الصواريخ بدلاً من الطائرات.. كيف نفهم أداء إيران الصاروخي؟
الهجمات على إيران
8 دقيقة قراءة
الصواريخ بدلاً من الطائرات.. كيف نفهم أداء إيران الصاروخي؟بحلول عام 1984، دخلت الحرب العراقية-الإيرانية منعطفاً خطيراً، حين بدأ العراق استهداف العاصمة الإيرانية طهران بصواريخ سكود الباليستية، في تصعيد نوعي غيّر معادلة المواجهة.
رغم التعتيم الإعلامي الإسرائيلي، فإن التحليل الأولي للصور والبيانات يشير إلى نجاح الضربات الإيرانية في إصابة عدد من المواقع الحساسة / Reuters
30 يوليو 2025

 وجدت إيران نفسها أمام تحدٍّ استراتيجي يتطلب رداً مكافئاً، فسعت إلى شراء صواريخ باليستية من عدة دول، لكنها اصطدمت برفض جماعي، باستثناء دعم مفاجئ من ليبيا.

ففي أوائل عام 1984، بادر الزعيم الليبي معمر القذافي إلى تزويد طهران بـ20 صاروخ سكود-A، إلى جانب فريق ليبي مختص لتشغيلها، ما شكّل نقطة الانطلاق الفعلية لبرنامج إيران الصاروخي، الذي سرعان ما أصبح أحد أعمدة قوتها العسكرية.

في المقابل، كانت القوات الجوية الإيرانية تعاني من شلل شبه كامل؛ فبسبب الحظر المفروض عليها، لم تستطع تشغيل أسطولها من المقاتلات الأمريكية، واضطرت إلى اللجوء إلى السوق السوداء لتأمين قطع الغيار.

ومع وفاة الخميني، الذي عرف بعدائه للاتحاد السوفييتي، بدأت العلاقات بين طهران وموسكو بالتحسن، ما أتاح لإيران توقيع صفقة مهمة قبيل انهيار الاتحاد، تمثلت في تسليم سربين من مقاتلات ميغ-29 وسرب من قاذفات سو-24.

 كان الهدف الإيراني آنذاك استبدال المقاتلات الأمريكية بأخرى سوفييتية، لكن تفكك الاتحاد حال دون استكمال هذه الخطة. وتبيّن لاحقاً أن روسيا ما بعد الاتحاد باتت أكثر حذراً في مواجهة الضغوط الغربية، وهو ما كبّل قدرتها على تزويد إيران بالسلاح.

وموازاةً مع تطويرها الصاروخي، حاولت إيران تدشين مشروع محلي لصناعة المقاتلات، إلا أن هذه المبادرات لم تحقق أي اختراق يُذكر، وغالباً ما كانت مثاراً للسخرية، في مقابل نجاح لافت في بناء ترسانة صاروخية باليستية متقدمة.

حتى مع تحسن العلاقات الروسية-الإيرانية في العقدين الأخيرين، لم تنجح طهران في اقتناء مقاتلات روسية متطورة رغم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم. تعطلت أبرز صفقتين في هذا المسار: الأولى عام 2016، حين حاولت إيران شراء مقاتلات سو-30MKA ووقعت عقوداً أولية، لكنها لم تُنفذ.

 والثانية عام 2023، في ظل تعاون عسكري متصاعد بفعل حرب أوكرانيا، حين تفاوضت إيران على مقاتلات سو-35، وذهب طياروها إلى روسيا للتدريب، وخرجت أكثر من 12 طائرة من خطوط الإنتاج، من دون أن تتسلّم طهران واحدة منها حتى اليوم.

أمام هذا التعثر المزمن في تحديث سلاح الجو، وجدت إيران نفسها مضطرة إلى مضاعفة استثماراتها في البرنامج الصاروخي، الذي بات يشكل العمود الفقري لقدرتها الردعية، وعنواناً لقوتها العسكرية في ظل إخفاقها الجوي المزمن.

تطوّر البرنامج الصاروخي 

بدأ البرنامج الصاروخي الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي، خلال الحرب العراقية-الإيرانية، مع شروع طهران في نسخ صواريخ سكود-B الروسية التي حصلت عليها من ليبيا.

