في السنوات الأخيرة باتت المركبات الجوية من دون طيار تعد بلا شك واحدة من أهم المعالم في مغامرة صناعة الدفاع المحلية والوطنية في تركيا. وخلالها لم تلحق تركيا بركب صناعة الطائرات المُسيّرة وحسب، بل تمكنت في فترة وجيزة (أقل من 15 سنة) من قيادة سباق تقنية المُسيّرات العسكرية عالمياً، وأضحت واحدة من أهم الدول في تصميم الطائرات المُسيّرة بأنواعها وإنتاجها واستخدامها.

فبعد نجاحها الباهر في إدارة المعارك التي خاضتها ضد التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج مروراً بالعمليات العسكرية في سوريا وتأثيرها على سير المعارك في الميدان الليبي، وصولاً إلى دورها الفعال للغاية في حرب إقليم قاره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، استطاعت المسيّرات التركية أن تحصد اهتمام دول العالم.

وعلى إثر ذلك تحولت المسيّرات التركية لتصبح أيقونة الصناعات الدفاعية التركية الآخذة في التقدم، فضلاً عن سطوع نجمها في سماء الصادرات. ولم يقتصر الحديث عن نجاحات المسيّرات التركية وطلبات الشراء المتزايدة فحسب، بل توسع ليصل إلى شعوب الدول الكبرى التي بدأت تطالب حكوماتها إما بشراءٍ وإما بتطوير لمسيّرات مشابهة لمسيّرات "بيرقدار" الشهيرة.

سجل نجاحات حافل

خلال السنوات الأخيرة نجحت شركة "بايكار" التركية في ترجمة النجاح والتفوق العسكري الذي حققته مُسيّراتها المسلحة من طراز "بيرقدار تي بي 2" إلى نجاح تسويقي كبير، فتزايد الطلب عليها لأسعارها المعقولة وإمكانياتها المتطورة مقارنة بنظيراتها الأخرى. فضلاً عن الأداء العسكري الكبير الذي قدّمته هذه المُسيّرات في المعارك في سوريا وليبيا وأذربيجان.

كل هذه النجاحات جعلت من مسيّرة "بيرقدار تي بي 2" أيقونة الصناعات الدفاعية التركية لسنة 2021، ومحط اهتمام واسع لجيوش العالم التي تسابقت لحيازة ذلك السلاح. فإلى جانب إثبات نفسها في معارك حقيقية فوق أكثر من ساحة صراع دولية وإقليمية، سعرها وقدراتها المتطورة جعلها أكثر جاذبية داخل سوق السلاح العالمي. إضاف إلى كل ذلك عدم فرض تركيا شروطاً على صادراتها من الأسلحة واحترامها سيادة الدول المستوردة.

وفي أواخر فبراير/شباط الماضي قال المهندس التركي سلجوق بيرقدار المدير التقني لشركة "بيكار" للصناعات الدفاعية إن تركيا لديها طائرات مُسيَّرة هي "الأفضل في دقتها"، وأشار إلى أنه ليست لدى أوروبا منصات تضاهي منصات تركيا التي تصدر وتبيع الطائرات المُسيَّرة في الدول الأوروبية.

بيرقدار تقود المسيرة

من أهم مواصفات الطائرات المسيّرة التركية صعوبة كشفها بالرادارات، ما ساعدها على تحقيق نجاح كبير ضد الدبابات والمنظومات الدفاعية في الأماكن التي استُخدمت فيها، مثل سوريا وليبيا وأذربيجان.

وفي لقاء صحفي حديث قال بيرقدار إن "بيرقدار تي بي 2 هي أشهر طائرة مسيرة في العالم، وتعمل مع 16 دولة، ويبلغ مداها مئات الكيلومترات، وتستطيع البقاء في الهواء 27 ساعة، ويمكنها حمل حمولة تصل إلى 130 كيلوغراماً، ومزودة بتجهيزات عسكرية ذكية وحساسة جداً".

ووفقاً للباحث في الصناعة الدفاعية قادير دوغان الذي تحدث لموقع (TRT Haber) وقعت شركة "بايكار" التركية عقود تصدير لمسيّراتها من طراز "بيرقدار تي بي 2" مع 26 دولة (منهم دول أعضاء في حلف الناتو)، ومنهم 13 دولة تستخدم المسيّرات بنشاط الآن.

ويضيف دوغان: "على الرغم من أن المنتجات المصدرة هي 2-3 أضعاف السعر في السوق المحلية، فإن سعرها أفضل بكثير وأدائها أيضاً أعلى من منافسيها".

ما الذي يجعلها الأفضل في العالم؟

إذا قارنَّا بين أسعار المسيّرات التي تنتجها الدول الـ4 الكبرى المهيمنة على سوق تصميم المسّرات المسلحة وتصنيعها فستأتي مسيّرات بيرقدار في مرتبة متوسطة من حيث السعر، فهي أغلى سعراً من المسيّرات الصينية وأقل سعراً من المسيّرات الإسرائيلية والأمريكية.

وحسب الخبراء، السعر وحده ليس معياراً حاسماً، فبعكس المسيّرات المنافسة الأخرى أتيحت الفرصة للمسيّرات التركية أن تثبت كفاءتها وقدراتها المتطورة فوق أكثر من ساحة صراع، فضلاً عن مواجهتها بنجاحٍ أسلحة دفاعية متقدمة.

وبحسب دوغان فإن الحرب الأوكرانية كانت الاختبار الأصعب لمسيّرة "بيرقدار تي بي2" التي أثبتت مرة أخرى قدرتها العالية على إحداث الفارق في حرب شاملة ضد أنظمة متطورة. وأشار دوغان إلى أنه "على الرغم من مظلة الدفاع الجوي التي فرضتها روسيا فوق أوكرانيا، تمكنت مسيّرات "بيرقدار" من تدمير عشرات أنظمة الدفاع الجوي الروسية وقوافل الإمداد والمدفعية، وحتى طائرات الهليكوبتر الهجومية والسفن الحربية في أوكرانيا" حسب رأي الباحث في الصناعات الدفاعية.

وأضاف قائلاً: "عندما نجمع كل هذه العناصر معاً، لن يكون من الخطأ أن نعتقد أنه سيكون طلب مرتفع للغاية على مسيّرات "بيرقدار تي بي 2" في المستقبل في جميع أنحاء العالم، وبالأخص في أوروبا الشرقية، فضلاً عن وجود إمكانات تصدير ضخمة تجعل من المسيّرات التركية أكثر المركبات الجوية غير المأهولة استخداماً في العالم".