حمل التقرير عنوان "حرب الأيام الـ12: الدروس المستخلصة لتركيا"، وتناول بمقاربة شاملة الأبعاد العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية للصراع، مع التركيز على الانعكاسات الاستراتيجية على البيئة الإقليمية.
ووفق ما ورد في التقرير، فإن الحرب شكّلت نموذجاً معقّداً لـ"عمليات متعددة الأبعاد" جمعت بين البر والجو والبحر، إلى جانب المجالين السيبراني والكهرومغناطيسي، مع استخدام مكثف للتكنولوجيا المدنية والأساليب غير التقليدية في إدارة المعركة.
في مقدمة التقرير، شدّد رئيس الأكاديمية طلحة كوسا على أن "الفهم العميق لهذه المرحلة –التي تشابكت فيها أدوات الاستخبارات والتكنولوجيا والدبلوماسية العامة– يُعدّ شرطاً أساسياً لاتخاذ قرارات استراتيجية فعالة في منطقة تطغى عليها أنماط الحروب المتغيرة".
امتد التقرير على 50 صفحة، وانقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية، تضمن المحور الأول قراءة تحليلية للمعطيات العسكرية والتقنية والاستخباراتية، واستعرض القدرات العملياتية التي أظهرها الطرفان، مع تقييم لمنظومات الدفاع الجوي والهجوم الصاروخي والتقنيات المستخدمة.
أما المحور الثاني، فتناول الجوانب السياسية والدبلوماسية المرتبطة بالحرب، مسلطاً الضوء على دور التحالفات الإقليمية والدولية في موازين الصراع.
فيما خصص المحور الثالث لاستشراف السيناريوهات المستقبلية الممكنة، وتحليل الانعكاسات المحتملة على تركيا والمنطقة في المدى القريب والمتوسط.
وفي هذه المراجعة، نستعرض أبرز المعطيات التي قدّمها تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية، مع تسليط الضوء على الخلاصات والتوصيات التي ركّز عليها التقرير، والمبني أساساً على تحليل معمّق للمصادر المفتوحة.
تكنولوجيا الحرب التقليدية والهجينة
تُظهر معطيات التقرير أن ساحة الحرب الحديثة لم تعد تقتصر على الاشتباكات الحركية (الفيزيائية)، بل إن البُعدين السيبراني والكهرومغناطيسي باتا من العناصر الحاسمة في تحديد نتائج الصراعات.
وفي هذا السياق، تفيد أكاديمية الاستخبارات أن العمليات التي نفّذتها إسرائيل تجاوزت الاستخدام التقليدي للقوة الجوية، وقدمت نموذجاً لعملية عسكرية متعددة الأبعاد، جرى فيها دمج الحرب الإلكترونية، والهجمات السيبرانية، وعمليات المعلومات في إطار متكامل عالي الكثافة.
وبفضل الضغط المركّز على أنظمة الرادار الإيرانية ومراكز القيادة والسيطرة، إضافة إلى البنية التحتية للاتصالات، استطاعت إسرائيل تحقيق السيادة الجوية، وفق ما ورد في التقرير، كما نجحت في تقويض قدرات الرد الإيراني واحتفظت بالمبادرة الاستراتيجية طوال أيام الحرب.
توضح الأكاديمية أن حرب الأيام الـ12 قدّمت دروساً حيوية فيما يتعلق ببناء قوة جوية حديثة، تقوم على القدرة على تنفيذ عمليات متعددة الأبعاد، تجمع بين الجو والبر والبحر والفضاء، والمجالين السيبراني والكهرومغناطيسي.
وقد أثبت هذا التنسيق فاعليته في تحقيق نتائج لا تقتصر على الميدان بل تمتد إلى المستوى الاستراتيجي الأوسع.
تشير الأكاديمية إلى أن فاعلية "العمليات الحركية" تضاعفت حين دُعمت بقدرات "الحرب السيبرانية والإلكترونية"، ولم تعد تلك القدرات عناصر داعمة فقط، بل تحولت إلى مكونات مركزية في البنية العملياتية للحرب المعاصرة.
