رفضت محكمة القضاء الإداري بمدينة الإسكندرية المصرية الاثنين، إلزام محافظة الإسكندرية بتخصيص أراض تُستَخدم كمقابر غير أتباع الأديان الثلاثة، ينتفع بها المواطنون المسجّل في خانة الديانة في أوراقهم الرسمية علامة "-".
وتفجّرت إثر ذلك أزمة يعاني منها غير ما تعتبرهم الدولة المصرية "فئة رابعة" من فئات التنوّع الديني المسجّل في الأوراق الرسمية، وهم ما يشار لهم بـ "أحرار الفكر" أو "أحرار العقيدة". ولا يستطيع هؤلاء الانتفاع بمقابر المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، ويعود ذلك لتقسيم الدولة أماكن الدفن وتخصيصها تبعاً للانتماء الديني.
وتسعى مجموعات حقوقية، في مقدمتها "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (خاصة)، إلى الرجوع لما طُبِّق قبل ما يزيد عن 170 عاماً ولنحو قرن من الزمان في مصر، وهو "المقابر المدنية"، الّتي وفّرتها السلطات المصرية لأفراد الطوائف التي تدين بغير الأديان الثلاثة المُعترف بها في مصر.
المقابر المُعترف بها في مصر
ينص القانون المصري على "اختصاص المحافظات المختلفة بإصدار قرارات تخصيص الجبّانات للمجموعات الدينية المختلفة، أو إلغاءها، بعد اقتراح وتحديد المساحات المناسبة من جانب المجالس المحلية للمدن والقرى، أو لجان تشكلها المحافظة لهذا الغرض"، كما ينص القانون على "إلزام المجالس المحلية بالإشراف على إنشاء المقابر وصيانتها".
وعلى هذا النحو، شُكِّلت لجان جبانات للمواطنين المصريين المسلمين في كافة المحافظات المصرية، وتتولّى تخصيص المدافن للعائلات أو الجمعيات بنظام حق الانتفاع. ويقع ضمن اختصاصها صيانة الجبانات، والعمل على احترام قواعد الشرع فيه.
وتُخصِّص المحافظات المصرية الجبانات للكنائس بنظام حق الانتفاع، على أنّ تكون نسبتها 20% من مساحة الجبانات العامة، وتقسم بنسبة 10% للأرثوذكس، و%5 للكاثوليك، و %5 للإنجيليين، وفق ما ذكر القمص سرجيوس وكيل بطريركية الأقباط الأرثوذكس للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ويُدفَن من تبقى من اليهود المصريين بمقابر اليهود بحي البساتين في القاهرة، وهي قطعة أرض لها عقد ملكية خاصة لا تتبع الدولة، وتعود تبعيتها طائفة اليهودية إلى عهد أحمد بن طولون، ومتروك للطائفة كل شؤونها من عناية وتنظيف وتجديد، حسب سكرتير رئيسة الطائفة اليهودية بمصر، سامي إبراهيم.
المقابر المدنية
عقب قرار رفض محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتخصيص المحافظة أراض تُستَخدم كمقابر غير أتباع الأديان الثلاثة، ندّدت أصوات تطالب بتوفير "مقابر مدنية" بالقرار، معتبرةً أنّ في ذلك تجاهُل لمصالح وحقوق الأقليات من غير أتباع الديانات الثلاثة المُعترف بها في مصر.
وحسب بيان لـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" نُشِرَ الثلاثاء، أوصت هيئة قضايا الدولة المحكمة برفض الدعوى، قائلةً إنّ الأديان المُعترف بها في مصر، والتي يكفل الدستور حرية ممارسة شعائرها واتّخاذ دور عبادة لها، هي الإسلام والمسيحية واليهودية فقط.
ورُغم ما ينص عليه قانون تنظيم الجبانات رقم 5 لسنة 1966، من أنّ "تخصيص المقابر في عموم المدن والقرى المصرية يكون بقرار من المحافظ"، غير أنّه عندما تقدّم محامي المبادرة، موكّلاً عن المُدّعين، العام الماضي بشكوى في الخصوص ذاته إلى مجلس الوزراء، ردت عليه محافظة الإسكندرية بعدم اختصاصها.
ولفت البيان المذكور إلى أنّ محافظ الإسكندرية استشار مشيخة الأزهر بخصوص الدعوى المُقدّمة، والّذي خُلص إلى أنّه "لا يجوز تخصيص قطعة أرض لدفن الموتى ممن يحملون علامة (-) أو غيرها، لما يؤدّي إليه من التمييز والمزيد من التفرقة والانقسام وتمزّق نسيج المجتمع الواحد".
"تجاهُل الموتى"
في دراسة عنونتها المبادرة ذاتها بـ"تجاهُل الموتى.. أين ذهبت مقابر أحرار العقيدة والمؤمنين بديانات غير مُعترف بها؟"، ونشرتها مطلع الشهر الجاري، فإنّ الدولة المصرية مُلزَمة حسب القانون المصري منذ عام 1850، بتوفير قطعة أرض لدفن موتى المنتمين لغير الأديان الثلاثة من المقيمين في مصر.
وحسب الدراسة، فإنّه "في الفترة من عام 1850 وحتّى 1954، استجابت السلطات المصرية لمطالبات الفئات المنتمية لأديان وعقائد وطوائف غير الإسلام والمسيحية واليهودية، أو لا تنتمي لأي دين على الإطلاق"، وخصّصت لهم جبانات حملت مُسمّيات مثل "الجبانات المدنية، جبانات أحرار العقيدة، جبانات أحرار الفكر".
ونقلت المبادرة شهادات من أشخاص معنيين، أكّدوا أنّه من أوائل الستينات من القرن الماضي، بدأ التراجع وتخصيص هذه الجبانات لفئات دينية مُعترف بها من قِبل الدولة، أو استُخدِمَت لأغراض أخرى. فيما لم يتبقَ سوى مدفن وحيد للبهائيين، ويُقدَّر عدد أتباعهم بالآلاف، في حي البساتين بالعاصمة المصرية.
ويتسبّب ذلك الوضع في أزمة متفاقمة، إذ تُعاني تلك "الفئة الرابعة" من تجاهل من الدولة، ويجدون مشقة كبيرة في دفن موتاهم أو يضطرون لدفنهم ضمن جبانات فئات دينية أخرى على غير حقيقة اعتقاد المتوفّى، وبما يحرم ذويه وأقرانه من اتّباع تعاليمه الدينية فيما يخص طقوس الموت والدفن والجنائز والعزاء.