وكشف ماكرون عن القرار عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، مرفقاً رسالة بعث بها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أكد فيها أن باريس ستمضي قدماً في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وستسعى لإقناع شركائها الدوليين باتخاذ خطوات مماثلة.
وقال: "وفاءً لالتزامها التاريخي نحو السلام، قررت فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين، وسأعلن ذلك رسمياً في الأمم المتحدة الشهر المقبل".
وبهذا، ستكون فرنسا أول دولة غربية كبرى تتخذ هذه الخطوة، في تطور من شأنه أن يعزز حملة الاعتراف التي تقودها حتى الآن دول أصغر وأكثر انتقاداً لإسرائيل. وتكتسب الخطوة رمزية كبيرة بالنظر إلى أن فرنسا تحتضن أكبر جالية يهودية وأكبر جالية مسلمة في أوروبا، لكن الإعلان الفرنسي أثار موجة غضب فورية في إسرائيل والولايات المتحدة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر أن دولة فلسطينية في الظرف الراهن "ستكون منصة لإبادة إسرائيل، لا للعيش بسلام إلى جانبها"، مضيفاً: "الفلسطينيون لا يريدون دولة إلى جانب إسرائيل، بل بدلاً منها".
من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن واشنطن "ترفض بشدة" الخطوة الفرنسية. وكتب على منصة "إكس": "هذا القرار المتهور لا يخدم إلا دعاية حماس، ويُعدّ صفعة على وجه ضحايا 7 أكتوبر، ويعوق فرص السلام بدلاً من تعزيزها".
وفي تطور لافت، انضمت كندا إلى الأصوات الغربية التي تضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب في غزة، إذ ندد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بـ"تقاعس" إسرائيل عن منع الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، مؤكداً دعم بلاده لـحل الدولتين بوصفه خياراً وحيداً لتحقيق السلام.
واتّهم كارني إسرائيل بانتهاك القانون الدولي من خلال منع دخول المساعدات الكندية إلى المدنيين في غزة، داعياً جميع الأطراف إلى التفاوض على وقف فوري لإطلاق النار، ومكرراً مطالبته لحماس بالإفراج عن المحتجزين، ولإسرائيل بـ"احترام سلامة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة".
في المقابل، عبّرت الولايات المتحدة عن رفض قاطع لأي خطوات أحادية للاعتراف بدولة فلسطينية، وفق برقية دبلوماسية صدرت في يونيو/حزيران، وحذرت من أن مثل هذه الخطوات قد "تضر بالمصالح الأمريكية وتؤدي إلى عواقب دبلوماسية".
وأكد سفير واشنطن لدى إسرائيل مايك هاكابي أن قيام دولة فلسطينية لم يعد هدفاً للسياسة الخارجية الأمريكية، في حين ذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أبعد من ذلك، مشككاً في جدوى حل الدولتين، واقترح في فبراير/شباط فرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة، وهو مقترح أثار إدانات واسعة من منظمات حقوقية، ودول عربية، والفلسطينيين، والأمم المتحدة، وصفته بأنه "يكرّس مشروع تطهير عرقي".
وفي هذه الأجواء المشحونة، يتمسّك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخيار الاعتراف بدولة فلسطين، رغم الضغوط الأمريكية لمنعه من المضي في هذا المسار.
وكان ماكرون قد بدأ دراسة هذه الخطوة بالتوازي مع التحضيرات لمؤتمر أممي مشترك مع السعودية في يونيو/حزيران، يهدف إلى وضع معايير لخارطة طريق تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل.
لكن المؤتمر جرى تأجيله بسبب الضغوط الأمريكية، ثم بفعل الحرب الجوية التي اندلعت بين إسرائيل وإيران واستمرت 12 يوماً، وأدت إلى إغلاق المجال الجوي لعدة دول في المنطقة، ما حال دون مشاركة وفود عربية.
وقد تقرّر عقد المؤتمر في موعد جديد يومي 28 و29 يوليو/تموز، ولكن بمستوى تمثيل منخفض يقتصر على وزراء الخارجية، على أن يُستكمل الحدث بلقاء ثانٍ رفيع المستوى بمشاركة رؤساء الدول والحكومات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل.
زخم تفاوضي
يأتي إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية قبل انعقاد مؤتمر دولي في نيويورك الأسبوع المقبل، في محاولة لمنح الفريق الدبلوماسي الفرنسي زخماً تفاوضياً للعمل مع الدول التي تدرس اتخاذ خطوات مماثلة أو لا تزال مترددة.
وحسب دبلوماسيين، يواجه ماكرون معارضة من بعض الحلفاء الغربيين، مثل بريطانيا وكندا، الذين لم يُبدوا حماسة لمبادرته.
ومن المقرر أن يتوجه نحو 40 وزير خارجية إلى نيويورك لحضور المؤتمر الذي سيُعقد يومي 28 و29 يوليو/تموز.
في المقابل، كثّفت إسرائيل مساعيها لإفشال الخطوة الفرنسية، ووصفتها جهات إسرائيلية بأنها تمثل "قنبلة نووية دبلوماسية" تهدد العلاقات الثنائية.
ووفقاً لمصادر مطّلعة، تراوحت تحذيرات تل أبيب لباريس بين تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعقيد مشاريع فرنسية إقليمية، وحتى التلويح بضم أجزاء من الضفة الغربية.
في المقابل، رحّب حسين الشيخ، نائب رئيس الوزراء الفلسطيني، بإعلان ماكرون، وكتب على منصة "إكس" أن الخطوة "تعبّر عن التزام فرنسا القانون الدولي، ودعمها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة".