وبحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، أُجبِرَ ما لا يقل عن 80 عائلة على مغادرة تجمعاتها البدوية خلال الأيام الماضية، عقب سلسلة هجمات استهدفت تجمع المليحات في الأغوار الشمالية، وتجمع الخان الأحمر في بادية القدس الشرقية. وتطالب منظمات محلية ودولية بوقف هذه الاعتداءات فوراً.
وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان في مؤتمر صحفي عُقد الاثنين، إن إسرائيل "تسابق الزمن للسيطرة على الجغرافيا الفلسطينية، وليس فقط لتوسيع المستوطنات أو إقامة بؤر جديدة".
وأضاف أن سلسلة من القوانين والإجراءات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية حالياً "تستهدف جوهر الأرض الفلسطينية وهويتها"، في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بـ"أخطر مرحلة في تاريخها"، حسب وصفه.
وأشار شعبان إلى أن النصف الأول من عام 2025 شهد أكثر من 2150 اعتداء نفذه المستوطنون، أسفرت عن مقتل 4 فلسطينيين، موضحاً أن هذه الاعتداءات شملت الهجمات على القرى والاعتداء على المدنيين، وإحراق منازل بمن فيها من السكان، بالإضافة إلى إطلاق النار، وإنشاء بؤر استيطانية، والسيطرة على الأراضي، والاعتداء على الطرق والمركبات، وتنفيذ هجمات وصفها بأنها "منظمة وخطيرة".
كما كشف أن المستوطنين أقاموا منذ بداية العام الحالي نحو 23 بؤرة استيطانية جديدة، أغلبها بؤر "رعوية" تستهدف السيطرة التدريجية على الأراضي المفتوحة.
وأكد شعبان أن عمليات التهجير التي طالت العائلات الفلسطينية في الأغوار الشمالية ومناطق "ج" في الضفة الغربية، تأتي في إطار "خطة استعمارية أوسع تنفذها حكومة الاحتلال لتكريس سيادتها على الأرض الفلسطينية".
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة عام 1995 صنّفت أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة "أ" وتخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، والمنطقة "ب" وتخضع للسيطرة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، والمنطقة "ج" وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتشكل نحو 60% من مساحة الضفة.
وتُعَدّ المناطق المصنفة "ج" الأكثر استهدافاً بعمليات الاستيطان والتهجير، إذ تسعى إسرائيل من خلالها لفرض وقائع جديدة على الأرض تمهيداً لضمها رسمياً.
صمود ومخاوف
بدوره قال رئيس مجلس المالح والأغوار الشمالية مهدي دراغمة، إن الأوضاع في المنطقة "صعبة للغاية".
وأضاف: "السكان يصرون على البقاء والصمود ولكن لديهم مخاوف من استمرار وتصاعد اعتداءات المستوطنين، الأمر الذي يهدد حياة أسرهم ومصدر رزقهم".
وأفاد بأن المستوطنين أغلقوا عدة مناطق في الأغوار الشمالية بخاصة المراعي أمام سكانها الفلسطينيين رغم أنها "ملكية خاصة".
وأكّد دراغمة أن تلك الانتهاكات قيدت حركة الفلسطينيين إلى جانب الاقتحامات المتكررة والاعتداء على المنازل.
واستكمل: "بات المواطن لا يعرف النوم خشية هجمات المستوطنين، وخشية فقدان حياته أو حياة أفراد أسرته أو خسارة مصدر رزقه (تربية المواشي والزراعة)".
وأشار إلى وجود تبادل أدوار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، إذ يُمنع الفلسطيني دخول المراعي بحجة أنها "مناطق عسكرية، فيما يُسمح للمستوطن باستثمارها".
ولفت إلى أن الفلسطيني يجبر على تقبل الاعتداءات الإسرائيلية وانتهاكات المستوطنين، لأنه إذا دافع عن نفسه وبيته تَعرَّض للاعتقال.
وقال دراغمة إن 50 عائلة فلسطينية رحلت من تجمعات الأغوار الشمالية جراء اعتداءات المستوطنين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
خيار إجباري
لم يجد الفلسطيني سلمان أبو عواد من تجمع "خربة السمرا" في الأغوار الشمالية خياراً سوى الرحيل مع عدد من العائلات، قائلًا: "بتنا بلا حيلة أمام الهجمات اليومية، الرحيل صار خياراً إجبارياً لحماية عائلاتنا ومصدر رزقنا من الثروة الحيوانية".
وفي حديث لوكالة الأناضول أوضح أبو عواد أن المستوطنين اقتحموا التجمع مؤخراً وأمهلوا السكان ثمانية أيام للمغادرة تحت تهديد السلاح، وسط تواطؤ واضح من الجيش الإسرائيلي.
وأشار إلى أن الجيش هدّد في وقت سابق بمصادرة المراعي، بعدما تعرضت لسرقات متكررة من المستوطنين.
وأكد أبو عواد أن سكان التجمع تعرضوا لاعتداءات جسدية، ووصف معاناتهم بأنها "تفوق الوصف"، مضيفاً أن أي محاولة للدفاع عن النفس تقابلها قوات الجيش بالاعتقال أو ما هو "أبشع من ذلك"، على حد تعبيره.
ولفت إلى أن وتيرة هذه الاعتداءات ارتفعت بشكل ملحوظ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال اقتحام المنازل ومحاصرة التجمعات ومنع الوصول إلى المراعي.
"الحياة أصبحت جحيماً"
ولا يختلف الوضع في "خربة السمرا" كثيراً عنه في تجمع "عرب المليحات" في منطقة المعرجات غرب مدينة أريحا، حيث أُجبرت 50 عائلة فلسطينية على مغادرة مساكنها خلال الأسبوع الماضي بسبب اعتداءات المستوطنين.
وقال حسن مليحات، المشرف العام على منظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو، في بيان الجمعة، إن "التهجير جاء بعد أن أقام المستوطنون بؤراً استيطانية، إحداها نُصبت مباشرة أمام التجمع البدوي، ما شكل تهديداً مباشراً لحياة السكان".
من جانبه أكد سليمان مليحات، أحد سكان التجمع، أن "عرب المليحات كانوا لسنوات خط الدفاع الأول عن الأغوار"، لكن مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية، تحوّلت الحياة إلى جحيم، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن المستوطنين أقاموا خياماً مقابل المنازل وسرقوا الأغنام، فيما اكتفى الجيش والشرطة الإسرائيلية بالمراقبة بلا تدخُّل.
وأضاف أن البدو تُركوا بلا حماية في مواجهة عصابات المستوطنين المسلحين، مدعومين من شخصيات نافذة في الحكومة الإسرائيلية. وأوضح أن 50 من أصل 85 عائلة غادرت منطقة المعرجات قسراً، وانتقلت إلى أراضٍ وقفية قرب مدينة أريحا.
في سياق متصل قالت منظمة "البيدر" يوم الاثنين، إن 25 عائلة من تجمع "الخان الأحمر" شرق القدس غادرت منازلها قسراً تحت ضغط اعتداءات المستوطنين، فيما أفادت مصادر حقوقية لاحقاً بأن عدد العائلات المُهجرة ارتفع إلى 30.
وبالتوازي مع الإبادة بقطاع غزة، صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، ما أدى إلى استشهاد 994 فلسطينياً على الأقلّ، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية، كما تشير أرقام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير إلى أن 30 تجمعاً بدوياً هُجرت قسراً منذ ذلك الوقت.