وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تنفذ تل أبيب وواشنطن منذ 27 مايو/ أيار 2025 خطة لتوزيع مساعدات محدودة بغزة، حيث يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار على الفلسطينيين المصطفين لتلقي المساعدات ويجبرهم على المفاضلة بين الموت جوعا أو رميا بالرصاص.
يأتي ذلك بينما تغلق إسرائيل منذ 2 مارس/ آذار الفائت بشكل محكم معابر غزة أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.
والأربعاء، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة بأن حصيلة ضحايا ما يُعرف بـ"آلية المساعدات الإسرائيلية الأمريكية" خلال شهر بلغت "549 شهيدا و4066 مصابا و39 مفقودا".
“انهيار للأخلاق”
وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الجمعة، أن "قادة (في جيش الاحتلال) أمروا القوات بإطلاق النار على الحشود (الفلسطينيين) لإبعادهم أو تفريقهم (أثناء تجمعهم قرب مراكز المساعدات)، رغم أنهم لا يشكلون أي تهديد".
ونقلت الصحيفة حديثا لأحد الجنود دون تسميته، وصف فيه الوضع بأنه "انهيار تام للمعايير الأخلاقية للجيش الإسرائيلي في غزة".
ورغم المجازر الإسرائيلية اليومية بحق المجوعين، ادعت الصحيفة أن المدعي العام العسكري "أصدر تعليماته بمراجعة الحوادث التي تنطوي على انتهاكات محتملة لقوانين الحرب، للتحقيق في جرائم الحرب المشتبه بها في هذه المواقع".
وأضافت: "بدأت مراكز مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) عملها في القطاع نهاية مايو، ويحيط الغموض بظروف تأسيس المؤسسة وتمويلها، إذ من المعروف أن إسرائيل أنشأتها بالتنسيق مع إنجيليين أمريكيين وشركات أمن خاصة".
وتابعت: "تدير المؤسسة 4 مواقع لتوزيع المواد الغذائية، 3 جنوبي غزة وواحد وسطها، وتُعرف في الجيش الإسرائيلي باسم مراكز التوزيع السريع، ويعمل في هذه المواقع عمال أمريكيون وفلسطينيون، ويحرسها جيش الدفاع الإسرائيلي من مسافة مئات الأمتار".
وبشأن استهداف المجوعين، قالت: "يصل آلاف وأحيانا عشرات الآلاف من سكان غزة يوميا لتسلم المواد الغذائية من هذه المواقع، وخلافا للوعود الأولية للمؤسسة، فإن التوزيع فوضوي، حيث تتدافع الحشود على أكوام الصناديق".
ومنذ افتتاح مراكز التوزيع السريع، أحصت "هآرتس" 19 حادثة إطلاق نار على منتظري المساعدات من المدنيين الفلسطينيين، ومؤكدة استهداف منتظري المساعدات، نقلت الصحيفة عن جنود وضباط، قولهم، إن الجيش "يطلق النار على الأشخاص الذين يصلون قبل ساعات العمل لمنعهم من الاقتراب، أو بعد إغلاق المراكز لتفريقهم".
"لعبة أطفال"
ونقلت "هآرتس" عن أحد الجنود دون تسميته، قوله: "إنها ساحة قتل، وفي مكان وجودي كان يُقتل ما بين شخص وخمسة أشخاص (فلسطينيين) يوميا، وكانوا يُعاملون بوصفهم قوة معادية".
وأشار إلى استخدام "نيران حية بكل ما يمكن تخيله: رشاشات ثقيلة، وقاذفات قنابل يدوية، وقذائف هاون، وبمجرد فتح المركز يتوقف إطلاق النار، ويعلمون أن بإمكانهم الاقتراب، ووسيلتنا للتواصل هي إطلاق النار".
وأضاف الجندي: "نطلق النار في الصباح الباكر إذا حاول أحد الوقوف في الصف على بُعد بضع مئات الأمتار، وأحيانا نهاجمهم من مسافة قريبة، ولا يوجد خطر على القوات (الإسرائيلية)"، وتابع: "لم أسمع عن أي حالة رد بالنار، لا يوجد عدو ولا أسلحة".
وفي إشارة إلى استهتار جيش الاحتلال بأرواح الفلسطينيين، صرّح الجندي بأن النشاط في منطقة خدمته يُشار إليه باسم "عملية السمك المملح"، وهو اسم النسخة الإسرائيلية من لعبة الأطفال التقليدية "ضوء أحمر، ضوء أخضر".
في السياق، نقلت "هآرتس" عن ضباط إسرائيليين لم تسمهم، قولهم إن جيش الاحتلال لا يسمح للجمهور بمشاهدة لقطات لما يحدث حول مواقع توزيع الغذاء.
كما نقلت عن جندي احتياط أكمل جولة أخرى من الخدمة شمالي القطاع هذا الأسبوع، دون تسميته، قوله إن "غزة لم تعد تهم أحدا، فخسارة الأرواح البشرية لا تعني شيئا، ولم تعد تعني حادثا مؤسفا".
ووصف ضابط يعمل في مركز توزيع، نهج جيش الاحتلال الإسرائيلي في إطلاق النار على المجوعين الفلسطينيين بأنه "معيب للغاية"، وأضاف: "ليس من المقبول أخلاقيا ولا معنويا أن يضطر الناس إلى الوصول إلى منطقة إنسانية تحت نيران الدبابات والقناصة وقذائف الهاون".
هجوم نتنياهو وكاتس
من جهتهما، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع في حكومته يسرائيل كاتس تقرير "هآرتس"، وقالا في بيان مشترك إن إسرائيل ترفض بشكل قاطع ما زعما أنها "افتراءات شائنة" و"أكاذيب خبيثة" أوردتها "هآرتس"، والتي "تهدف إلى تشويه سمعة الجيش الإسرائيلي، الذي يُعدّ أكثر الجيوش أخلاقا في العالم"، وفق ادعائهما.
وفي يونيو/ حزيران 2024، أدرجت الأمم المتحدة جيش الاحتلال وقوات الأمن الإسرائيلية ضمن "القائمة السوداء" للكيانات التي ترتكب "انتهاكات" ضد الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، قبل أن تجدد بقاءهما على القائمة ذاتها في وقت سابق من يونيو/ حزيران الجاري.
وقال نتنياهو وكاتس في بيانهما، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي "يعمل في ظروف صعبة" ضد ما زعما أنه "عدو يستخدم المدنيين دروعا بشرية"، كما زعما أن "جنود الجيش يتلقون تعليمات واضحة لتجنب إيذاء الأبرياء، ويعملون وفقا لتلك التعليمات".
وخلفت الإبادة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نحو 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.