بيت إكسا.. القرية المقدسية التي حوّلها الاحتلال إلى سجن مفتوح
الحرب على غزة
6 دقيقة قراءة
بيت إكسا.. القرية المقدسية التي حوّلها الاحتلال إلى سجن مفتوحبيت إكسا قرية مقدسية محاصَرة، حوّلها الاحتلال إلى سجن مفتوح يُقيّد حركة سكانها ويمنع الزوار، في سياسة تهجير صامتة وعقاب جماعي مستمر.
تُعدّ قرية بيت إكسا الحصن الأخير الصامد الذي لم يُهجَّر أهله من بين قرى غربي القدس / TRT Arabi
14 يوليو 2025

ليس الأسرى وحدهم من زجّهم الاحتلال في سجن يقيّد حريتهم ويحاصرهم بجدار وبوابة يحرسها سجّان، ليسوا وحدهم من قُطِعوا عن العالم الخارجي بأفراحه وأتراحه، وليسوا وحدهم من يُجبر زوارهم على استصدار تصريح خاصة لزيارتهم.

 فالكثير من أحياء وبلدات القدس والضفة الغربية تعاني واقعاً مشابهاً، جعلها سجوناً صغيرة، لا يميّزها عن المعتقلات سوى قدرة سكانها على رؤية السماء دون شِباك مقطّعة تشوّه المشهد فيردد أهلها بسخرية: "عايشين جوا سجن كبير بس السقف مفتوح".

 نتحدث هنا عن قرية بيت إكسا المقدسية، واحدة من أشهر القرى الفلسطينية الأسيرة، والتي تضاعفت معاناتها في ظل الحرب.

في قرية بيت إكسا، الواقعة على تلة مرتفعة تحيط بها الأشجار شمال غربي القدس، يعيش السكان بين واقعين متوازيين. بعضهم يحمل بطاقة الهوية الإسرائيلية الزرقاء، التي تمنحهم صفة "الإقامة الدائمة" فقط، دون الاعتراف الكامل بحقوقهم كمواطنين، في مفارقة تجعل الفلسطيني مقيماً على أرضه بإذن من المحتل.
أما الآخرون، فيحملون بطاقة الهوية الفلسطينية، شأنهم شأن بقية سكان الضفة الغربية.

 وعاش أهالي بيت إكسا لعقود حياتهم بشكل طبيعي، إلى أن أقام الاحتلال حاجزاً دائماً على مدخل القرية، وفرض قيوداً مشددة على الحركة والدخول والخروج، في إطار سياسات تهدف إلى تقويض مقومات الحياة ودفع السكان نحو الرحيل القسري عن أراضيهم.

قرية مقدسية داخل سجن كبير

تُعدّ قرية بيت إكسا الحصن الأخير الصامد الذي لم يُهجَّر أهله من بين قرى غربي القدس. واليوم، تبدو كجزيرة محاصَرة، بعدما فصلها جدار الفصل العنصري عن الضفة الغربية بشكل كامل، ولم يبقَ لأهلها سوى منفذ وحيد يخضع لحاجز عسكري مشدّد.

 يُسمح بالمرور عبره فقط لسكان القرية المسجّلين، فيما يُمنع الزوار والصحافيون وحتى المرضى من الدخول إلا بعد الحصول على تصاريح خاصة أو تنسيق مع المجلس القروي والارتباط العسكري.

يقول بلال غيث، رئيس لجنة القدس في نقابة الصحافيين في حديث له مع TRT عربي: "كانت بيت إكسا تمتد على مساحة 9000 دونم، لكن الاحتلال صادر معظم أراضيها، ولم يتبقَّ منها سوى 1000 دونم فقط، منها 500 دونم زراعية يُمنع البناء فيها". 

ويضيف "الاحتلال استولى على نحو 8000 دونم. أما المستوطنات فليست جديدة، إذ أقام الاحتلال أول مستوطنة على أراضي القرية منذ السبعينيات، وهي مستوطنة راموت، التي تضم اليوم ستة أحياء."

بدأت الإجراءات المشددة على البلدة عام 2006، عندما أقام الاحتلال حاجزاً دائماً على مدخل القرية، ثم أحاطها بالجدار، لتُفصل بالكامل عن محيطها وتتحوّل إلى سجن حقيقي لا يُفتح إلا بشروط. 

هذا الحاجز تطور من دورية عسكرية إلى غرف ثابتة، يُخضع الداخلين للتفتيش الكامل، ويُلزم من هم خارج القرية بإجراءات معقدة للدخول، حتى لو لإنجاز عمل بسيط. أما التجار، فيضطرون إلى تنسيق مسبق لإدخال المواد التموينية والغاز، وكذلك العمال الذين يعملون داخلها.

