حتى عام 2014، وهو العام الذي سيطرت فيه جماعة أنصار الله "الحوثيين" على العاصمة اليمنية صنعاء، كان اليمن من أكثر الدول العربية فقراً وافتقاراً إلى البنية الصحية الملائمة جراء النقص الحادّ بالتغذية، وزاد الدولة فقراً استمرار الحرب التي دخلها تحالف تقوده السعودية وارتكب جرائم بحقّ اليمنيين، وكذلك إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات مؤخراً حكماً ذاتياً في مناطق الجنوبي.
ويعاني اليمن الذي يشهد حرباً طاحنة منذ 6 سنوات تدهوراً حاداً في القطاع الصحي، جعل منظمات إغاثية تحذر بشكل متكرر من عواقب وخيمة حال تفشي فيروس كورونا في البلاد، حيث بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة، فيما لا يزال أطفال اليمن عرضة لعدد لا يحصى من المخاطر التي تهدد بقاءهم على قيد الحياة.
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع أدى إلى مقتل وجرح 70 ألف شخص، فيما قدرت تقارير حقوقية سابقة أن النزاع أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 100 ألف يمني.
اليمن عرضة لوباء كورونا
ولا يقتصر الأمر على الفقر، بل تزداد المخاوف من انتشار فيروس كورونا، إذ حذّر مجلس الأمن الدولي، من أن الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها اليمن يمكن أن تجعله "عرضة بشكل استثنائي لوباء كورونا"، مشيراً إلى أن "مزيداً من التصعيد العسكري في البلد سيعيق وصول العاملين بالمجال الإنساني، وتوافر مرافق الرعاية الصحية اللازمة لمواجهة تفشي الفيروس".
وجاء التحذير في اليوم ذاته الذي أعلن فيه اليمن بشكل رسمي عن تسجيل 5 إصابات مؤكدة بفيروس كورونا في العاصمة المؤقتة عدن.
حذرنا منذ أول إصابة بكورونا من أن الفيروس موجود الآن في اليمن، وقد ينتشر بسرعة
في السياق ذاته حذرت الأمم المتحدة من أن فيروس كورونا قد يكون انتشر في اليمن دون أن تتمكن السلطات من اكتشافه، إذ ظلّ اليمن حتى اليوم، خلافاً لبقية بلدان منطقة شرق البحر المتوسط، بحالة إصابة كورونا واحدة مؤكدة مخبرياً، أُعلِنَت بمحافظة حضرموت في 10 أبريل/نيسان الجاري، قبل أن يعلن عن خمس إصابات جديدة.
وفي اليمن "تربة خصبة لتفشي الفيروس بشكل كبير، إذ إن مستويات المناعة العامة منخفضة، ومستويات الضعف الحادّ عالية، والنظام الصحي هشّ ومثقل"، حسب الأمم المتحدة.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير لها، إنه مع حلول شهر رمضان الذي عادة ما يشهد تجمع العائلات والأصدقاء للإفطار والصلاة والزيارات الاجتماعية، يزداد احتمال تفشي وباء كورونا في اليمن.
حالات اشتباه بالكوليرا
ولا يقتصر الأمر على انتشار فيروس كورونا في اليمن، بل يتعداه إلى انتشار أمراض أخرى مثل الكوليرا، إذ أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" الأربعاء، رصد أكثر من 110 آلاف حالة اشتباه بالكوليرا في اليمن منذ مطلع العام الجاري.
ومنذ يناير/كانون ثاني 2020، سُجّل أكثر من 110 آلاف حالة اشتباه بالإصابة بالكوليرا في 290 مديرية، ويمثل الأطفال دون الخامسة نحو 25% منها.
ويتعاظم الخطر المحدق بأكثر من 5 ملايين طفل دون الخامسة في اليمن، جراء وباء الكوليرا والإسهال المائي الحاد، إذ تشهد البلاد هطول أمطار غزيرة منذ منتصف أبريل/نيسان الجاري، حسب ممثلة "يونيسف" في اليمن سارة بيسلو نيانتي.
انتشار الكوليرا على نطاق أوسع وارتفاع مستويات سوء التغذية وتفشي الأمراض جميعها أسباب قد تؤدي إلى تفاقم العبء الملقى على كاهل الأطفال وأسرهم
من جانبها كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر افتقار 17 مليون يمني إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي اللائقة، من أصل 29 مليوناً، بالتزامن مع الجهود العالمية لمكافحة جائحة كورونا.
ويسبب انتشار هذه الأمراض في ضعط كبير على المشافي، إذ قالت أفريل باتيرسون منسقة الصحة لدى بعثة اللجنة الدولية في اليمن، إن المشافي في اليمن تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة، حتى دون فيروس كورونا، فهي تعالج جرحى الحرب بانتظام، ويتزامن مطلع شهر رمضان هذا العام مع بداية موسم الأمطار وما يصاحبه من زيادة موسمية للأمراض المعدية، بما في ذلك الكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك.
ومع خطر فيروس كورونا، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى مواصلة دعم المرافق الصحية وأماكن الاحتجاز لوضع مزيد من التدابير الوقائية بهدف الحفاظ على استمرارية الخدمات الصحية الحيوية في اليمن.
نصف المرافق الصحية في اليمن خارج الخدمة
وتتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن لتشمل تفاصيل الحياة اليومية، إذ قال فرانز راوخنشتاين رئيس بعثة اللجنة الدولية في صنعاء، إن اليمنيين يواجهون مشقات يومية، ويخيم اليأس والإحباط على حياتهم بسبب القتال.
وأضاف: "تُودي الأمراض المعدية الموسمية بحياة آلاف الأشخاص كل عام، وينعكس ارتفاع التضخم على أسعار المواد الغذائية والأدوية والسلع الأساسية الأخرى. وتأتي جائحة كورنا لتصبح مصدر قلق إضافياً للأشخاص المستضعفين بالفعل".
نزوح مستمر
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 3.6 مليون شخص أُجبروا على الفرار من ديارهم في اليمن منذ بداية النزاع عام 2015، حسب تقديرات المفوضية.
حذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الثلاثاء، من أن نحو مليون نازح ولاجئ في اليمن معرَّضون لخطر فقدان المساعدات والمأوى بسبب عدم الحصول على التمويل.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية شابيا مانتو: "المليون يواجهون مصاعب وفقراً مدقعاً، وهناك حاجة إلى الحصول على تمويل عاجل في الأسابيع المقبلة للحفاظ على عمل برامج المساعدة المنقذة للحياة".
وأضافت أن "المفوضية تسعى للحصول على مبلغ 89.4 مليون دولار بشكل عاجل"، محذرة من أنه إذا ما لم يُحصَل على التمويل المطلوب فإن عديداً من البرامج والمساعدات سيكون معرضاً لخطر الانخفاض الشديد أو التوقف.