وتؤكد تقديرات التقرير أن الاستخدام المتكامل للطائرات المسيّرة من دون طيار (UAV) والطائرات الهجومية من دون طيار (UCAV) إلى جانب الأنظمة الجوية المأهولة، كشف عن الإمكانات الكبيرة التي توفّرها هذه المنصات، وخاصة في الضربات الدقيقة ومتعددة الاتجاهات.
كما يُظهر تقرير الأكاديمية أن الطائرات الحربية المأهولة، رغم التوسع في استخدام الأنظمة غير المأهولة، ما تزال تؤدي دوراً لا يمكن الاستغناء عنه في العمليات بعيدة المدى، وخاصة حين يتعلق الأمر بالأهداف الاستراتيجية العميقة داخل أراضي الخصم.
ويشير التقرير إلى أن هذه الخلاصة توفّر دلائل عملية على الأسس التي ينبغي أن تُبنى عليها القوة الجوية، على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، ما يجعلها مرجعاً رئيسياً لتخطيط القوة الجوية والقوة المشتركة في النزاعات المستقبلية.
كما تُظهر بيانات التقرير أن التفوق العسكري لم يعد مرتبطاً فقط بامتلاك القوة النارية، بل بمدى القدرة على توجيهها بفاعلية وقمع قدرات العدو في الوقت نفسه.
كما يشير التقرير إلى أن سيطرة إسرائيل على الطيف الكهرومغناطيسي ساعدتها في شلّ التنظيم الدفاعي الإيراني، في حين لعبت العمليات النفسية دوراً بالتأثير في الإدراك العام وصورة الحرب لدى الجمهور الإيراني.
في المقابل، أظهرت الحرب حدود الاستراتيجية الدفاعية اللامتناظرة التي تتبعها إيران. فقد أشار التقرير إلى أن اعتماد طهران على بنية دفاعية مركزية منخفضة المرونة جعلها عرضة للشلل المنهجي أمام الهجمات المركبة التي دمجت بين النيران الفعلية والتشويش الإلكتروني.
ويُبيّن التقرير أن تدمير البنية التحتية للرادارات وشبكات القيادة والسيطرة الإيرانية خلال أول 72 ساعة من القتال، أفقد إيران القدرة على تنفيذ أي رد غير متماثل فعال، ومنح إسرائيل مساحة مناورة واسعة على المستويين العملياتي والاستراتيجي، بحسب أكاديمية الاستخبارات التركية.
وتختم الأكاديمية تقييمها بالتحذير من أن الحرب الحديثة لم تعد تُخاض فقط في ميادين القتال التقليدية، بل تُحسم أيضاً في الفضاء الرقمي والكهرومغناطيسي، حيث تُدار الإشارات والكابلات وتدفّقات البيانات.
لذا، فإن بناء التفوق في هذه الجبهات يجب أن يُعدّ أولوية استراتيجية لأي قوة تسعى للفوز في حروب المستقبل.
أهمية الدبلوماسية والحلفاء
الحرب والدبلوماسية عنصران متلازمان في بنية العلاقات الدولية طويلة الأمد، ولا يمكن الفصل بينهما في إدارة النزاعات المعقّدة، وفي هذا السياق، يشير تقرير الأكاديمية إلى أن تعثّر المسار التفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني كان عاملاً حاسماً في دفع الولايات المتحدة وإسرائيل نحو خيار المواجهة العسكرية.
ويُعزى ذلك، بحسب التقرير، إلى إخفاق طهران في التعامل بمرونة وحذر مع الفروقات الدقيقة بين موقفي واشنطن وتل أبيب، ما أدى إلى تقويض فرص التهدئة، وأسفر في النهاية عن نتائج كارثية على الصعيد الاستراتيجي لإيران.
وشكّل الدعم الأمريكي شبه غير المشروط لإسرائيل عنصراً استثنائياً في الحرب لمصلحة تل أبيب، في المقابل، فإن فقدان إيران لحلفائها التقليديين أضعف موقع طهران، وهذا يدل على أن "الشراكة الاستراتيجية" بين الصين وروسيا وإيران، ما زالت بعيدة عن تشكيل آلية أمن جماعي هيكلية.
