وبعد افتتاح التداولات ارتفع سهم الشركة إلى 164.42 دولار، ما رفع قيمتها السوقية مؤقتاً فوق حاجز 4 تريليونات دولار، قبل أن يغلق السهم لاحقاً عند مستوى يقلّ قليلاً عن هذه العتبة القياسية.
وقال ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة Interactive Brokers، إن "السوق تُبدي يقيناً مذهلاً بأن الذكاء الصناعي هو مستقبل الاقتصاد"، مضيفاً أن "Nvidia هي الأكثر تموضعاً للاستفادة من هذا الاندفاع".
وتفوقت القيمة السوقية للشركة، التي يرأسها المهندس جينسن هوانغ، على الناتج المحلي الإجمالي لبلدان كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والهند، في إشارة إلى ثقة المستثمرين الكبيرة بأن الثورة التكنولوجية في مجال الذكاء الصناعي ستدفع نحو مرحلة جديدة من الأتمتة والروبوتات.
وقد انعكس الأداء القوي لسهم Nvidia إيجاباً على الأسواق الأوسع، إذ ساهم في تعزيز تعافي بورصة وول ستريت، بخاصة مع تفوقه على المؤشرات الرئيسية.
ويعود جزء من هذا الزخم، بحسب محللين، إلى انحسار القلق في الأسواق بعد تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن بعض من أكثر إجراءاته الجمركية تشدداً، التي أثارت اضطرابات في الأسواق العالمية مطلع أبريل/نيسان الماضي.
ورغم إعلان ترمب مؤخراً حزمة جديدة من الرسوم الجمركية، واصل مؤشر ناسداك الذي يركز على شركات التكنولوجيا، أداءه الصاعد وأغلق عند مستوى قياسي جديد.
من جانبه قال أنجيلو زينو، المحلل في شركة CFRA Research: "شهدنا تراجعاً تدريجياً في المخاوف من السيناريوهات الأسوأ بشأن الرسوم الجمركية، وهو ما أعاد بعض الثقة إلى الأسواق".
ولا تزال Nvidia تواجه تحديات، أبرزها القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، بالإضافة إلى حالة الغموض التجاري المستمرة، لكن صفقتها الأخيرة لبناء بنية تحتية للذكاء الصناعي في السعودية خلال زيارة ترمب الرسمية في مايو/أيار تعكس فرصاً تجارية محتملة ضمن أجندة واشنطن الاقتصادية.
وأشار زينو إلى أن "الإدارة الأمريكية باتت تستخدم رقائق Nvidia ورقة تفاوض في ملفات التجارة الدولية".
تطورات جديدة
ويشكل وصول القيمة السوقية لشركة Nvidia إلى 4 تريليونات دولار محطة مفصلية في مسار صعودها المتواصل خلال العامين الماضيين، بدفع من الطفرة العالمية في الذكاء الصناعي.
فمنذ بداية عام 2025 ارتفعت أسهم الشركة بنسبة تفوق 21%، متجاوزة بكثير مكاسب مؤشر ناسداك الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 6.7% خلال الفترة نفسها.
وقد أدهش الرئيس التنفيذي للشركة جينسن هوانغ، المولود في تايوان، المستثمرين بسلسلة ابتكارات، أبرزها معالجات الرسوميات (GPUS) التي تُعَدّ العمود الفقري لعديد من تطبيقات الذكاء الصناعي التوليدي، مثل السيارات ذاتية القيادة والروبوتات والأنظمة المتقدمة.
كما كشفت الشركة مؤخراً عن تقنية "بلاكويل" (Blackwell) للجيل التالي، التي توفر قدرة حوسبة فائقة، إلى جانب ابتكارها في مجال "التوائم الرقمية اللحظية" التي تسرّع وتيرة تطوير المنتجات في قطاعات مثل التصنيع والفضاء والتكنولوجيا.
غير أن سلسلة النجاحات هذه واجهت تحدياً جدياً في مطلع 2025، حين طرحت شركة DeepSeek الصينية نموذجاً للذكاء الصناعي التوليدي يجمع بين الأداء العالي والتكلفة المنخفضة، ما شكّل تهديداً فعلياً لهيمنة شركات كبرى مثل OpenAI.
خلال تلك الفترة فقدت Nvidia نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في جلسة تداول واحدة، في أكبر تراجع تشهده منذ بداية صعودها.
ورغم المنافسة المفاجئة، رحّب هوانغ بظهور DeepSeek، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن معارضته للقيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير تقنيات الذكاء الصناعي إلى الخارج، معتبراً أنها تعوق الابتكار وتُقوّض القدرة التنافسية الأمريكية.
سباق الذكاء الصناعي
وحققت شركة Nvidia أرباحاً تقترب من 19 مليار دولار في الربع الأخير، رغم تكبُّدها خسائر بلغت 4.5 مليار دولار نتيجة القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير تقنياتها المتقدمة إلى الصين.
وأظهرت نتائج الربع الأول أن الزخم العالمي حول تطبيقات الذكاء الصناعي لا يزال قويّاً، وسط تنافس محتدم بين عمالقة التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون وميتا، للفوز بحصة أكبر من سوق تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات.
ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة UBS شمل عدداً من مديري شركات التكنولوجيا، وسّعت Nvidia تفوقها على منافسيها، لتواصل ترسيخ مكانتها كأبرز مزوّد لحلول الذكاء الصناعي.
ويرى أنجيلو زينو، المحلل في شركة CFRA Research، أن الارتفاع الأخير في أسهم الشركة يعكس فهماً أعمق لدى السوق لتأثير شركة DeepSeek الصينية، التي حفّزت الاستثمار في نماذج الذكاء المعقدة، دون أن تُلحِق ضرراً مباشراً بأعمال Nvidia.
وأضاف زينو أن Nvidia تتصدر حالياً مجال "وكلاء الذكاء الصناعي" (AI Agents)، وهو التوجه الأبرز في تقنيات الذكاء الصناعي التوليدي، الذي يسمح للأنظمة الآلية بعمليات استدلال أكثر تعقيداً ومرونة.
وأوضح أن "مشهد الطلب على نماذج الاستدلال المعقدة يبدو أكثر تفاؤلاً لعام 2026، ما يعزز التوقعات بنمو إضافي لهذا القطاع".
في المقابل يشير مراقبون إلى أن هذا النمو السريع قد يحمل معه اضطرابات اقتصادية، خصوصاً في سوق العمل. فقد بدأ مسؤولون تنفيذيون في شركات كبرى مثل فورد، وجي بي مورغان تشيس، وأمازون، الإقرار علناً بأن الذكاء الصناعي يتسبب بخسارة وظائف في قطاعات ذوي الياقات البيضاء، وفقاً لتقرير نشرته وول ستريت جورنال.