يعتبر بنك زراعات (Ziraat Bankası) واحداً من 3 بنوك حكومية عامة تعمل في تركيا، وهو استمرار لـ"صناديق الوطن" التي أنشأها مدحت باشا عام 1863 خلال حقبة الدولة العثمانية، والتي أخذت أسمها بالأساس من الصناديق الخشبية التي كان يستخدمها الفلاحون لحفظ أموالهم ودفاتر حساباتهم.
ومنذ تأسيسه في 15 أغسطس/آب 1888، خلال فترة حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، يواصل بنك زراعات تشكيل القطاع المصرفي التركي اليوم كما فعل في الماضي خلال حقبة الدولة العثمانية وما تلاها من حروب الاستقلال والتحرر والتي انتهت بتأسيس الجمهورية التركية الحديثة ودخولها أفضل وأغزر فتراتها الزراعية بمساعد البنك الذي ما زال مستمر بالنهوض في القطاع الزراعي التركي.
واعتباراً من الشهر الجاري فبراير/شباط 2022، هناك 51 بنكاً برأسمال تركي أو أجنبي يعمل فوق الأراضي التركية، 35 منها بنوك ودائع (بينها 3 بنوك حكومية و6 بنوك تشاركية تعمل وفقاً للنظام المصرفي الإسلامي)، بالإضافة إلى 16 أخرى تعمل كبنوك تنموية واستثمارية، بالإضافة إلى 6 بنوك تشاركية تعمل وفقاً للنظام المصرفي الإسلامي.
اقرأ أيضاً: المصارف الإسلامية بتركيا.. قصة صعود ملياري كبير لقطاع يسعى للريادة
أصل الحكاية
في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بدأت البنوك الأجنبية بالعمل داخل أراضي الإمبراطورية العثمانية، التي تتبنى النماذج الغربية في التجارة والتمويل. في ذلك الوقت، لم يكن هناك تراكم رأس مال كافٍ لإنشاء نظام مصرفي وطني في البلاد، الأمر الذي زاد من معاناة المزارعون الأتراك، الذين كانوا يشكلون غالبية السكان العاملين، والذين كانوا في حاجة دائمة إلى قروض من أجل زراعة أراضيهم.
وفي الوقت نفسه، كان المقرضون من التجار والحرفيين المختلفين، مثل التجار والمصدرين والسماسرة وبائعي البقالة القرويين الذين يبيعون المعدات الزراعية، فيما وصل معدل الفائدة السنوي إلى 900%، وهو ما دفع المزارعين الذين واجهوا صعوبة كبيرة في سداد ديونهم في بعض الأحيان إلى بيع منتجاتهم إلى المقرضين قبل الحصاد.
وبينما كان مدحت باشا، والي مدينة نيش الواقعة في صربيا الآن، يراقب الظروف الصعبة للمزارعين من كثب، خلص من خلال بحثه إلى أن التنظيم في هذا المجال ضروري وأن مساعدة الدولة ضرورية لإنقاذ المزارعين من المرابين. وهكذا، وبفضل الموارد التي أنشأها الفلاحون أطلق في عام 1863 المنظمة المسماة "صناديق الوطن"، والتي أنشأتها الدولة بقيادة مدحت باشا كأول مثال على الخدمات المصرفية الوطنية وشكلت هذه المبادرة أساس "بنك زراعات" المستمر إلى يومنا الحالي.
بنك تركي بجذور عثمانية
في أعقاب نجاح "صناديق الوطن"، ولاحقاً "صناديق الفوائد" التي أسست هي الأخرى عام 1883، في تقديم خدماتها لكل المواطنين، تأسس بنك زراعات رسمياً في 15 أغسطس/آب 1888 (فترة حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الممتدة بين عامي 1876 و1909) كمؤسسة مالية حديثة لتحل مكان نظام الصناديق الذي تحولت فروعه إلى أفرع خاصة ببنك زراعات، والذي ما زال يتولى قيادة الائتمان الزراعي التركي الممتدة جذوره إلى الحقبة العثمانية.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى التي شهدت احتلال معظم أراضي الدولة العثمانية من قوات الحلفاء، نقل اليونانيون الذين احتلوا منتصف عام 1919 مدينة إزمير الواقعة غرب الأناضول، المركز الرئيسي للبنك الزراعي الى إزمير، لكن ذلك لم يدم طويلاً، إّذ ألحق مصطفى كمال أتاتورك الذين أسس في عام 1920 المجلس القومي الاعلى التركي (البرلمان التركي) كل فروع المصرف الزراعي بالفرع الرئيسي الموجود في العاصمة أنقرة، وفي عام 1922 ألحق أيضاً فرعي إسطنبول وإزمير بالمركز الرئيسي في أنقرة.
وبعد إعلان تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، ازداد عدد فروع بنك زراعات، التي كانت مسؤولة عن مساعدة العاملين في الزراعة، من 110 إلى 300 فرع. وفي هذه الفترة جرى تقديم رأس مال يقارب 2 مليون ليرة تركية للبنك، وبدأ البنك بمنح قروض واسعة خاصة لمناطق الوطن التي تم تحريرها من العدو.
بنك زراعات.. أرقام وحقائق
يعتبر بنك زراعات أكبر بنك في تركيا من حيث عدد الأفرع، فيمتلك حالياً نحو 1727 فرعاً في عموم الولايات التركية وحوالي 25 فرعاً حول العالم، مثل فرع نيويورك وجدة وبلغاريا وجورجيا وبغداد وجمهورية شمال قبرص التركية.
ويستمر البنك الأقدم في تركيا في التطور والنمو من خلال توفير فرص عمل لما يقرب من 26 ألف شخص، وكذلك تقديم خدمة الفروع الالكترونية على الشبكة العنكبوتية ومركز اتصالات فضلاً عن الخدمات المصرفية من خلال الهواتف الذكية. فيما وصلت مدخولات البنك في عام 2020 إلى قرابة 75.5 مليار ليرة تركية.
وفي عام 2015، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حفل افتتاح أول فروع بنك زراعات "التشاركي" الإسلامي (Ziraat Katılım Bankası) بمدينة إسطنبول، والذي يمتلك اليوم نحو 97 فرعاً داخل تركيا.
