الرصاصة أولاً ثم الرغيف.. مأساة الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعدات
الحرب على غزة
5 دقيقة قراءة
الرصاصة أولاً ثم الرغيف.. مأساة الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعداتيصف الناشط الفلسطيني إبراهيم القطراوي المشهد بأنه "أشبه بلعبة الموت"، إذ يتنقل، شأنه شأن آلاف الجائعين في قطاع غزة، بين العدو والانتظار في طوابير المساعدات، التي تُوزّع وفق الآلية الأمريكية-الإسرائيلية، وسط إطلاق نار متقطع أملاً بالبقاء في كل محاولة.
يغادر إبراهيم القطراوي منزله في مخيم النصيرات وسط القطاع قبل 4 إلى 5 ساعات من موعد افتتاح إحدى نقاط توزيع المساعدات القريبة من "نتساريم" / AA
1 يوليو 2025

في هذا الواقع اليومي القاسي، تصبح كل خطوة مغامرة قد تنتهي بالنجاة أو الإصابة أو الموت، في ظل ما تكشفه صحيفة هآرتس من شهادات لجنود إسرائيليين، تؤكد تنفيذ الجيش عمليات إعدام ميدانية بحق مدنيين فلسطينيين في نقاط التوزيع، بإطلاق النار عليهم من دون مبرر أو تهديد فعلي.

كان القطراوي قد بدأ رحلته ناشطاً يوثق لحظات الرعب في تلك المواقع، فقد تحوّلت المساعدات إلى فخ قاتل. ومع تفاقم الأزمة، وجد نفسه مضطراً للانضمام إلى الجموع الهائمة على وجهها بحثاً عمّا يسدّ الرمق، بعد أن بات تأمين الطعام لعائلته معركة يومية.

ورغم إدراكه لخطورة الطريق، لم يكن أمامه سوى التقدّم نحو المساعدات، ذاك "الممر الإجباري" الذي تحيطه المجاعة من جهة، والرصاص من جهة أخرى. خيار بدا وحيداً، حتى وإن كانت تكلفته المحتملة حياته.

وبعيداً عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تنفذ تل أبيب وواشنطن منذ 27 مايو/أيار الماضي، خطة لتوزيع مساعدات محدودة بوساطة "مؤسسة غزة الإنسانية"، إذ يقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين المصطفّين لتلقي المساعدات، ويجبرهم على المفاضلة بين الموت جوعاً أو رمياً بالرصاص، إذ خلفت حتى الأحد 583 شهيداً  وأكثر من 4 آلاف و186 مصاباً، وفق وزارة الصحة.

جوع محفوف بالخطر

كغيره من آلاف الجائعين في قطاع غزة، يغادر إبراهيم القطراوي منزله في مخيم النصيرات وسط القطاع قبل أربع إلى خمس ساعات من موعد افتتاح إحدى نقاط توزيع المساعدات القريبة من محور "نتساريم"، الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي.

يقطع القطراوي مسافة تمتد لعدة كيلومترات سيراً على الأقدام، وصولاً إلى منطقة التوزيع هناك، يحاول التقدّم إلى أقرب نقطة من البوابة، حاملاً هاتفه لتوثيق مشاهد القمع والانتهاكات المتوقعة من الجيش الإسرائيلي بحق الحشود الفلسطينية المتجمعة طلباً للطعام.

في ساعات الانتظار الطويلة، تمتزج مشاعر الخوف بالجوع، بينما تبقى أنظار المنتظرين معلّقة على البوابة، في ترقّب للحظة فتحها، التي تعني فرصة -وإن كانت محفوفة بالموت- للحصول على المساعدات.

يقول القطراوي، في حديث لوكالة الأناضول، إن المجازر غالباً ما تبدأ فجراً، فور انسحاب الجنود الإسرائيليين من أمام البوابة، حيث تبدأ الحشود بالتقدّم، ليقابلهم إطلاق نار مباشر "بلا أي مبرر"، على حد وصفه. "يبدأ الجنود اصطياد كل من يتحرك نحو البوابة"، يضيف:

حينها، يلجأ كثيرون إلى الارتماء أرضاً في محاولة للنجاة، بينما يواصل آخرون الزحف تحت الخطر، مدفوعين بحاجتهم المُلحّة إلى لقمة تسد رمق عائلاتهم الغارقة في الجوع.

المأساة لا تنتهي هنا، إذ إن المنطقة المحيطة بنقطة التوزيع قاحلة وبعيدة عن أقرب مشفى بعدة كيلومترات، ما يحول دون إمكانية إسعاف المصابين أو إجلاء الشهداء. وفي ظل ذلك، تبقى حياة الجميع رهينة لاستهداف جديد قد يقع في أي لحظة.

ورغم مشاهد الرعب، يستمر مئات الفلسطينيين في التوافد إلى تلك النقاط، أملاً بالحصول على مساعدات قد لا تكون كافية، لكنها تحمل بعض الرجاء لأطفال ينتظرون خلف خيام النزوح كسرة خبز بعد أيام من الجوع القاسي.

وبحسب بيانات سابقة لجيش الاحتلال، أنشأت إسرائيل في مايو/أيار الماضي أربع نقاط لتوزيع المساعدات ضمن آليتها الجديدة: ثلاث منها في جنوب القطاع، وواحدة قرب محور نتساريم في وسط غزة.

توثيق المأساة... محاولة لإيصال صوت الجائعين إلى العالم

يقول الناشط الفلسطيني إبراهيم القطراوي إن انخراطه في رحلات الحصول على المساعدات جاء بعد أن انعدمت كل السبل الأخرى لتأمين الطعام، في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل وإغلاقها للمعابر، ما أعاق دخول المساعدات الإنسانية التي تُوزّع وفق الآلية الأممية.

