جاء هذا التعهّد في بيان ختامي صدر عقب قمة عقدها الحلف في مدينة لاهاي الهولندية، حيث أكد القادة أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز قدرات الردع والدفاع في مواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة، خصوصاً ما وصفوه بـ"التهديد طويل الأمد" الذي تمثله روسيا، إضافةً إلى الخطر المستمر للإرهاب.
وأوضح البيان أن نسبة الـ5% المستهدفة ستتوزع على مكونين رئيسيين: 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي مخصصة للنفقات الدفاعية الأساسية، و1.5% تُخصص لأوجه إنفاق أخرى تشمل حماية البنية التحتية الحيوية، والأمن السيبراني، والمرونة المدنية، والابتكار، وتعزيز القدرات الصناعية.
وسيلتزم كل عضو في الحلف تقديم خطة سنوية توضح المسار الذي سيتبعه لتحقيق الهدف، على أن تراجَع مجريات التنفيذ عام 2029، بما يراعي المتغيرات الاستراتيجية والاحتياجات الدفاعية المستجدة.
وإذا جرى تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2035، فإن دول الناتو ستنفق 800 مليار دولار سنوياً، بالقيمة الحقيقية، أكثر مما كانت تنفقه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق مجلة الإيكونوميست.
وتضيف المجلة أن هذا التوسع لا يقتصر على الناتو؛ إذ حسب أحد التقديرات، أنفقت إسرائيل، التي تواجه وضعاً أمنياً حرجاً، أكثر من 8% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع العام الماضي، وحتى اليابان المسالمة تاريخياً تخطط لزيادة إنفاقها العسكري.
أنماط إنتاج السلاح الجديدة
أشارت مجلة الإيكونوميست إلى دراسة أعدها باحثون في كلية لندن للاقتصاد كشفت عن تراجع حاد في نسبة العمالة إلى المعدات في قطاع التصنيع داخل الدول الغنية، حيث انخفضت هذه النسبة إلى النصف بين عامي 1995 و2017.
ويصف أحد التنفيذيين هذا التحول بقوله: "قبل عقود، كانت المصانع تعج بالعمال المهرة الذين يتحكمون في آلات ميكانيكية تقليدية. اليوم، هذا المشهد نادر. التحول الكبير نحو الأتمتة جعل العمل اليدوي مكمّلاً وليس مركزاً”.
وحسب الإيكونوميست، فإن تعقيد السلع وتنوعها تَرافق مع تطور كبير في خطوط الإنتاج، التي باتت تعتمد بشكل متزايد على الأتمتة والآلات فائقة الدقة، ما يتيح تكييفها بسهولة مع طبيعة المنتجات.
تضيف المجلة أن تصنيع الأسلحة المعقدة يتطلب بنى تحتية غير قابلة للنقل أو التحويل بسهولة، كما يوضح المحلل كريستيان بروز، الذي تساءل: "هل يمكن تحويل خط إنتاج سيارات فورد لصناعة قاذفات B-21؟"، ليجيب مباشرةً بأن الأمر مستحيل.
وفي تقرير موسع، عدّت الإيكونوميست التجربة الأوكرانية مثالاً فاقعاً على التحدي القائم أمام الدول التي تحاول تكييف صناعات قديمة مع متطلبات الحروب الحديثة.
فعلى الرغم من أن أوكرانيا ورثت بنية صناعية ضخمة من الاتحاد السوفييتي، تضم مئات المصانع العسكرية المهجورة، فإن هذه الإرث ثبتت محدودية جدواه بعد الهجوم الروسي عام 2022.
ويشير التقرير إلى أن 82% من قطاع الأسلحة الأوكراني آنذاك كان مملوكاً للدولة، ما سهّل الإجراءات الإدارية لتوسيع الإنتاج، لترتفع النسبة إلى 89% بنهاية العام نفسه بفضل تعزيز الطاقة الإنتاجية للمصانع القائمة.
غير أن القفزة الحقيقية، كما تؤكد الإيكونوميست، جاءت في العام التالي، عندما دخلت الشركات الخاصة إلى خط الإنتاج بقوة وسرعة، وهو ما دفع مسؤولاً أوكرانياً سابقاً للقول: "بعد السنة الأولى، أصبح القطاع الخاص ينمو بسرعة تفوق بمراحل المؤسسات الحكومية”.
