بعد مباحثات رعتها السعودية على مدار أسابيع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيّاً، أعلن الجانبان توصُّلهما إلى اتفاق من المزمع أن يوقَّع الثلاثاء، في العاصمة السعودية الرياض، على الأرجح بحضور الملك السعودي ووليّ عهده.
وعلى الرغم من أن إعلان الطرفين أن اتفاق الرياض يُعَدّ انتصاراً وخطوة على طريق حلحلة الأزمة اليمنية متعددة الجوانب والأبعاد، وهو ما يتفق معه بعض التحليلات، فإن مراقبين آخرين رأوا أن الاتفاق صبّ بالأساس في مصلحة "الانفصاليين المدعومين من الإمارات"، بما لا يساعد على إيجاد حلّ نهائي للأزمة التي يعيشها اليمن منذ سنوات.
اتفاق الرياض لا يمثِّل إنجازاً سياسيّاً أو دبلوماسيّاً للسعودية، كما لا يُعد نجاحاً للسلطة الشرعية التي كادت تستعيد كل الأراضي بما فيها العاصمة السياسية المؤقتة عدن في 29 أغسطس/آب من أيدي الانفصالييين الجنوبيين لولا الإسناد الجوي الإماراتي والغطاء السعودي اللذين جعلا التحالف والجيش الوطني وجهاً لوجه على مشارف عدن
أبرز البنود
يشمل اتفاق الرياض بنوداً رئيسية، إضافة إلى ملاحق ثلاثة واحد للترتيبات السياسية والاقتصادية، واثنين آخرين للترتيبات العسكرية والترتيبات الأمنية بين الطرفين اللذين خاضت قواتهما خلال الفترة الماضية نزاعاً عسكرياً وتبادلاً للسيطرة على مدن جنوبية أهمها عدن.
ومن أهمّ البنود تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراَ، يعيّن الرئيس عبد ربه منصور هادي أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من توقيع الاتفاق.
كما ينصّ على تفعيل دور سلطات ومؤسسات الدولة كافَّة وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، إضافة إلى التزام حقوق المواطنة الكاملة لأبناء الشعب اليمني كافة، ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي.
يمكنكم الإطلاع على بنود الاتفاق بالتفصيل من هنا.
احتفاء ثنائي
بمجرد إعلان التوصل إلى الاتفاق، سارعت قيادات الجانبين في التعبير عن الإشادة به واعتباره نصراً سياسيّاً وخطوة على طريق الحل النهائي للأزمة اليمنية.
رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك قال الاثنين، إن اتفاق الرياض "سيؤسّس لمرحلة جديدة من حضور الدولة ومؤسساتها، وتوحيد القرار العسكري والأمني تحت سلطة الحكومة".
وأشار خلال اجتماع استثنائي للحكومة اليمنية في الرياض، إلى أن "الاتفاق سينعكس إيجاباً على تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، وتسريع تحرير بقية المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيّاً"، وفقاً لما نقلته وكالة سبأ اليمنية الرسمية.
وحسب المصدر ذاته، عبّر مجلس الوزراء اليمني عن مباركته لاتفاق الرياض وما بذلته السعودية من جهود وصفها بـ"الاستثنائية" لاحتواء الأحداث الأخيرة في عدن.
أمّا الرئيس عبد ربه منصور هادي فقد أكّد أهمية "القضية الجنوبية"، واصفاً إياها بأنها "جوهر السلام والاستقرار في اليمن"، كما ثمّن جهود السعودية التي رعت لقاءات ساعدت على التوصل إلى اتفاق "يعزّز وحدة الصف الوطني في إطار اليمن الاتحادي الجديد"، على حد تعبيره.
على الجانب الآخر وصف نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، اتفاق الرياض بأنه "انتصار للجميع".
وكتب بن بريك على تويتر الثلاثاء: "اتفاق الرياض نصر لنا جميعاً، للتحالف العربي بقيادة السعودية، ولشعب الجنوب ومقاومته الباسلة الزكية النقية الصادقة، وللحكومة اليمنية"، مضيفاً أنه لم يخرج طرف مغلوباً، فـ"الجميع انتصر للمشروع العربي بحكمة السعودية وعضيدها الأكبر الإمارات".
حسابات المكسب والخسارة
تتباين التحليلات حول تحديد مدى استفادة ومدى خسارة طرفي الأزمة، فبينما يرى البعض أن اتفاق الرياض، وعبر انحياز سعودي وتأثير إماراتي واضح، منح المجلس الانتقالي الجنوبي شرعية دولية لم يكُن يتمنّاها وسلطة واقعية قد تؤسّس لأزمات أعمق في المستقبل القريب، يرى آخَرون أنها خطوة ذات أهمية استراتيجية ستنعكس إيجابيّاً على الأزمة اليمنية عموماً، وواقع الجنوبيين ومظلوميتهم التاريخية خصوصاً.
في هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، إن "المجلس الانتقالي لم يكن له قبل مايو/أيار 2017 أي وجود، ولم يكن ينافس حينها السلطة الشرعية على نفوذها في عدن سوى الإمارات التي حرصت، في ظل تغاضي الرياض، على إضعاف السلطة الشرعية ومنع استعادة العاصمة المؤقتة عافيتها"، مضيفاً أن الإمارات فضّلت أن لا تنافس بنفسها، ومن ثمّ "دفعت بالمجلس الانتقالي لإنجاز هذه المهمة بالتوازي مع عمليات متواصلة للقتل السياسي والاعتقالات والتعذيب والتغييب".
ويتابع التميمي في حديث لـTRT عربي بأن هذا الاتفاق "لا يمثِّل إنجازاً سياسيّاً أو دبلوماسيّاً للسعودية، كما لا يُعَدّ نجاحاً للسلطة الشرعية التي كادت تستعيد كل الأراضي بما فيها العاصمة السياسية المؤقتة عدن في 29 أغسطس/آب، من أيدي الانفصالييين الجنوبيين لولا الإسناد الجوي الإماراتي والغطاء السعودي اللذان جعلا التحالف والجيش الوطني وجهاً لوجه على مشارف عدن".
ويذهب التميمي إلى أبعد من التشكيك في جدوى الاتفاق، بالقول إنه "يمثِّل إحدى الآليات التي استُحدثت من أجل التضييق على الصلاحيات الدستورية التي تتمتع بها السلطة الشرعية، باعتبارها نتاج ثورة فبراير/شباط 2011".
ويضيف أن "الهدف الأساسي لاتفاق الرياض هو تنصيب المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أنشاته وموّلته الإمارات ممثلاً وحيداً للجنوب الذي تُعاد صياغته باعتباره ساحة نفوذ مقسَّمة ومجزَّأة للتحالف".
أمّا التبعات فيرى التميمي أن "الاتفاق لن يضمن وحدة الموقف في السلطة الشرعية كما يتصوّر البعض، ولن يعزّز موقف الحكومة التفاوضي على التسوية السياسية لأن المجلس الانتقالي سيظل متمسِّكاً بمشروع الانفصال الذي يُعدُّ خياراً للسعودية والإمارات قبل أن يكون خياراً لهذا المجلس".
ويلفت المحلل السياسي اليمني إلى أن خطورة الأمر تتبدّى في أن كل ذلك يحدث في وقتٍ "لا تزال فيه السلطة الشرعية تواجه تحدي إنجاز استحقاقات كبيرة منها استعادة صنعاء من أيدي الحوثيين، وهي مهمة يبدو أن التحالف قد توقّف عن المضيّ في تحقيقها أو حتى في دعم الشرعية لإنجازها"، على حد وصفه.
ويلقى رأي التميمي على ما يبدو، توافقاً حذِراً مع تقرير أعدّه قبل عشرة أيام المحرر الدبلوماسي في صحيفة الغارديان البريطانية باتريك وينتور، قال فيه إن الاتفاق سيوفّر "تعزيزاً كبيراً لموقف المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان مستبعداً من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة"، لافتاً إلى أن قيادات المجلس بدت "راضية على الاتفاق على نحو أكبر من رضا الطرف المقابل".
في المقابل يرى المحلل والكاتب الصحفي أحمد عليبة، إن الاتفاق "يضع خارطة طريق واضحة وإطاراً زمنياً لإنهاء النزاع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي"، لافتاً إلى أنه ينقل أزمة الجنوب اليمني القديمة إلى "إطار الدولة اليمنية"، ويربطها بمرجعيات ثلاث، هي "المبادرة الخليجية، والحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216".
ويقول عليبة في مقال نُشِر الخميس على موقع صحيفة الأهرام المصرية باللغة الإنجليزية، إن الاتفاق يساعد على تقويض المشاريع الانفصالية الجنوبية، نظراً إلى "استناده إلى مخرجات الحوار الوطني المتعلق بإنشاء نظام اتحادي يتألف من ست مناطق"، تضم واحدة منها أبرز المدن الجنوبية، بما يقف حائلاً أمام "طموحات المجلس الانتقالي الجنوبي بتوسيع نفوذه شرقاً إلى محافظات شبوة وحضرموت والمهرة".
ويستدرك الكاتب الصحفي بأنه من الضروري اتخاذ خطوات لبناء الثقة بين الطرفين كي تُمكِن ترجمة بنود الاتفاق على أرض الواقع، مشدداً على أن الخطوة الأولى يجب أن تتمثّل في "عودة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن وشروعه في أداء مهامه الوظيفية من هناك".
وفي منتصف أغسطس/آب الماضي، سيطرت قوات "الحزام الأمني" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على معظم مفاصل الدولة في عدن، بعد معارك ضارية دامت 4 أيام ضدّ القوات الحكومية، مما أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلاً بينهم مدنيون و260 جريحاً، حسب منظمات حقوقية محلية ودولية. و عقب تلك الأحداث دعت السعودية الأطراف اليمنية إلى حوار بمدينة جدة، قبل أن تُستأنف المفاوضات في الرياض متمخِّضة عن اتفاقٍ يؤمل أن ينهي فصلاً من فصول المأساة اليمنية المتواصلة لأعوام.