ويوضح القطراوي أنه في البداية كان يتوجّه إلى نقاط التوزيع بهدف توثيق ما يتعرّض له المدنيون الجائعون من اعتداءات، محاولاً إيصال صوتهم إلى العالم. ويضيف: "أردت أن أنقل بالصوت والصورة ما يفعله الجيش الإسرائيلي بالجوعى، وكيف يُبعدهم بالقوة عن المساعدات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة".

ومن بين المشاهد التي يصعب نسيانها، يروي القطراوي لحظة سقوط قنبلة إسرائيلية تحت قدميه خلال هجوم عنيف استُخدم فيه الرصاص الحي والقنابل ضد مدنيين كانوا يتجمّعون في نقطة توزيع.

ويتابع: "من أصعب اللحظات التي وثّقتها، كانت عندما فُتحت بوابة المساعدات في شارع صلاح الدين، واندفع الناس ركضاً باتجاهها، وفجأة بدأ الجنود إطلاق نار كثيف نحوهم".

ويصف المشهد قائلاً: "في لحظة، ألقت الجموع بأجسادها على الأرض، والرصاص يتطاير فوق رؤوسنا، بينما المصابون يصرخون طلباً للمساعدة، ونحن عاجزون عن الحركة".

ورغم الانتشار الواسع الذي لاقته مشاهد القطراوي عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإنه يشعر بأن الصدى لم يكن كافياً. ويختم بالقول: "وثّقت كل شيء، لكن العالم ما زال لا يشعر بمعاناتنا".

معركة الانتظار: قلق في الخيام وقلوب معلّقة بالخطر

في الجبهة الأخرى من المعاناة، داخل خيام النزوح، تدور معركة من نوع مختلف، تخوضها عائلات الشبان الذين يتوجّهون إلى نقاط توزيع المساعدات. هناك، تتكثف مشاعر القلق والترقّب، ويعيش الأهالي ساعات طويلة من الانتظار الممزوج بالخوف على حياة أبنائهم.

يقول الناشط الفلسطيني إبراهيم القطراوي إن عائلته، كغيرها من آلاف الأسر، تعارض ذهابه إلى تلك النقاط خوفاً من أن يصاب أو يُقتل برصاص الجيش الإسرائيلي. لكنه، رغم ذلك، يذهب مجبراً، مدفوعاً بالجوع الذي ينهش أجساد أفراد عائلته، رافضاً أن يكونوا ضحايا لتجويع ممنهج.

ويضيف: "الأمر بالغ الصعوبة، بل يبدو أحياناً بلا جدوى، تخاطر بحياتك مقابل القليل من الطعام، ومع ذلك لا تملك خياراً آخر".

وعن المشاهد في نقاط التوزيع، يصف القطراوي الوضع قائلاً: "كأنك في نسخة واقعية من لعبة الموت، عليك أن تركض فجأة، ثم تتوقف فجأة، وإلا فأنت هدف للصياد... والجيش الإسرائيلي هو الصياد".

ويشير إلى أن ما يتعرّض له سكان غزة من ملاحقة ومهانة في طريقهم للحصول على ما يسدّ الرمق، تحوّل إلى "روتين يومي مرهق" يحمل من الذلّ والقهر ما لا يمكن تخيّله، ويضيف: "لا أظن أن أحداً خارج غزة يمكنه احتمال هذا النوع من الحياة".

مصدر:TRT عربي - وكالات
اكتشف
غروسي: تعاون إيران مع الطاقة الذرية التزام قانوني وليس خياراً
الاحتلال يواصل مجازره بحق مجوّعي غزة.. ولازاريني: الأونروا تواجه أزمة وجود
إيران تعتقل 26 شخصاً في خوزستان بتهمة التعاون مع إسرائيل
زعيم إسرائيلي معارض يعلق على قتل المستوطنين ثلاثةَ فلسطينيين بالضفة: مجزرة يهودية عنيفة
مستوطنون يقتلون 3 فلسطينيين ويصيبون 16 واستشهاد طفل في جنين وسط استمرار عمليات الهدم في طولكرم
"القسام" تنشر مشاهد لكمين خان يونس.. والاحتلال يعترف بمقتل 7 جنود وتحقيقاته تكشف عن "خلل خطير"
الحرب في الشرق الأوسط تدفع بكين لإعادة إحياء مشروع "قوة سيبيريا 2" لنقل الغاز الروسي
قمة الناتو.. أردوغان يؤكد في لقائه بزعماء: أولويتنا التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة
عشرات الشهداء بمجازر إسرائيلية جديدة.. و”حكومة غزة”: الاحتلال يقنص المدنيين عند نقاط المساعدات
ترمب يدعي أن اتفاقاً بشأن غزة "بات وشيكاً جداً".. وحماس: الاتصالات بين الوسطاء تكثفت والاحتلال يتلكأ
زهران ممداني.. مسلم اشتراكي ومؤيد لفلسطين يقترب من منصب عمدة نيويورك
كتائب القسام وسرايا القدس تدمران آليات إسرائيلية بخان يونس.. وجيش الاحتلال يقر بمقتل 7 جنود
بعد تقرير الاستخبارات.. ترمب: برنامج إيران النووي عاد عقوداً إلى الوراء بعد تدميره بالكامل
وزيرا دفاع تركيا وهولندا يوقّعان إعلان نيات خلال قمة الناتو في لاهاي
الاحتلال يواصل عمليات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية ويهدم 623 منزلاً بالقدس منذ 7 أكتوبر
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us