 أطلقت إيران على النسخة المحلية اسم "شهاب-1"، لتكون نواة مشروعها الباليستي الذي تطوّر تدريجياً حتى بلغ صاروخ "شهاب-3" في أواخر التسعينيات، وهو أول صاروخ إيراني متوسط المدى يدخل الخدمة الفعلية.

رغم هذا التقدّم، ظلت صواريخ "شهاب" تعاني من محدودية تقنية، إذ كانت تعتمد على تكنولوجيا بدائية نسبياً. وفي مجال قياس الدقة، يُستخدم معيار يُعرف باسم "Circular Error Probability (CEP)" أي "احتمالية الخطأ الدائري"، وهو ما يشير إلى نصف قطر منطقة الخطأ في إصابة الهدف. 

وفي حالة "شهاب"، تراوحت هذه المسافة بين عدة كيلومترات ومئات الأمتار في أفضل الأحوال، ما جعلها محدودة الجدوى في الاستهداف الدقيق.

لاحقاً، أُنتجت مجموعة من الصواريخ الإيرانية حملت أسماء متعددة مثل "قدر-110" و"عاشوراء"، لكنها كانت مجرد تحسينات طفيفة على "شهاب-3". 

وقد تركزت أغلبية التعديلات في تقليص مدة التحضير للإطلاق، إذ إن صاروخ "شهاب-3" كان يتطلب قرابة ساعتين لتجهيزه، بسبب اعتماده على الوقود السائل الذي يتوجب ضخه بعد نصب الصاروخ أفقياً على المنصة. في المقابل، اختُزل زمن الإعداد إلى أقل من ساعة في "قدر" و"عاشوراء"، لكن البنية العامة لهذه الصواريخ ظلت متقاربة.

وفي عام 2008، دشّنت إيران الجيل الثاني من هذه الصواريخ بإدخال صاروخ "سجيل-1" إلى الخدمة. وقد احتفظ "سجيل" بتصميم مشابه لـ"شهاب-3"، لكنه كان أكبر حجماً وأطول مدى، فقد بلغ مداه نحو 2000 كيلومتر.

 والأهم من ذلك، أنه يعمل بالوقود الصلب، ما أتاح تخزينه وحدةً جاهزةً للإطلاق، وقلّص بشكل كبير من زمن التجهيز. كما يتمتع الصاروخ بعمر افتراضي أطول من نظيراته العاملة بالوقود السائل، التي لا يتجاوز متوسط أعمارها عادة 5 إلى 15 سنة. لكن رغم هذه التحسينات، فإن "سجيل-1" لم يتجاوز نقطة الضعف الجوهرية في "شهاب-3": محدودية الدقة.

غير أن الفترة الممتدة بين عامي 2013 و2014 شهدت قفزة نوعية غير مسبوقة في الصناعات الدفاعية الإيرانية، ولا سيما في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والذخائر الموجّهة. وكانت البداية مع صاروخ "عماد"، الذي شكّل منعطفاً حاسماً في مسار التطوير الإيراني.

يُعد "عماد" أول صاروخ إيراني مزوّد برأس حربية مناورِة (MaRV - Maneuverable Reentry Vehicle)، أي مركبة إعادة دخول قادرة على تعديل مسارها في المرحلة النهائية لضمان إصابة الهدف بدقة عالية.

 وقد أدى هذا التطوير إلى تحسين كبير في دقة الصواريخ، إذ انخفض معدل الخطأ من عدة كيلومترات إلى نطاق يتراوح بين 50 و200 متر فقط.

لكن إدخال تقنية MaRV رفع من تكلفة تصنيع الصواريخ، الأمر الذي دفع إيران للبحث عن بدائل أرخص تُناسب استراتيجيتها في "الإغراق الصاروخي"، التي تُعد إحدى ركائز عقيدتها الدفاعية في أي مواجهة مع إسرائيل. ولا سيما أن الصواريخ الرخيصة المنتجة في التسعينيات اقتربت أعمارها الافتراضية من نهايتها.

وجاء الرد في صاروخ "رزفان" (ويُعرف أيضاً باسم "قيام-2")، الذي احتفظ بمدى مماثل لـ"عماد"، مع إدخال تعديلات على الرأس الحربية لتحسين الدقة مقارنةً بصواريخ الجيل الأول، لكن بتكلفة أقل.

لاحقاً، ظهر جيل جديد من الصواريخ متوسطة المدى حمل اسم "خيبر شكن"، وينتمي إلى فئة "الصواريخ الهوائية-الباليستية" (Aeroballistic Missiles).