ويؤكد غيث: "استغل الاحتلال الحرب لتكثيف التنكيل بالسكان. فبعد أن كان التفتيش يقتصر على الداخلين، أصبح يشمل الخارجين أيضاً. هذا التضييق دفع العديد من السكان إلى الانتقال نحو مناطق قريبة من رام الله، بخاصة أولئك الذين يعملون هناك، هرباً من المعاناة اليومية على الحاجز."

أما الأرقام، فهي صادمة، فبحسب غيث بلغ عدد سكان بيت إكسا نحو 5000 نسمة في عام 1948، أما اليوم فلم يتبقَّ منهم سوى 2100 فقط داخل القرية.

 فيما يتوزع قرابة 40000 من أبنائها في المهجر، بينهم نحو 30000 يقيمون في العاصمة الأردنية عمّان، بعد أن هجّرتهم نكسة 1967.

استغلال الحرب لتصعيد الانتقام الجماعي من بيت إكسا

استغلّت سلطات الاحتلال الحرب على غزة لتكثيف التنكيل بأهالي بيت إكسا، في إجراءات لا تهدف إلى تعزيز الأمن، بل تمثل عقاباً جماعياً، كما يشير رئيس بلدية بيت إكسا، مراد زايد، بقوله:

"منذ 7 أكتوبر، والمعاناة تضاعفت بشكل كبير. خلال الأشهر العشرة الأولى من الحرب، لم يُسمح لأي شخص بالدخول إلى القرية، لا تنسيق على الإطلاق. كان الحصار تاماً.. وبعد عشرة أشهر من المعاناة، تمكّنا من التوصل إلى اتفاق عبر الارتباط الفلسطيني، فجرى السماح بعودة العمال، لكن بأعداد وساعات محدودة فقط".

وفي ما يتعلق بالوضع الصحي، يقول زايد: "يوجد مركز صحي حكومي واحد في البلدة، والطبيب يحضر فقط يومين في الأسبوع منذ بداية الحرب. أما في الحالات الطارئة، فيتطلب الأمر تنسيقاً مسبقاً لدخول سيارات الإسعاف، التي تخضع أيضاً للتفتيش". 

ويضيف: "لتوفير الوقت، يضطر الأهالي إلى التفاهم مع سيارة الإسعاف للقاء عند نقطة قريبة من الحاجز، ثم ينقلون المريض بسياراتهم الخاصة أو بمساعدة الجيران إلى تلك النقطة، ما يؤدي أحياناً إلى تدهور الحالة الصحية للمريض".

ويشير زايد إلى جانب آخر من التضييق، يتعلق بتغيير العنوان الرسمي في الهوية، فيقول: "الاحتلال يرفض تعديل عنوان أي شخص جديد يسكن داخل بيت إكسا. الزوجات الجدد مثلاً تُسجَّل أسماؤهن على الحاجز فقط، دون تغيير عنوانهن الرسمي في الهوية، ويُعاملن كمقيمات من الدرجة الثانية. حتى المواليد الجدد، إذا كان أحد الوالدين من خارج البلدة، لا يُسجَّلون في بيت إكسا، بل في عنوان أحد الأبوين خارجها. والهدف من هذه السياسة هو تقليص عدد السكان تدريجياً ودفع الأهالي إلى مغادرة البلدة."

 ويختم زايد بالإشارة إلى تضييقات كانت موجودة حتى قبل الحرب، لكنها تصاعدت بعدها: "قبل الحرب، كان من الشكاوى الدائمة اشتراط حضور رئيس اللجنة إلى الحاجز عند كل زيارة جديدة للقرية. أما اليوم، فالمعاناة تضاعفت، إذ يُطلب من الزوجات غير المسجلات في بيت إكسا إحضار أزواجهن من البلدة عند كل دخول أو خروج منها!"

حصارٌ ممنهج.. وعقاب بلا ذريعة

أحد المتضررين هو مهند غيث، يعمل سائقاً عمومياً، ويصف حجم الضرر الذي لحق به قائلاً: "لأنني من بيت إكسا، سمح لي بنقل الطلاب من وإلى القرية عبر الحاجز. لكن بعد الحرب، خنقنا الاحتلال، ولم يعد يُسمح لي بإيصالهم كما في السابق. أضطر الآن لإنزالهم عند الحاجز، ليستقلّوا سيارات خاصة لإكمال الطريق."

