يُعد معتقل تازمامارت أحد أشهر المعتقلات السياسية المغربية خلال سنوات "الجمر والرصاص" التي عرفتها البلاد خلال النصف الثاني من القرن الماضي. حيث كانت الظروف الطبيعية القاسية تتحالف مع وحشة السجن وآلامه ضد المعتقلين السريين، سياسيين كانوا أو متهمين في تخطيط انقلابات فاشلة، تقتات على أجسادهم المعذَّبة.
وظلّ تازمامارت إلى وقت قريب لطخة في سجل المملكة الحقوقي، عزمت السلطات المغربية على إنصاف ضحاياها، وضحايا الحقبة بأسرها، فأطلقت مطلع الألفية الثالثة مبادرة مصالحة وطنية. المبادرة التي أوصت بتحويل المعتقل القديم إلى فضاء لحفظ الذاكرة، وشاهد على وقائع تقطع البلادُ مع تكرار ممارساتها.
تازمامارت في حلة جديدة
شهد موقع سجن تزمامارت، السري سابقاً، زيارة لجنة من "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" المغربي، لتقف على تقدم أشغال ترميمه وتحويله إلى فضاء لحفظ ذاكرة. وقالت اللجنة التي رأستها رئيسة المجلس، أمينة بوعياش، إن "الأشغال بلغت 95% من إنجازها وقريباً يعاد افتتاح الموقع ليكون فضاء لتخليد ذاكرة ضحاياه كما سيعود بنفع اجتماعي وثقافي على سكان المنطقة المحيطة به".
آلام تازمامارت
وكان سجن تازمامارت أحد أكثر المعتقلات السياسية المغربية دموية، وهو الواقع في منطقة مقفرة بين جبال الأطلس الكبير، حيث تُزيد الظروف الطبيعية قسوة العذاب الذي يسلطه السجانون على ضحاياهم. ويعود بناء هذا المعتقل إلى الحقبة الاستعمارية، إذ كان المحتل الفرنسي يسجن فيه المقاومين المغاربة.
فيما أعيد فتحه سنة 1973 سراً، بعد المحاولة الانقلابية الثانية على الملك الحسن الثاني، واحتجز فيه كل الجنود المخططين للانقلاب عليه في المرتين. ويضم المعتقل 58 زنزانة انفرادية مظلمة، موزعة على بنايتين لا تدخلهما الشمس ولا فتحات لتهويتها. حيث قضى عدد من السجناء نحبه متأثراً بأضرار البرد والجوع والأمراض على صحتهم.
ويروي أحمد المرزوقي، أحد الناجين من سجن تازمامارت بعد أن قضى فيه قرابة العقدين، في مذكراته قائلاً: "لقد تحملنا البرد القارس في الزنزانة-الثلاجة طوال شهور الشتاء ونحن حفاة شبه عراة، واختنقنا إلى الإغماء أحياناً من فرط الحرارة وقلة التهوية وطغيان الروائح الكريهة في الصيف، وتمزقت أحشاؤنا بمناشير من الجوع المروع ما يقرب خُمس قرن من الزمن، وتعرضت أجسام بعضنا إلى نهش العقارب، وجحافل الحشرات التي عاشت معنا في الظلام".
ويتفق الناجون من ذلك المكان سيء الذكر على أن النية من احتجازهم فيه جعل موتهم أكثر بطئاً وعذاباً في عزلة تامة عن العالم الخارجي. وظل تازمامارت سرياً إلى أن رصده بالصدفة سنة 1989 صحفيون فرنسيون كانوا يجرون ريبورتاجاً في المنطقة. وتحت وقع الضجة الإعلامية بادر النائب البرلماني محمد بنسعيد آيت يدر، عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى طرح سؤال حول مصير المعتقلين فيه. فيما أُفرج عمن تبقى في السجن في 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 1991.
مبادرة الإنصاف والمصالحة
وأطلق المغرب مبادرة للإنصاف والمصالحة مع حقبة الانتهاكات الحقوقية التي عاشتها البلاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أو ما عرفت إعلامياً بـ"سنوات الجمر والرصاص". وعيّن الملك محمد السادس لهذا الأمر هيئة كُلفت بتوثيق تلك الذاكرة وتعويض ضحايا تلك الحقبة.
وكان مطلوباً على وجه التحديد من هيئة الإنصاف النظر على في حالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي بين عامي 1956 و1999. وتقديم توصيات بشأن التعويضات المالية والرعاية النفسية والطبية وإعادة الإدماج الاجتماعي للضحايا. ومن بين أبرز تلك التوصيات كانت: "إجراءات معيّنة لإحياء ذكرى انتهاكات حقوق الإنسان وكذلك لضمان عدم تكرارها ومعالجة آثارها واستعادة الثقة في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان".
ونظمت الهيئة منذ تنصيبها سنة 2004، إلى موعد تقديم تقريرها النهائي سنة 2005، جلسات استماع للضحايا الذين بلغ تعدادهم 10 ألاف شخص، كما أجرت بحوثاً أرشيفية ومقابلات مع مسؤولين حكوميين سابقين. وخلصت الهيئة في تقريرها النهائي إلى وفاة 742 شخصاً من الأشخاص المختفين قسرياً ناجحة بذلك في تحديدِ مصيرهم، في حين فشلت في حل 66 ملفاً. وحلَّت هيئة الإنصاف والمصالحة 4677 حالة وأوصت بصرفِ تعويضاتٍ لـ3657 ضحيّة وأنشأت أرشيفاً يحتوي على أكثر من 20,000 شهادة شخصية لضحايا أو شاهدين على جرائم ارتُكبت في تلك الحقبة.