وبحلول عام 2024، باتت 58% من صناعة الأسلحة الأوكرانية مملوكة للقطاع الخاص. المفارقة، كما تنقل المجلة أنه لا الشركات الخاصة ولا العامة استفادت من المصانع السوفييتية المغلقة، إذ ثبت أن بناء مصانع صغيرة جديدة أكثر جدوى وسرعة من إعادة تأهيل القديمة.
ووفق تقديرات أوردتها المجلة، فإن زيادة الإنفاق الدفاعي في دول الناتو الأوروبية قد تخلق نحو 500 ألف وظيفة، وهو رقم يبدو متواضعاً مقارنةً بنحو 30 مليون عامل في قطاع التصنيع داخل الاتحاد الأوروبي، مما يقلل من آمال البعض في أن تكون الصناعات الدفاعية وسيلة فعالة لتعويض تآكل فرص العمل في القطاعات التقليدية.
الميزانية العامة
وترى الإيكونوميست أن الأثر الاقتصادي الأبرز لزيادة ميزانيات الدفاع لا يتمثل في الوظائف أو التحديث الصناعي، بل في الضغوط المتزايدة على المالية العامة.
فمع ارتفاع الدين العام وشيخوخة السكان وازدياد أسعار الفائدة، ستُضطر الدول الأعضاء في الناتو، باستثناء الولايات المتحدة، إلى رفع إنفاقها الدفاعي السنوي بما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا الارتفاع من شأنه أن يضغط على بنود أخرى في الميزانية، لا سيما الإنفاق الاجتماعي، ويقوض ما يُعرف بـ"عائد السلام" الذي استفادت منه أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة.
توضح المجلة أن الحكومات الأوروبية ستواجه معضلة سياسية واقتصادية، إذ سيكون من الصعب تمرير قرارات تقشفية أو زيادات ضريبية شاملة، ما سيدفع كثيراً منها إلى اللجوء إلى العجز المالي.
ونتيجةً لذلك، فإن الإنفاق الدفاعي قد يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة وزيادة هشاشة الموازنات العامة، حتى مع كونه يُسهم في تعزيز الأمن الوطني.
وفي قراءة كينزية لحالة التمويل العسكري، تلفت الإيكونوميست إلى أن الإنفاق بالاستدانة قد يوفّر دفعة اقتصادية مؤقتة، لكنه يأتي في توقيت غير مثالي؛ إذ إن معظم الاقتصادات الغنية تعاني من معدلات بطالة منخفضة وتضخم مرتفع، ما يجعل تأثير هذه الدفعة محدوداً وغير مرغوب فيه من الناحية الكلية.
أضف إلى ذلك أن الإنفاق الدفاعي بطبيعته مكلِّف ولا يُترجم مباشرةً إلى تحسين في مستويات المعيشة للمواطنين.
رغم هذه الصورة القاتمة نسبياً، تفتح الإيكونوميست نافذة تفاؤل من خلال ما تسميه "استثناء البحث والتطوير". فالتمويل الحكومي للأبحاث الدفاعية غالباً ما يُسهم في دفع عجلة الابتكار في القطاع الخاص.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن زيادة بنسبة 1% في الإنفاق على البحث والتطوير الدفاعي داخل قطاع معين ترفع إنتاجيته السنوية بنسبة 8.3%. ويكفي التذكير بأن الإنترنت والطاقة النووية نشأتا أصلاً من أبحاث عسكرية لتقدير الأثر المستقبلي المحتمل.
وتخلص المجلة إلى أن الإنفاق العسكري سينقل الطلب من قطاعات اقتصادية إلى أخرى، وهو ما يراهن عليه السياسيون لمعالجة آثار تراجع التصنيع التقليدي، لكن الواقع قد يكون مخيباً للآمال. فالمصانع الحديثة لا تحتاج إلى أيدٍ عاملة كثيفة، وخطوط الإنتاج المؤتمتة لا تعوّض عن تراجع الاستثمار في الصناعات المدنية.