وأضاف غيث: "في إحدى المرات كنت أنقل طالبتين، فأوقفني الجنود وطلبوا مني الانتظار جانباً. خفت عليهما، فسلّمتهم لشخص موثوق ليقلهم بسيارته استثماراً للوقت، فهاجمني الجنود فوراً. "ثم ختم كلامه قائلاً" " رغم كل ذلك نحن مرابطون في بيت إكسا حتى آخر نفس، مهما فعلوا".

أما السائق جمال غيث، فيقول: "تحوّل الحاجز إلى معبر رسمي كأننا ندخل إلى دولة أخرى لا إلى بلدتنا. التفتيش دقيق ولا يُستثنى منه أحد، خصوصاً الشبان. حتى رئيس البلدية حين يحاول التدخل يُفتَّش أمام الجميع".

ويوضح معاناته وتضرره المادي فيقول: "قبل الحرب، كنت أنقل الركّاب كل 10 دقائق، واليوم تحتاج الرحلة نفسها إلى ساعة كاملة بسبب التفتيش والانتظار. انخفض دخلي اليومي من 300 شيكل إلى 150 شيكلاً. الجنود يتعمّدون تركنا ننتظر من نصف ساعة إلى ساعة لفتح البوابة، ينظرون إلينا باستهزاء، ويفتحون فقط حين يشاؤون. الاعتراض ممنوع، وإن فعلتَ، تُهدَّد كما حصل معي شخصياً، حين جرى استدعائي عدة مرات إلى استخبارات مستوطنة عطروت، وهدّدوني بالإبعاد عن القرية لمدة 6 أشهر".

أما على الصعيد المعيشي، فيقول مازن حبابة، صاحب محل صغير في القرية: "حدد الاحتلال عدد التجار المسموح لهم بإدخال المواد التموينية، وسمح لشخص واحد فقط بإدخال الغاز لجميع السكان، ومنع أي مواطن عادي من شرائه بشكل مباشر. كما حددوا يومين فقط لدخول سيارة الغاز، وبحد أقصى 40 أسطوانة. إذا زادت واحدة، تُمنع السيارة من الدخول".

ويضيف: "هذه الإجراءات تسببت لنا بضغط نفسي لا يُحتمل. مجرد تأمين الخبز لأطفالنا يستغرق أحياناً ساعة كاملة، وقد يُغلق الحاجز فجأة دون سبب ويُعاد الناس أدراجهم".

ما يجري في بيت إكسا ليس مجرد تشديد أمني، بل سياسة ممنهجة لعزل قرية بأكملها، وخنق الحياة اليومية فيها، والتضييق على سكانها لدفعهم نحو الهجرة. هي قرية تُحاصر بالجدران، وتُستهدف بالقيود، ورغم تهجير الآلاف من سكانها، تبقى قلة قليلة تُظهر صموداً أسطورياً في البقاء رغم كل المعاناة.

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
"تلتزم تحقيق السلام مع لبنان".. المبعوث الأمريكي يدافع عن إسرائيل رغم اعتداءاتها المتواصلة
البرغوثي: نواجه مخططات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.. وأمريكا تواصل انحيازها الكامل لإسرائيل
مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض احتجاجاً على زيارة نتنياهو
جيش الاحتلال يعلن اعتقال خلية يزعم أنها تتبع فيلق القدس الإيراني جنوبي سوريا
ترمب يتوعد الدول المتحالفة مع بريكس برسوم جمركية إضافية بنسبة 10%
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 82 قتيلاً وسط استمرار البحث عن مفقودين
ترمب: أمامنا فرصة جيّدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة هذا الأسبوع
قادة "بريكس" يدعون إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ويُدينون الهجمات على إيران
القسام تستهدف تجمعات لجيش الاحتلال بخان يونس وتقصف مستوطنتين محاذيتين لغزة
بلا نتيجة حاسمة.. انتهاء الجلسة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل
جيش الاحتلال يستهدف مواني ومحطة كهرباء في اليمن والحوثيون يعلنون التصدي للهجوم
الضفة.. شهيدان في نابلس وإخطارات بالهدم في الخليل و296 انتهاكاً إسرائيلياً في سلفيت
الدوحة.. جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لأجل وقف إطلاق النار في غزة
"بملايين الدولارات".. تقرير بريطاني: شركة أمريكية تخطط لتهجير فلسطينيي غزة عبر المساعدات الإنسانية
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب باتفاق شامل تزامناً مع مفاوضات الدوحة
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us