في بيئة دولية أصبح فيها استخدام القوة بين الدول وسقوط الضحايا المدنيين أمراً طبيعياً، قد لا توفّر التحالفات التقليدية حماية كاملة ومطلقة، إلا أن المثال الإيراني يُظهر، كما يشير تقرير الاستخبارات التركية، أن الدول التي تحاول البقاء على الحياد تصبح عملياً "بلا سند"، ما يجعلها أهدافاً أسهل.
ومن الجوانب المهمة الأخرى التي كشفت عنها الحرب أن الدفاع يُعدّ ظاهرة جماعية، ولا يمكن تحقيقه فقط من خلال السلاح والإجراءات العسكرية.
فبالرغم من أن روسيا وإيران من بين الدول التي تملك أكبر مخزون من الصواريخ والطائرات المسيّرة، فإنه تبيّن أن الردع العسكري وحده لا يكفي لتحقيق النصر أو حتى الحماية، ما لم يكن مدعوماً بردع سياسي واقتصادي وتكنولوجي شامل.
مفهوم الاستخبارات
خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، لعبت الاستخبارات دوراً محورياً لا يقل أهمية عن التكنولوجيا العسكرية، في تمكين الثنائي الإسرائيلي-الأمريكي من توجيه ضربات دقيقة وقاسية لإيران، وفقاً لما ورد في التقرير.
ويُعرف أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" يمتلك منذ سنوات طويلة بنية منظمة وفاعلة داخل إيران. ويعتمد الموساد على أسلوبين رئيسيين في تنفيذ عملياته: الأول هو تجنيد الأفراد، والثاني الاعتماد على جماعات منظمة، كما هو الحال في استغلال أعضاء منظمة "مجاهدي خلق"، إذ يُعرف عن هذه الجماعة مشاركتها المباشرة في عمليات اغتيال وتخريب داخل إيران.
ورغم أن "مجاهدي خلق" تراجع تأثيرها الشعبي بعد انتقال مقرها من العراق إلى ألبانيا عقب الغزو الأمريكي، فإنها لا تزال فاعلة من الناحيتين الآيديولوجية والعملياتية.
ويحذّر تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية من سيناريو مشابه قد يهدد تركيا، إذ يمكن أن تضطلع منظمات مثل تنظيم "غولن" (FETÖ) الإرهابي بأدوار موازية داخل تركيا، في حال نشوء بيئة إقليمية مشابهة.
وفي السياق ذاته، تُشكّل منظمات الجريمة المنظمة جناحاً آخر من شبكة النفوذ الاستخباري الإسرائيلي في الداخل الإيراني، بحسب ما ورد في تقرير الاستخبارات التركية.
وقد كشفت وسائل إعلام إيرانية عن تورط تنظيمات إرهابية متمركزة في شمال العراق في تهريب الأسلحة والمشاركة في عمليات اغتيال باستخدام طائرات مسيّرة صغيرة محمّلة بذخائر موجهة.
وتفيد المعلومات التي أوردها تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية بأن هذه التنظيمات الإرهابية زودت إسرائيل بمعلومات استخباراتية دقيقة وفي الوقت الحقيقي عن أهداف حساسة داخل إيران، بل إنها أنشأت ورشاً لتصنيع الطائرات المسيّرة داخل الأراضي الإيرانية.
وفي أعقاب هجمات 13 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت السلطات الإيرانية عن اعتقال عدد من المتورطين في هذه الشبكات، وقد أُعدم بعضهم بالفعل.
وتؤكد أكاديمية الاستخبارات التركية أن هذه الوقائع تُظهر أن العمل الاستخباراتي -ولا سيما في أوقات الحرب والصراع- يتجاوز كونه مسؤولية مؤسسات رسمية محددة، ليصبح جزءاً من منظومة أمن قومي شاملة على مستوى المجتمع بأسره.
ولذلك، فإن على تركيا العمل على تعزيز وعي المواطنين تجاه التهديدات المتعلقة بالتجسس والاختراقات الأمنية، بحسب توصيات التقرير.
واستناداً إلى ما ورد في تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية، فإن من الضروري أن تضمن الدولة التركية تنسيقاً فاعلاً ومتكاملاً بين مختلف المستويات الأمنية، بدءاً من حراس الأحياء المحليين، ووصولاً إلى أعلى المؤسسات الاستراتيجية في الدولة.
