ويعد هذا أول قمع أمني لمتظاهرين يطالبون بإعادة المحتجزين الإسرائيليين من غزة منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على إيران في 24 يونيو/ حزيران الجاري.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الشرطة اعتقلت 7 متظاهرين خلال قمعها احتجاجا في ميدان رابين بتل أبيب، للمطالبة بالإفراج الفوري عن المحتجزين، حتى لو تطلب الأمر وقف الحرب على غزة.
وقالت الشرطة، في بيان نقلته الصحيفة، إن الاعتقالات تمت بدعوى "الإخلال بالنظام"، وادعت أن بعض المتظاهرين "اقتحموا الحواجز الأمنية بالقوة"، ما أدى إلى اندلاع مواجهات محدودة، وإعلان المسيرة "غير قانونية".
وبذلك، تعود عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة إلى تنظيم احتجاجات شعبية للمطالبة باستعادة ذويهم، بعدما توقفت تلك الفعاليات بفعل القيود التي فرضت جراء عدوان تل أبيب على طهران.
وفي 13 يونيو/حزيران الجاري، شنت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.
ولاحقا، هاجمت الولايات المتحدة منشآت نووية بإيران في 22 يونيو/حزيران، لترد طهران بقصف قاعدة "العديد" الأمريكية بقطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر ذاته وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.
عودة إلى الاحتجاجات
وفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي طوال الحرب على إيران قيودا على التجمعات الجماهيرية، ما أوقف المظاهرات التي تنظم دوريا أيام السبت، لكن أيضا بشكل أقل في باقي أيام الأسبوع.
وأعلنت العائلات الخميس، عبر أول بيان منذ انتهاء الحرب مع إيران، أنها ستعود إلى تنظيم الاحتجاجات السبت المقبل، لكن عددا منهم بدأوا بالتظاهر في اليوم نفسه، وأكدت العائلات "الحاجة المُلحة للاستفادة من الإنجازات العملياتية والتوصل إلى اتفاق شامل وكامل يُعيد جميع المخطوفين الخمسين (الأسرى الإسرائيليين بغزة)، رجالاً ونساءً، ويُنهي القتال".
وأشارت إلى أنه "في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق، يبرز غياب الإنجازات السياسية في غزة، التي من شأنها إنهاء أطول حملة في تاريخنا وإعادة جميع أحبائنا وجميع جنودنا إلى ديارهم، كجرحٍ مُتقيح".
وتُقدر تل أبيب وجود 50 محتجزا إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 أسير فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وتأتي دعوات عائلات المحتجزين للاحتجاج من جديد في ظل تحليلات ودعوات إقليمية ودولية ترى في نهاية المواجهة بين إيران وإسرائيل فرصة سانحة لإعادة الاهتمام لجهود التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة.
كما تتزامن مع تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أعرب فيها عن اعتقاده بأن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب بغزة "بات وشيكا جدا"، فيما تؤكد المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواصل الحرب استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته، لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، لا سيما استمراره في السلطة.
معارضة بن غفير وسموتريتش
في المقابل، أعرب وزيرا الأمن القومي والمالية الإسرائيليان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الخميس، عن معارضتهما الشديدة لأي مسار قد يؤدي إلى وقف الحرب على قطاع غزة وإجراء مفاوضات تفضي لإقامة دولة فلسطينية.
يأتي ذلك في أعقاب أنباء عن اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بشأن إمكانية وقف الحرب بغزة، وتوسيع اتفاقيات سلام مع بلدان عربية، مقابل إجراء مفاوضات قد تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن بن غفير قوله: "يصعب عليّ أن أصدق أن رئيس الحكومة (نتنياهو) سيكرر أخطاء الماضي، ويدخل في مفاوضات قد تؤدي إلى إقامة دولة إرهاب فلسطينية أو تنازلات خطيرة" وفق تعبيره، وتابع: "شعب إسرائيل يريد النصر، لا محاولات جديدة لاسترضاء الإرهاب تحت غطاء السلام" بحسب قوله.
وأضاف: "رئيس الحكومة يعرف أيضا أن الحسم الكامل فقط (في غزة)، والذي يشمل الاحتلال، والاستيطان، وفرض السيادة، هو الرد الحقيقي على الكذبة الفلسطينية (في إشارة إلى الدولة الفلسطينية)، وليس الانسحابات أو الاستسلام".
من جانبه، عارض سموتريتش توسيع اتفاقيات السلام مع البلدان العربية مقابل إقامة دولة فلسطينية، وقال في منشور عبر منصة إكس: "توسيع اتفاقيات أبراهام أمر رائع.. لكن إذا كان هذا غطاءً لامعًا لتهديد وجودي يتمثل في تقسيم البلاد، وإقامة دولة فلسطينية تفوق مساحتها مساحة غزة بعشرين ضعفًا، وفي منطقة تسيطر جغرافيًا وطبوغرافيًا على معظم أراضي دولة إسرائيل، فالإجابة لا! شكرًا".
وتوصلت إسرائيل أواخر عام 2020 إلى مجموعة اتفاقيات تطبيع مع البحرين والإمارات والمغرب والسودان، عرفت بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، بينما تشترط العديد من الدول العربية ومنها السعودية موافقة الحكومة الإسرائيلية على قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وفق مبادرة السلام العربية لعام 2002 مقابل تطبيع العلاقات.
اتفاق ترمب ونتنياهو
وفي وقت سابق الخميس، نقلت وسائل إعلام عبرية بينها صحيفتا "يديعوت أحرنوت" و"يسرائيل هيوم" الخاصتان، عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، قولهم إن نتنياهو وترمب اتفقا على إنهاء الحرب بغزة، في غضون أسبوعين كحد أقصى، وذلك في إطار خطة سلام إقليمية واسعة تشمل عدة مسارات سياسية وأمنية.
وتشمل الخطة، وفق المسؤولين، توسيع "اتفاقيات أبراهام" لتشمل دولًا إضافية مثل السعودية وسوريا، وإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، مقابل قبول إسرائيلي مبدئي بفكرة "الدولة الفلسطينية" في المستقبل، بشرط تنفيذ إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية.
ولم يصدر إعلان رسمي إسرائيلي بشأن ادعاءات الإعلام العبري، كما لم تعلن أي من الدول الوارد ذكرها في الادعاءات مواقف بالخصوص، لكن الدول العربية سبق أن أعلنت دعمها إعادة بسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على غزة، بينما يرفض نتنياهو أي دور للسلطة في القطاع.
ومنذ بدء حرب الإبادة بقطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلن مسؤولون إسرائيليون، في مقدمتهم نتنياهو، رفضهم إقامة دولة فلسطينية واعتزامهم ضم الضفة الغربية رسميا.
وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 188 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.