وحسب وكالة المشتريات الدفاعية الأوكرانية، أبرمت وزارة الدفاع في النصف الثاني من عام 2024، ستة عقود بقيمة 2.5 مليون دولار لشراء روبوتات أرضية. لكنَّ هذا الرقم شهد قفزة نوعية في الربع الأول من 2025، حيث بلغ عدد العقود 31 عقداً، بإجمالي قدره 150 مليون دولار.
وأوضح ماكسيم فاسيليكو، مدير شركة Tencore الأوكرانية المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع، أن شركته سلمت مئات الوحدات خلال العام الماضي، لكنها تسعى هذا العام إلى تسليم الآلاف، ما يعكس التسارع الكبير في وتيرة التصنيع.
وأكد كانيفسكي أن غالبية هذه الروبوتات ستُنتَج محلياً، بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة النماذج المستوردة. كما طُلب من الشركات المطورة تحسين التصميمات بشكل مستمر لمواكبة التحولات السريعة في بيئة المعركة.
من جانبها، ذكرت مجلة الإيكونوميست أن المركبات الأرضية غير المأهولة بدأت تظهر بالفعل على الجبهات، وكان اللواء الثالث الهجومي من أولى الوحدات التي اعتمدت عليها ميدانياً.
وأشارت إلى وجود نحو 40 شركة أوكرانية خاصة تطور نحو 200 نموذج من هذه المركبات، موزّعة على ثلاث فئات رئيسية: فئة لوجيستية تشمل نقل الوقود والمياه والإخلاء، وفئة هندسية تتعلق بزرع الألغام والاتصالات، وفئة قتالية تضم وحدات مزودة بقاذفات وأبراج آلية.
وتلفت الإيكونوميست إلى أن أهمية هذه الأنظمة تزداد مع توسّع ما تُعرف بـ"المنطقة الرمادية” وهي حزام بعرض 10 كيلومترات يخضع بشكل دائم لرصد واستهداف المسيّرات.
في مثل هذه البيئات المعادية، تتيح الروبوتات تنفيذ المهام الخطرة من دون تعريض حياة الجنود للخطر، خصوصاً في العمليات تحت الأرض أو عبر التحكم عن بُعد.
الروبوت بدلاً من البشر
وأشارت صحيفة Kyiv Independent إلى أن التفاوت العددي الكبير بين الجنود الأوكرانيين ونظرائهم الروس دفع كييف إلى تعميق اعتمادها على الابتكار التكنولوجي لسد هذه الفجوة.
في ظل هذا الواقع، بدأت أوكرانيا بتوسيع نطاق استخدام الأنظمة غير المأهولة، سواء الجوية أو البرية، لتعزيز فاعلية المشاة وتقليل الخسائر البشرية وتحسين كفاءة الهجوم والدفاع.
ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين قوله إن أوكرانيا نجحت في "تحويل تفوقها الصناعي المحدود إلى فرنٍ نشط للابتكار"، في إشارةٍ إلى قدرتها على تطوير أساليب جديدة للقتال تحت ضغط الحرب الممتدة.
في هذا السياق، صرّح ألكسندر يابشينكا، مسؤول أنظمة الروبوتات في كتيبة "ذئاب دا فينشي"، لموقع Business Insider، بأن القيمة الحقيقية للروبوتات القتالية تكمن في قدرتها على تنفيذ المهام الخطرة التي تعجز عنها القوات البشرية، مهما بلغت شجاعتها، دون المجازفة بحياة الجنود.
وأضاف أن هذه الأنظمة تفتح الباب أمام عمليات دقيقة في بيئات قتالية معقّدة.
مع ذلك، أقر يابشينكا، في حديثه لـBusiness Insider، بأن استخدام هذه الروبوتات لا يزال محدوداً، ولم يصل بعد إلى نقطة التأثير الواسع على مسار المعارك في الخطوط الأمامية.
وأرجع ذلك إلى التحديات التقنية، لا سيما في مجال الاتصالات، حيث يمكن لتشويش إلكتروني روسي أو هجوم مباشر أن يعطل الروبوتات ويحوّلها إلى "كومة خردة باهظة الثمن"، على حد وصفه.