 تميز هذا الطراز بخفة وزنه مقارنةً بسابقيه، بفضل استخدام سبائك فولاذية عالية القوة، كما زُوّد برأس حربية قادرة على تنفيذ مناورات تُعرف بتخطي المسار أو "skip trajectory" بعد دخول الغلاف الجوي، ما يجعل اعتراضه أكثر صعوبة. كذلك، ساهم المسار المنخفض للطيران وخفة الوزن في زيادة سرعة الرأس الحربية في المرحلة النهائية، وهو ما يمنحه ميزة إضافية في تجاوز الدفاعات الجوية.

أما أحدث ما طوّره الحرس الثوري في هذا السياق، فكان صاروخ "فتاح-1" فرط الصوتي، الذي حافظ على التصميم نفسه والمحرك الخاص بـ"خيبر شكن"، لكنه تميّز برأس حربية تحتوي على محرّك صاروخي مناور، يمنحها قدرة فائقة على تغيير المسار وسرعة عالية خلال مرحلة إعادة الدخول، ما يزيد من صعوبة اعتراضها.

في موازاة هذه الجهود التي يقودها الحرس الثوري، عملت وزارة الدفاع الإيرانية على تطوير خط مستقل من الصواريخ الباليستية المتوسطة، كان أولها "دزفول"، وهو صاروخ صغير ورخيص يمكن تخزينه في حاويات شحن وإطلاقه من على متن سفن تجارية، ما يمنحه مرونة تكتيكية عالية.

لاحقاً، ركزت الوزارة على تطوير سلسلة جديدة من الصواريخ شبه الباليستية (Quasi-Ballistic Missiles)، التي تتميز برؤوس حربية انزلاقية دقيقة.

 ورغم أن هذه الرؤوس أبطأ من التقليدية، فإنها تستخدم بواحث كهرو-بصرية دقيقة تقلل معدل الخطأ الدائري إلى أقل من 5 أمتار. وأطلقت إيران على هذه الفئة أسماء مثل "حاج قاسم" و"قاسم بصير".

كما تملك إيران صاروخاً يُصنَّف ضمن فئة الصواريخ الباليستية متوسطة إلى طويلة المدى (IRBM)، هو "خرمشهر-4"، الذي تُقدّر مصادر غربية أن مداه يتراوح بين 2500 و4000 كيلومتر.

وإلى جانب ترسانتها الصاروخية، كثّفت إيران من اعتمادها على المسيّرات الانتحارية، ولا سيما من طراز "شاهد-136" و"شاهد-101" و"آرش-2". ورغم الحملة الإعلامية الواسعة التي رافقت تطوير "آرش-2"، ورفض إيران تزويد روسيا بها بحجة الخشية من وقوعها بيد الولايات المتحدة، فإن هذه المسيّرة لم تُظهر حتى الآن أداءً يرقى إلى مستوى الدعاية المحيطة بها.

فاعلية الضربات ومدى دقتها

تقدّم الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل مؤشراً واضحاً على مستويات دقة الجيل الجديد من الصواريخ الباليستية الإيرانية. 

وبحسب معطيات ميدانية وبيانات أولية، فإن طهران تمكّنت من تنفيذ ضربات مباشرة على أهداف حيوية وعسكرية في عمق إسرائيل، رغم غياب رواية رسمية متكاملة من الجانب الإيراني، ورغم الرقابة العسكرية الصارمة التي تفرضها إسرائيل على نتائج الضربات داخل أراضيها.

وفي أوقات سابقة استخدمت إيران صواريخها في عمليات عسكرية أبرزها في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عندما نفّذت إيران عملية "الوعد الصادق 2"، إذ استهدفت قاعدة "نيفاتيم" الجوية في النقب، وأظهرت صور الأقمار الصناعية إصابات مباشرة في دشمتي طائرات وهنجر صيانة وممرات الإقلاع.

وفي الاشتباك الأخير، ووفقاً للرواية الرسمية الإسرائيلية، أطلقت إيران 631 صاروخاً باليستياً باتجاه الأراضي الإسرائيلية من هذا العدد، وصل إلى نحو 500 صاروخ إلى المجال الإسرائيلي، في حين جرى اعتراض 131 صاروخاً خارج الغلاف الجوي، على الأرجح عبر منظومات "ثاد" و"SM-3" الأمريكيتين ومنظومة "آرو-3" الإسرائيلية.

