تضع هذه الهجمات ملايين اليمنيين أمام خطر أزمة جديدة تمس احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والطاقة والدواء، في ظل اعتمادٍ شبه كلِّي على الواردات والمساعدات الخارجية. ويُعد ميناء الحديدة، المطل على البحر الأحمر، شريان الحياة الأهم لنحو 70% من السكان القاطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
وتشير التقديرات إلى أن الميناء يستقبل نحو 75% من إجمالي واردات اليمن من المواد الغذائية والوقود، وهو ما يضاعف من فداحة التداعيات المحتملة في حال تعطّل عمله.
ووفق بيانات برنامج الأغذية العالمي، تبلغ الطاقة الاستيعابية الشهرية لخزانات الوقود في الميناء نحو 93 مليون طن متري، في حين يبلغ إجمالي الاستهلاك السنوي للبلاد نحو 2.7 مليار طن متري، ما يعكس الأهمية المحورية للميناء في تأمين الاحتياجات الحيوية لليمنيين.
ارتفاع الأسعار
يشير الخبير السياسي حسن مغلس، في حديث لوكالة "الأناضول"، إلى أن أزمة انعدام الأمن الغذائي تضرب مختلف مناطق اليمن دون استثناء، في ظل اعتماد شبه كلي على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية، إذ يُستورد نحو 90% من الاحتياجات الغذائية من الخارج.
ويُبيّن مغلس أن آليات توفير الغذاء والطاقة في اليمن تقتصر على أربع وسائل رئيسية: المساعدات الدولية التي تقدمها المنظمات الأممية، والشراء من الأسواق المحلية رغم ارتفاع الأسعار، وتحويلات المغتربين التي تمثل مصدر دخل أساسياً لعديد من الأسر، والوقود الذي يُباع عبر السوق السوداء أو يُهرّب من مناطق أخرى.
ويحذر مغلس من أن استهداف ميناء الحديدة يفاقم تعقيدات الوضع الإنساني، لا سيما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، الذين يعتمدون على الميناء مصدراً أساسياً لتأمين الغذاء والوقود.
ورغم محاولات تعويض النقص من خلال إدخال بعض السلع الأساسية عبر المواني الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية ومن ثم نقلها براً، فإن التكلفة اللوجيستية العالية والتعقيدات السياسية تَحول دون جدوى هذا الحل.
ويؤكد مغلس أن المخزون الاستراتيجي من الغذاء والوقود، سواء لدى الحكومة أو الحوثيين أو حتى المنظمات الإنسانية، لا يكفي إلا لفترة محدودة لا تتجاوز بضعة أسابيع. كما أن برنامج الأغذية العالمي يعتمد على مخزون طارئ محدود لا يمكنه سد الفجوة في حال تفاقم الأزمة.
ويُنبّه إلى أن أي تعطيل لميناء الحديدة أو مطار صنعاء ستكون له تداعيات فورية على أسعار السلع الأساسية، إذ سترتفع تكلفة الغذاء والدواء والوقود، وتتضاعف تكاليف النقل، وتتوقف المساعدات الإنسانية.
ويرى أن هذا الوضع من شأنه أن يعمّق مستويات الفقر والجوع، ويهدد حياة ملايين اليمنيين، خصوصاً في ظل القيود التي تفرضها جماعة الحوثي على حركة التجار والبضائع القادمة من مواني الحكومة.
بدائل مكلفة
قال محمد صالح الكسادي، رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت، إن استهداف ميناء الحديدة ألحق خللاً كبيراً في تدفق المواد الغذائية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأشار الكسادي إلى أن معظم السكان باتوا يعتمدون على الطاقة الشمسية مصدراً رئيسياً للكهرباء، في ظل غياب شبه تام لمصادر الطاقة التقليدية منذ اندلاع الحرب.
ويعكس هذا الاعتماد المتزايد، حسب الكسادي، حجم الانهيار الذي أصاب البنية التحتية لقطاع الطاقة، ويُبرز هشاشة الظروف المعيشية اليومية للمواطن اليمني.
وأوضح أن أكثر من 70% من السكان يتركزون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ومع تدمير بنية ميناء الحديدة، باتت البضائع تدخل عبر طرق بدائية ومكلفة، ما ينعكس مباشرةً على أسعار السلع النهائية، التي تعتمد في الغالب على الاستيراد.
وأضاف أن خزان الوقود الرئيسي في الميناء تعرَّض للقصف منذ مطلع العام الجاري، ولم يعد هناك أي مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات السوق، ما اضطر الجهات المحلية إلى الاعتماد على محطات خاصة تمتلك خزانات صغيرة لا تكفي إلا لفترات قصيرة.
وحسب الكسادي، فقد تسبب أحدث قصف إسرائيلي استهدف ميناء الحديدة في 21 يوليو/تموز الجاري، في ارتفاع سعر لتر الوقود إلى نحو دولار واحد، مقارنةً بنحو 50 سنتاً في المناطق التابعة للحكومة، وسط غياب أي بدائل حقيقية.
وأشار إلى أن إسرائيل نفّذت ما لا يقل عن 12 هجوماً جوياً على اليمن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما تواصل جماعة الحوثي استهداف إسرائيل، مؤكدةً أن عملياتها ستتواصل إلى حين وقف ما تصفها بـ"حرب الإبادة" على الفلسطينيين في غزة.
وحذر الكسادي من أن الإغلاق الكامل لميناء الحديدة ومطار صنعاء، وتعطيل حركة الطيران والمساعدات سيؤدي إلى موجة إضافية من ارتفاع الأسعار، ويدفع بمزيد من اليمنيين نحو خط الفقر، لا سيما في ظل الركود الاقتصادي وانكماش سوق العمل الناجم عن تدمير البنى التحتية.
في هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني في اليمن، حيث أطلقت المنظمة الأممية وشركاؤها في يناير/كانون الثاني 2025 خطة استجابة إنسانية جديدة، أفادت خلالها بأن نحو 19.5 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات، بزيادة 1.3 مليون عن العام السابق.
وفي تصريحاتها آنذاك، أعربت جويس مسويا، نائبة منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، عن قلقها إزاء أوضاع الفئات الأكثر ضعفاً، لا سيما النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم نحو 4.8 مليون شخص، مشيرةً إلى أن أكثر من 17 مليون يمني غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.