ويشير التقرير إلى أن التطورات التكنولوجية في مجال الاتصالات جعلت من الممكن تحويل الأفراد العاديين، بل حتى الأطفال، إلى مصادر معلومات استخباراتية ذات قيمة عالية.
ولهذا، فإن تعزيز الوعي الاستخباراتي المجتمعي عبر الإعلام ووسائل النشر الجماهيري أصبح أمراً لا يحتمل التأجيل، بحسب تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية.
وفي ضوء ذلك، تبرز الحاجة إلى توسيع الاتصال الاستراتيجي وتطوير محتواه وأدواته، لضمان بناء منظومة دفاع وطني فعّالة ضد أي اختراقات معادية، كما تؤكد أكاديمية الاستخبارات التركية.
الصناعات الدفاعية
تشير أكاديمية الاستخبارات التركية في تقريرها التحليلي إلى أن المبالغ الضخمة التي أنفقتها إيران منذ عقود على تطوير أنظمة تقليدية وهجينة، إلى جانب المناورات السنوية واسعة النطاق المعروفة باسم "النبي الأعظم"، التي شارك فيها مئات الآلاف من الجنود، لم تكن كافية لردع إسرائيل أو صدّ هجومها الفجائي.
ويبيّن التقرير أن الضربات الإيرانية التي استهدفت إسرائيل نُفّذت بمعظمها باستخدام الصواريخ فرط الصوتية التي جرى تطويرها في السنوات الأخيرة، غير أن أثرها الفعلي بقي محدوداً ولم يتحقق إلا من خلال أسلوب التشبع الهجومي الذي يعتمد على إطلاق كم كبير من المقذوفات دفعة واحدة.
وقد سلّط التقرير الضوء على أن إسرائيل، خلال المعارك، استخدمت تقنيات مدنية المظهر طُورت حديثاً لأغراض عسكرية، ما يُبرز ضرورة إعادة تقييم المفاهيم التقليدية لصناعة الدفاع، وفي مقدمتها مفاهيم "التهديد"، و"الردع"، و"أنظمة السلاح"، بما يتماشى مع التحولات الجارية.
وبحسب الأكاديمية، فإن عمليات التحول المفاهيمي التي كانت تستغرق عقوداً أو حتى قروناً، باتت تحدث في غضون شهور، نتيجة لظهور ميادين صراع جديدة مثل الفضاء السيبراني، والطائرات المسيّرة صغيرة الحجم، والذكاء الصناعي، ما يفرض ديناميكيات غير مسبوقة على الصناعة الدفاعية.
ومن هذا المنطلق، يرى التقرير أن على قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا ألا يركّز فقط على تلبية الاحتياجات التقليدية، بل أن يأخذ بعين الاعتبار أن ساحات الحرب المستقبلية قد أصبحت واقعاً راهناً، ما يستدعي تحديثاً دائماً في البنية التقنية والعقائدية لأنظمة المواجهة.
ويضيف التقرير أن التحولات والأدوات الجديدة، وإن لم تُنتج "نصراً كلاسيكياً"، فإنها، كما في النموذج الإيراني، قادرة على شلّ القدرات الدفاعية للطرف الآخر، وإلغاء آليات الردع التقليدي، وتحقيق مكاسب استراتيجية غير مباشرة أو التسبب بخسائر ضخمة.
ومن أبرز التحديات التي يشير إليها التقرير في هذا السياق، هي العمليات الاستخباراتية ذات “النيات الخبيثة” التي تستهدف بشكل متزايد البيروقراطيات الأمنية وقطاعات الصناعات الدفاعية، نتيجة التطور السريع والكثافة النوعية التي حققها هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، تنبّه أكاديمية الاستخبارات إلى أن الجهات الفاعلة في الصناعات الدفاعية والأمنية قد تتحول إلى أهداف رئيسية للمراقبة والهجمات الخارجية، ما يتطلب تعزيز التدريبات الخاصة بمكافحة التجسس، ورفع مستويات الحذر الأمني، وتأسيس بنية إنذار مبكر فعّالة.
