وجرى توقيع الاتفاق في السادس من مارس/آذار الماضي، ضمن إطار التكامل المتنامي بين الشركات التركية العاملة في المجالين التقني والدفاعي. فتصنيع الأقمار الصناعية يتطلب وجود أنظمة إطلاق وطنية قادرة على إيصالها إلى مداراتها المستهدفة، وهو ما يسلّط الضوء على دور شركة DeltaV التي تسعى إلى تحقيق الريادة في هذا القطاع الحيوي.
وفي هذا السياق، طورت الشركة نظاماً يُعرف باسم SORS (Sonda Roket Sistemi)، ويُستخدم في تقنيات الدفع الهجين. ووفقاً لما أعلنه المدير العام لشركة DeltaV، محمد كهرمان، فإن هذا الصاروخ يُعد من أكبر أنظمة السبر في فئته على مستوى العالم.
وأوضح كهرمان أن العمل على تطوير SORS بدأ في عام 2019، وجرى تنفيذ أول عملية إطلاق خلال عام واحد فقط. ويعتمد الصاروخ على وقود أساسه البارافين، إلى جانب الأوكسجين السائل المخزن في خزان من الألمنيوم عند درجة حرارة -183 مئوية، ويُحقن الأوكسجين في المحرك بدرجة الحرارة ذاتها لبدء عملية الاحتراق وتوليد الدفع.
وحتى اليوم، نُفّذت 20 عملية إطلاق ناجحة لصاروخ SORS، تجاوزت جميعها ارتفاع 100 كيلومتر، وكل منها خُصص لأهداف اختبارية وتجريبية مختلفة.
وأضاف كهرمان أن الصاروخ، الذي يبلغ قطره 630 ملم ويزن نحو 2.5 طن، ساهم في تطوير قدرات فريق العمل في مجال الطيران الفضائي، كما مكّن DeltaV من أن تكون أول شركة في تركيا تطوّر مكونات طيران باستخدام تقنية التبريد العميق (كريوجينيك).
وأشار إلى أن المشروع أتاح أيضاً إنشاء أول بنية تحتية وطنية لاختبار أنظمة التغذية بالسائل المبرد، ما يجعل DeltaV الشركة الرائدة والوحيدة في هذا المجال داخل تركيا.
وفي سياق متصل، أكد كهرمان أن DeltaV تضطلع بدور محوري في تنفيذ "خريطة طريق الفضاء" التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي هذا الإطار، طورت الشركة نظام الدفع الهجين (HİS)، الذي يُستخدم لتوجيه المركبات الفضائية وتغيير مداراتها، ويُعد بديلاً فعالاً وآمناً للأنظمة التقليدية المعتمدة على الوقود الهيدرازيني السام والمكلف.
وقال كهرمان:"هدفنا الرئيسي هو تنفيذ هبوط قاسٍ على سطح القمر باستخدام هذا النظام، لنُثبت أن تركيا باتت لاعباً جاداً في مجال الفضاء. كما نطمح إلى تسويق هذه التقنية على الصعيد الدولي وتحويلها إلى منتج تجاري قادر على المنافسة عالمياً".
دول قليلة تملك هذه القدرة
في حديثه لـTRT Haber، أوضح الخبير في الصناعات الدفاعية يوسف أكبابا أن DeltaV تعمل منذ سنوات على تطوير أنظمة الإطلاق الفضائي، مشيراً إلى أن هذا المجال يُعد من أهم المسارات الاستراتيجية التي توليها تركيا اهتماماً متزايداً.
وأضاف أكبابا:"في السابق، كانت تركيا تعتمد على شراكات خارجية لإطلاق أقمارها الصناعية، مثل التعاون مع شركة SpaceX الأمريكية، وكان من الممكن التعاون مع روسيا أو فرنسا أو الصين، لكن في ظل تصاعد الأزمات العالمية والتحولات الجيوسياسية، لم يعد من الحكمة الاستمرار في الاعتماد على قدرات دول أجنبية في مجال بالغ الحساسية كالفَضاء".
وأكد أكبابا أن عدد الدول التي تمتلك القدرة على إطلاق أقمارها الصناعية باستخدام أنظمة دفع محلية لا يتجاوز أصابع اليد.
وقال: "الوصول إلى مدار الأرض وإدخال القمر الصناعي إليه وتشغيله من دون خلل، يُعد من أعلى درجات الإظهار التكنولوجي. هذا القطاع تقوده دول مثل الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، الصين، واليابان".
وشدّد بقوله: "من خلال هذا المشروع، تُعلن تركيا بوضوح انضمامها إلى سباق القوى الفضائية العالمية، وتثبت أنها أصبحت فاعلاً تقنياً لا يمكن تجاهله".
الاستخدامات الدفاعية: الفضاء بوابة إلى القدرات الصاروخية
يرى أكبابا أن التقدّم التقني في مجال الفضاء ستكون له انعكاسات مباشرة على المشاريع العسكرية، ولا سيما في مجال تكنولوجيا الصواريخ.
وقال:"إذا تمكنت دولة من إنتاج صاروخ قادر على اختراق الغلاف الجوي باستخدام إمكانات محلية، فهذا إنجاز كبير. وإذا استطاعت إطلاقه وتوجيهه بدقة، فهي بذلك تدخل نادي النخبة الذي يضم خمس أو ست دول فقط حول العالم".
وأضاف: "القدرة على إرسال صاروخ إلى الفضاء والتحكم بمساره بدقة هي الأساس ذاته الذي تقوم عليه الصواريخ الباليستية بعيدة المدى. فالعلاقة بين المجالين وثيقة، وأي تطور في برامج الفضاء سينعكس تلقائياً على تعزيز القدرات العسكرية، وخاصة في أنظمة الصواريخ الاستراتيجية".
من جهته، أكد محمد كهرمان أن DeltaV تعمل على تطوير محركات صاروخية هجينة مخصصة للاستخدامات الدفاعية، مشيراً إلى أن الشركة تُعد من بين قلة من الشركات عالمياً التي تمتلك بنية تحتية متقدمة في هذا المجال.
وقال: "بفضل التقنيات التي طورناها محلياً، نجحنا خلال عام واحد فقط في تصنيع أول طائرة هدف أسرع من الصوت في تركيا، وأكملنا المرحلة الأولى من المشروع بنجاح".
وختم كهرمان بالتأكيد على التزام شركته مواصلة تطوير أنظمة موثوقة، آمنة، وفعالة من حيث التكلفة، سواء للتطبيقات الفضائية أو الدفاعية، بما يخدم احتياجات المستخدمين داخل تركيا وخارجها.