تشير البيانات إلى أن 243 صاروخاً سقطت في مناطق مفتوحة، يُعتقد أنها تعود إلى طرازات قديمة مثل "عاشوراء" و"قدر-110"، وربما تشمل أيضاً نماذج رخيصة صُنعت لتكتيكات الإغراق الصاروخي مثل "رزفان" و"دزفول".

 أما منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية فقد تعاملت مع 257 صاروخاً، من المرجح أنها من طرازات دقيقة ومتطورة مثل "عماد" و"حاج قاسم". من جهة أخرى، أصاب 36 صاروخاً مناطق مأهولة، ويُعتقد أن معظمها من صواريخ "خيبر شكن 1 و2"، و"فتاح-1"، و"عماد".

ورغم التعتيم الإعلامي الإسرائيلي، فإن التحليل الأولي للصور والبيانات يشير إلى نجاح الضربات الإيرانية في إصابة عدد من المواقع الحساسة، من بينها:

  1. إصابة مؤكدة في محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية (الكرياه) وسط تل أبيب.

  2. تدمير عدد من المكاتب والمعامل في معهد "وايزمان" للعلوم.

  3. إصابة مباشرة لمجمع "بازان" البتروكيماوي في حيفا، أكبر مصفاة للنفط في إسرائيل.

  4. إصابة مؤكدة قرب مقر الاستخبارات العسكرية في "جليلوت"، شمالي تل أبيب.

  5. ثلاث ضربات دقيقة على بطاريات دفاع جوي:

    • قبة حديدية في حيفا.

    • مقلاع داوود وسط تل أبيب.

    • قبة حديدية أخرى في نتانيا.

  6. إصابة منشآت طبية في محيط مستشفى "سوروكا" العسكري.

  7. تقارير تتحدث عن إصابات مؤكدة في خمس قواعد عسكرية، يُرجّح أن من بينها "نيفاتيم" و"تل نوف".

  8. إضافة إلى أضرار طالت العديد من المباني السكنية في مدينتي تل أبيب وحيفا.
    في ظل استمرار الرقابة الإسرائيلية الصارمة على المعلومات المتعلقة بنتائج الضربات، تبقى صور الأقمار الصناعية التجارية إحدى أهم الوسائل التي يمكن عبرها رصد الأضرار الحقيقية وتقييم مدى دقة التأثيرات التي خلّفتها هذه الضربة. ومن المتوقع أن تكشف الأيام القادمة مزيداً من التفاصيل حول المواقع المستهدفة، ولا سيما العسكرية منها.

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
"تلتزم تحقيق السلام مع لبنان".. المبعوث الأمريكي يدافع عن إسرائيل رغم اعتداءاتها المتواصلة
البرغوثي: نواجه مخططات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.. وأمريكا تواصل انحيازها الكامل لإسرائيل
مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض احتجاجاً على زيارة نتنياهو
جيش الاحتلال يعلن اعتقال خلية يزعم أنها تتبع فيلق القدس الإيراني جنوبي سوريا
ترمب يتوعد الدول المتحالفة مع بريكس برسوم جمركية إضافية بنسبة 10%
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 82 قتيلاً وسط استمرار البحث عن مفقودين
ترمب: أمامنا فرصة جيّدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة هذا الأسبوع
قادة "بريكس" يدعون إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ويُدينون الهجمات على إيران
القسام تستهدف تجمعات لجيش الاحتلال بخان يونس وتقصف مستوطنتين محاذيتين لغزة
بلا نتيجة حاسمة.. انتهاء الجلسة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل
جيش الاحتلال يستهدف مواني ومحطة كهرباء في اليمن والحوثيون يعلنون التصدي للهجوم
الضفة.. شهيدان في نابلس وإخطارات بالهدم في الخليل و296 انتهاكاً إسرائيلياً في سلفيت
الدوحة.. جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لأجل وقف إطلاق النار في غزة
"بملايين الدولارات".. تقرير بريطاني: شركة أمريكية تخطط لتهجير فلسطينيي غزة عبر المساعدات الإنسانية
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب باتفاق شامل تزامناً مع مفاوضات الدوحة
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us