ويُختتم التقرير بالتأكيد على أن أي ثغرة استخباراتية -حتى لو كانت بسيطة- في مواقع حساسة كالصناعات الدفاعية أو الأجهزة الأمنية، قد تؤدي إلى ضربات مدمّرة يصعب تداركها لاحقاً.
الاستعداد المجتمعي والدفاع المدني
قدّمت المواجهة دروساً مهمة في مجال الدفاع المدني أيضاً، وفي هذا السياق، على تركيا أن تعزز مستوى استعدادها وقدراتها في مجال الدفاع المدني بشكل كبير، وينبغي قبل كل شيء إنشاء شبكة إنذار مبكر واسعة، وبناء أنظمة تحذير وإنذار ضد الهجمات الجوية، ولا سيما في المدن الكبرى، كما يوصي التقرير.
كما يشير إلى ضرورة إنشاء ملاجئ مزوّدة بالمعايير التقنية المناسبة ضمن المنشآت الاستراتيجية مثل المؤسسات الحكومية الحساسة، بالإضافة إلى بناء ملاجئ جماعية يسهل الوصول إليها في المدن الكبرى، وينبغي كذلك اتخاذ تدابير تمكّن من استخدام محطات المترو تحت الأرض لهذا الغرض في حالات الطوارئ.
وفي السياق نفسه، يؤكد التقرير أهمية تنظيم استخدام شبكات الهواتف المحمولة، وتوعية المجتمع بشأن انقطاعات الاتصالات التي قد تثير الذعر. كما يجب إنشاء بنية استخبارات بشرية ذات تدرّج على المستوى المجتمعي، وزيادة وعي المواطنين في هذا المجال.
لم يعد من الممكن، وفقاً لما ورد في تقرير الأكاديمية، أن تظل مسؤولية الأمن والاستخبارات مقتصرة على المؤسسات العامة فقط. ومن هذا المنطلق، ينبغي تنظيم حملات تهدف إلى رفع وعي الجمهور، مع استخدام أدوات التواصل مثل المؤتمرات، والإعلانات، والمسلسلات التليفزيونية بشكل نشط وفعّال.
سيناريوهات
في ضوء الحرب الإسرائيلية–الإيرانية الأخيرة، طرحت أكاديمية الاستخبارات التركية ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقة بين طهران وواشنطن يمكن تلخيصها كالتالي:
1. استئناف المفاوضات: رغم التصعيد، قد تضطر إيران إلى التفاوض مجدداً، مدفوعة بالخسائر التي تكبدتها في 13 يونيو/حزيران الماضي. ومن المتوقع أن تتركز المفاوضات حول تخصيب اليورانيوم، مع احتمال طرح صيغة وسطية مثل تعليق مؤقت للتخصيب من دون التخلي عن الحق القانوني بموجبه.
لكن إذا طالبت إدارة ترمب بـ"تخصيب صفري" أو إدراج برنامج الصواريخ الباليستية، فقد تنهار المفاوضات. التوصل لاتفاق قد يمنع تفجّر أزمة إقليمية، لكن إسرائيل قد تواصل عمليات محدودة داخل إيران.
2. فشل المفاوضات واستمرار التوتر: في هذا السيناريو، لا تُستأنف المفاوضات أو تنهار سريعاً وستواجه إيران خطر عودة العقوبات الأممية، وتتعرض لهجمات جوية إسرائيلية أكثر كثافة. وقد ترد طهران عبر عمليات انتقامية أو استهداف الملاحة في مضيق هرمز.
داخلياً، سيؤدي تآكل السردية الأمنية للنظام أمام الرأي العام، وخاصة في المدن الكبرى، إلى إضعاف شرعية النظام.
3. استئناف الحرب: إذا تطورت الضربات إلى هجوم شامل، فإن المواجهة ستكون أشد وأطول. وقد تعيد إيران النظر في خيار تطوير سلاح نووي وسيلةَ ردعٍ. وفي حال شعر النظام بأنه فقد كل أوراقه، فقد يصبح إغلاق مضيق هرمز خياراً واقعياً، ما سيؤثر بشدة في سوق الطاقة العالمي والتوازنات الدولية.