من جهته، أوضح كولدار فاآرسي، المدير التنفيذي لشركة Milrem Robotics، في مقابلة مع Business Insider، أن الروبوتات توفر دعماً عملياتياً حيوياً للقوات الأوكرانية، خصوصاً في المناطق التي تُعدّ خطرة للغاية على الجنود، فهي تُمكّن القوات من تنفيذ مهام هجومية أو نقل الإمدادات إلى مواقع يصعب الوصول إليها بشرياً.
ولفت إلى أن دخول شركات متخصصة في إنتاج الروبوتات إلى الساحة الأوكرانية غيّر الصورة النمطية عنها، إذ كانت تُعد سابقاً مشاريع تجريبية محاطة بالشكوك، أما الآن فقد بات يُنظر إليها بوصفها أدوات استراتيجية حقيقية قادرة على إحداث فارق في ميدان المعركة.
تحديات تقنية
رغم التقدّم السريع في استخدام الروبوتات العسكرية، ترى مجلة الإيكونوميست أن الحديث عن "حرب روبوتات خالصة" لا يزال سابقاً لأوانه. فحتى الآن، لا تستطيع المسيّرات الأرضية أداء المهام المعقدة التي ينفذها المشاة، ويظل ضعف الاتصالات أكبر العوائق، خصوصاً في التضاريس الوعرة أو المناطق المغطاة بالأشجار، حيث تفشل أحياناً تقنيات مثل "ستارلينك" أو الشبكات اللا مركزية في الحفاظ على الاتصال المستقر.
وتضيف الإيكونوميست أن التكنولوجيا لم تبلغ بعد مستوى النضج الذي يمكّن هذه الروبوتات من أداء مهام قتالية معقدة بشكل مستقل.
كما أن عدد المشغّلين المدرَّبين لا يزال محدوداً، ما يُصعّب توسيع استخدامها. ويقول أحد مهندسي شركة "بوريفيي" الأوكرانية إن أنظمة الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية تحتاج إلى عام آخر على الأقل قبل أن تصبح جاهزة للانتشار القتالي واسع النطاق.
كما نقلت المجلة عن مؤسس إحدى شركات التصنيع قوله: "إذا استطعنا تعويض 1% فقط من الحاجة البشرية على الجبهة، فذلك يُعدّ نجاحاً كبيراً... وأنا أعتقد أننا تجاوزنا هذا الرقم بكثير".
من جهتها، توضح كاترينا بوندار، الزميلة في مركز وادواني للذكاء الصناعي التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أن النقص المزمن في القوة البشرية في أوكرانيا خلق حاجة ملحة لاستبدال الأنظمة الآلية ببعض الأدوار البشرية.
لكن، كما تشير مجلة فوربس، فإن وجود هذه الروبوتات في خطوط التماس لا يزال محدوداً؛ إذ لا تُستخدم بشكل منتظم سوى 10 إلى 15 نوعاً من أصل 50 روبوتاً مُجازاً للاستخدام العسكري.
وتعزو فوربس ذلك إلى تحديات تشغيلية تتجاوز بكثير تلك التي تواجه الطائرات المسيّرة الصغيرة (FPVs).
وتنقل فوربس عن بوندار قولها: "تخيّل أن تحاول إدخال آلة تزن طنّاً إلى خط الجبهة. إنها مهمة لوجيستية معقدة؛ فإذا كانت تعمل بالوقود، فستحتاج إلى تأمينه باستمرار، وإن كانت تعمل بالبطاريات، فستتطلب شحناً باستخدام مولدات ضخمة".
وترى بوندار أن حجم هذه الروبوتات ووزنها يحدّان من سهولة نشرها، لا سيما في بيئات القتال الديناميكية.
وتضيف فوربس أن التكاليف تمثل عائقًا آخر. فبينما يمكن اعتبار الطائرات المسيّرة أدوات استهلاكية زهيدة الثمن -لا يتجاوز سعر الواحدة منها مئات الدولارات- تبدأ أسعار المركبات الأرضية غير المأهولة (UGVs) من 2000 إلى 3000 دولار للنماذج الصغيرة، وقد تتجاوز 10000 دولار في الحالات الأكثر تطوراً.
