلة العمل الإنساني

ويؤكد بصل أنه يواصل متابعة التطورات الميدانية، وتزويد الإعلاميين بالمعلومات اليومية حول الأوضاع في القطاع، كما اعتاد على مدار الأشهر الماضية. ويضيف: "لكنني اليوم أتحدث بهذا الجسد المنهك، الذي لم يعد يقوى على الوقوف كثيراً بسبب الإضراب".

ورغم حالته الصحية المتدهورة، يصرّ بصل على مواصلة إضرابه لإيصال صوته إلى العالم، قائلاً: "لن أصمت ما دامت الروح في هذا الجسد".

وبالإضافة إلى مهماته الميدانية التي تشمل الإبلاغ عن المدنيين العالقين تحت أنقاض المباني المدمرة والتنسيق مع المنظمات الأممية لإنقاذهم، خصوصاً في المناطق التي يصنفها الجيش الإسرائيلي "حمراء"، يواصل بصل جهوده في فضح سياسة التجويع المنهجية التي تُمارس بحق سكان غزة.

ويخاطب بصل المجتمع الدولي والضمائر الحية، قائلاً: "أحمل من غزة أمانة ونداء.. لا تتركوا غزة وحدها. انتفضوا، تحرّكوا، لا تخذلوا الأطفال هنا في غزة."

 "الجميع مُجوّع"

في ظل اشتداد المجاعة التي تضرب قطاع غزة، أكد محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني والمضرب عن الطعام، أن سياسة التجويع الإسرائيلية لم تَعُد تستثني أحداً، موضحاً أن الفئات العمرية والمجتمعية كافة باتت ترزح تحت وطأة الجوع.

وقال بصل، في حديثه لوكالة الأناضول: "المجاعة طالت الجميع، الأطفال والنساء، المرضى وكبار السن، بل وكل مكونات المجتمع. لم يعد يوجد طعام أو شراب". وأضاف بأسى: "النساء في غزة لم يعدن يُرضعن أطفالهن الحليب، بل يُرضعنهم الماء".

وأشار إلى أن الصحفي الذي يُوثّق المجاعة اليوم يعاني منها أيضاً، وكذلك الطبيب الذي يُداوي الجائعين، وعناصر الدفاع المدني الذين يواصلون انتشال جثث الضحايا من تحت الأنقاض، رغم انهيار أجسادهم بفعل الجوع وساعات العمل الطويلة.

ودعا بصل المجتمع الدولي إلى كسر صمته والتحرك العاجل لإنهاء المأساة، قائلاً: "إياكم أن تصمتوا. من قلب المعاناة والألم والأزمة، أناشد كل أحرار العالم: لا تتركوا غزة وحدها".

"أناشد كإنسان"

وفي رسالة مؤثرة نشرها على قناته في "تليغرام" بتاريخ 25 يونيو/حزيران، كتب بصل: "أنا محمود بصل، من بين أنقاض غزة، أكتب إليكم، لا كمتحدث باسم الدفاع المدني، بل كإنسان يرى شعبه يتألم في صمت."

ونقل مشاهد يومية من معاناة أطفال غزة، قائلاً: "أطفالنا لا يسألون عن السياسة، بل يسألون: ماما، متى سنأكل؟  إنهم لا يفهمون معنى الحصار، لكنهم يشعرون بالجوع. لا يدركون معنى العطش، لكنهم يبكون من شدّة الظمأ".

واختتم رسالته متسائلًا: "الخبز أصبح حلماً، والماء أصبح أمنية.. فهل تأمين لقمة العيش جريمة؟ هل يُعقل أن يُترك الناس ليموتوا جوعاً في القرن الحادي والعشرين؟".

ووجه بصل نداءً مفتوحاً إلى العالم:"رسالتي بسيطة: افتحوا طريق الحياة للفلسطينيين في غزة. أرسلوا الطعام والماء، واتركونا نعيش كباقي البشر".

وتشن إسرائيل بدعم أمريكي حرب إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 205 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.