الاستعداد للأسوأ
يُعد اندلاع صراع شامل داخل إيران أحد السيناريوهات الواردة ما يجعل الاستعداد المسبق للتعامل مع أسوأ الاحتمالات خياراً استراتيجياً لا غنى عنه. ووفقاً لما جاء في تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية، فإن إسرائيل لا تُخفي رغبتها في استثمار التصعيد العسكري لتحقيق تغيير في بنية النظام الإيراني، عبر توجيه ضربات دقيقة ومنسقة.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فيتّبع خطاباً ضبابياً حيال هذا الاحتمال، إلا أن المعطيات تشير إلى أنه لن يعارض هذا السيناريو ما دام تحقيقه لا يتطلب تكلفة باهظة على المستوى السياسي أو العسكري.
لا يُستبعد من منظور واشنطن سيناريو تغيير النظام، حتى لو بدت احتمالاته الراهنة محدودة. وتُشير أكاديمية الاستخبارات التركية إلى أن أحد أبرز ملامح هذا السيناريو هو احتمال فقدان الحكومة الإيرانية السيطرة على مناطق نائية عن المركز، وخصوصاً في الشمال الغربي.
وقد أظهر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وعياً بهذا الاحتمال حين أعلن عن توزيع صلاحياته على المحافظين، تحسباً لأي طارئ يهدد الاستقرار الإداري في البلاد.
ومع أن إيران ظلت لعقود تبني أجهزة أمنية وبنية إدارية مهيأة للتصدي لأي تدخل خارجي أو اجتياح محتمل، إلا أن التقرير ينبه إلى أن أي هجوم خارجي لن يكون سهلاً أو سريع النتائج، لكنه قد يفتح الباب أمام حالة ممتدة من عدم الاستقرار الداخلي، وهو ما قد يكون الهدف الفعلي للقوى المتدخلة أكثر من الإطاحة المباشرة بالنظام.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يحذّر التقرير من تكرار سيناريوهات الانهيار والفوضى كما حدث في العراق وسوريا، ويدعو تركيا إلى اتخاذ خطوات حازمة واستباقية لمنع تحوّل إيران إلى بؤرة جديدة للفوضى الإقليمية.
ويزداد هذا التحذير إلحاحاً بالنظر إلى أن المناطق الإيرانية المعنية تلامس حدود جنوب القوقاز، ما يرفع من الأهمية الجيوسياسية ويستقطب مزيداً من الفاعلين الإقليميين والدوليين في المشهد.
خلاصات وتوصيات
وقد خلص التقرير إلى أن من أبرز الدروس المستفادة لتركيا يتمثل في ضرورة تحديث الترسانة الجوية، وتكامل الطائرات المأهولة والمسيّرة في بنية عملياتية موحدة تتيح الاستجابة للتهديدات المتعددة بكفاءة أعلى.
ولفت التقرير إلى أن عجز إسرائيل عن اعتراض بعض الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية، يؤكد أهمية تطوير نظام دفاع جوي متعدد الطبقات في تركيا، يضمن التغطية الشاملة والجاهزية للسيناريوهات عالية التهديد.
وأكّد تقرير أكاديمية الاستخبارات التركية أن الحرب أظهرت كما في الحالة الأوكرانية أن التفوق التقني وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مدعوماً بقدرات إنتاج ضخمة. لذلك، يجب أن تحظى كفاءة الإنتاج التسلسلي العسكري بأولوية قصوى في تركيا.
كما شدّد التقرير على ضرورة الرقابة على التقنيات المدنية ذات الاستخدام المزدوج، مع العمل على إنتاج برمجيات وأجهزة محلية خاصة بالمؤسسات الحكومية الحساسة، لضمان الأمن السيبراني وتقليل الاعتماد على الخارج.
وختم التقرير بالتأكيد على أن التجربة الإيرانية تدفع إلى ضرورة بناء أنظمة إنذار مبكر وطنية، وإنشاء ملاجئ مؤهلة في المدن الكبرى داخل تركيا، وذلك نظراً لطبيعة الحروب الحديثة التي تتجاوز ساحات القتال التقليدية إلى استهداف العمق المدني والبنى التحتية.