وتوضح بوندار أن هذه التكلفة العالية ناتجة عن تعقيد التصنيع، إذ لا يمكن ببساطة إنتاج هيكل الروبوت بطابعة ثلاثية الأبعاد كما هو الحال في بعض أجزاء المسيّرات الجوية.
وتخلص فوربس إلى أن هذه التكلفة لا تُعد مجدية إلا إذا أدت الروبوتات الأرضية مهام يعجز عنها غيرها، مثل العمل في أماكن مغلقة أو دعم الاشتباك القريب. أما في مهام الاستطلاع والهجمات بعيدة المدى، فتبقى المسيّرات الجوية الخيار الأفضل.
وتختم بوندار بالقول إن القيمة الفعلية لهذه الأنظمة ستظل خاضعة للتجريب والتقييم، ولن يُحكم عليها إلا بعد اختبارات ميدانية واسعة تثبت قدرتها على إحداث فارق حقيقي في ساحات القتال.
أول معركة
ذكرت مجلة فوربس أن أحد ألوية الحرس الوطني الأوكراني نفّذ في ديسمبر/كانون الأول 2024 أول عملية هجومية ميدانية تعتمد كلياً على الأنظمة الروبوتية، في خطوة تُعدّ سابقة عسكرية لافتة.
واستخدمت العملية مزيجاً من الطائرات المسيّرة الجوية والمركبات الأرضية الزاحفة لاستهداف مواقع للقوات الروسية في منطقة خاركيف شمالي البلاد.
ونقلت فوربس عن متحدث باسم اللواء الثالث عشر للحرس الوطني قوله إن "عشرات الوحدات من الأنظمة الروبوتية وغير المأهولة عملت في وقت واحد على قطاع ضيق من الجبهة"، ما يعكس حجم الجهد التكنولوجي المبذول لتعويض نقص الجنود على الأرض.
وحسب فوربس، فإن اضطرار اللواء إلى تنفيذ الهجوم من دون مشاركة بشرية مباشرة يكشف عن خلل كبير في التوازن العددي بين الطرفين، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 2000 جندي أوكراني يتمركزون في محيط بلدة هليبكي، مقابل 6000 جندي روسي، وهي نسبة غير متكافئة تعكس واقعاً ميدانياً يتكرر على امتداد الجبهة التي يبلغ طولها 800 ميل.
وأشارت فوربس في تحليلها إلى أن العملية الأوكرانية مثّلت تجربة تكاملية نادرة بين عدة أنواع من الأنظمة الروبوتية، شملت مسيّرات استطلاع وزرع ألغام، وآليات انتحارية جوية وبرية، إلى جانب روبوتات قتالية أرضية مزوّدة بأسلحة نارية.
وهدفت هذه التوليفة إلى تقليل المخاطر على القوات البشرية، وتعزيز عنصر المفاجأة في الضربات المباشرة على التحصينات الروسية.
مع ذلك، حذّرت فوربس من التحدي الرئيسي الذي ما زال قائماً: محدودية قدرة هذه الروبوتات على السيطرة الفعلية على الأرض. فمهما بلغت كفاءتها، لا يمكنها تعويض الدور الحيوي الذي تؤديه وحدات المشاة في تثبيت المكاسب الميدانية ومراقبة الخنادق وطلب الإسناد عند الحاجة، وهو ما يتطلب وجوداً بشرياً ويقظة ميدانية دائمة.
ولفتت فوربس إلى أن هذه الأنظمة تعاني من مشكلات تقنية متكررة، منها الأعطال الميكانيكية والحاجة الدائمة إلى الصيانة، بالإضافة إلى هشاشة الاتصالات اللا سلكية التي تُعدّ شريان التحكم والتوجيه.
وأشارت المجلة إلى دراسة أعدها مركز أبحاث RAND، بيّنت أن الروابط بين الروبوتات ومشغّليها تتعرض لخلل كبير تحت تأثير التشويش الإلكتروني المكثف، ما يؤدي إلى شلل شبه كامل في فاعليتها عند استخدام هذه التكنولوجيا في بيئات مشبعة بالحرب السيبرانية.