تأتي هذه المحادثات بعد اجتماع مماثل جرى في الرياض أمس الأحد، جمع بين وفدين أمريكي وأوكراني.
وتأمل الولايات المتحدة في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا خلال الأسابيع القادمة، مع تحديد 20 أبريل/نيسان المقبل موعداً نهائياً للتوصل إلى الاتفاق، حسبما أفادت به وكالة بلومبرغ.
أهم الملفات على طاولة الاجتماعات
قدم الطرفان مقترحات مختلفة للتوصل إلى وقف مؤقت للقتال، وفي مقابلة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، صرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قائلاً: "مفاوضات صعبة تنتظرنا"، مشيراً إلى أن المحور الأساسي للمحادثات مع الولايات المتحدة سيكون استئناف اتفاقية الحبوب في البحر الأسود، التي تضمن تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية.
من جانبه، أفاد مسؤول أوكراني رفيع المستوى لوكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق، بأن كييف تعتزم اقتراح وقف أوسع لإطلاق النار، يشمل الهجمات على منشآت الطاقة والبنية التحتية، إضافة إلى الضربات البحرية.
وحسب وكالة رويترز، يتصدر وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة جدول أعمال المفاوضات، وكان البيت الأبيض قد أشار إلى أن الرئيسين الأمريكي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين اتفقا الأسبوع الماضي على أن "التحرك نحو السلام” سيبدأ بوقف الهجمات على منشآت الطاقة في كلا البلدين لمدة 30 يوماً.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن كييف ستُعد قائمة بالمنشآت التي يمكن أن يشملها وقف إطلاق النار الجزئي، مشيراً إلى أن هذه القائمة قد تشمل البنية التحتية للسكك الحديدية والمواني، وليس قطاع الطاقة فحسب، وفق رويترز.
وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، تُعَد مسألة تأمين الممرات البحرية في البحر الأسود إحدى النقاط المحورية في المفاوضات، نظراً لدورها الحاسم في تصدير الحبوب الأوكرانية، وبعد انسحاب روسيا من اتفاقية سابقة لتصدير الحبوب، ستسعى الأطراف إلى التوصل إلى اتفاق جديد يضمن سلامة الملاحة البحرية واستمرار تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية.
وأفادت وكالة رويترز بأن المفاوضات ستشمل أيضاً مناقشات حول سبل إدارة الموارد الطبيعية والمنشآت النووية الأوكرانية مع اقتراح تقديم الولايات المتحدة دعماً تقنياً لضمان تشغيلها بأمان ومنع أي تهديدات محتملة.
كما تتناول المفاوضات اتفاقاً بين كييف وواشنطن يُمكّن الولايات المتحدة من الحصول على عائد مالي من تطوير الموارد الطبيعية الأوكرانية، ولا سيما المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في تصنيع الإلكترونيات.
وشهدت الفترة الأخيرة عمليات تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إطلاق سراح 175 أسير حرب من كل جانب، بالإضافة إلى تسليم 22 أوكرانياً مصابين بجروح خطيرة، في خطوة وصفها الكرملين بأنها "بادرة حسن نية".
من جانبه، أشار زيلينسكي إلى أن هذه العملية تُعد واحدة من أكبر عمليات التبادل، وتسعى المحادثات الحالية إلى تعزيز هذه الجهود وتوسيع نطاقها، وفق وكالة رويترز.
وتمثل العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من الدول الغربية نقطة نقاش رئيسية في المفاوضات، إذ تسعى موسكو إلى رفع هذه العقوبات بوصفها جزءاً من أي اتفاق سلام محتمل، في حين تربط الولايات المتحدة وحلفاؤها ذلك بإحراز تقدم ملموس في عملية السلام، بما في ذلك انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المحتلة.
ووفقاً لمصادر في رويترز، تدرس إدارة البيت الأبيض حالياً إمكانية تخفيف العقوبات في حال وافقت موسكو على إنهاء الحرب.
وحسب صحيفة فاينانشال تايمز، سوف تُناقش الأطراف موعد وشروط إجراء الانتخابات في أوكرانيا، وبخاصة في المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية أو الموالية لها، إذ لم تُجرِ كييف أي انتخابات منذ عام 2019 بسبب الأحكام العرفية التي تحظر ذلك خلال الحرب.
كما تُعد قضية الاعتراف بوضعية الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، من أكثر القضايا تعقيداً في المفاوضات، وترفض كييف الاعتراف بسيادة روسيا على نحو 20% من أراضي أوكرانيا، بينما تصر موسكو على موقفها.
ونقلت صحيفة “كوميرسانت” الروسية عن مصادر حضرت اجتماعاً خاصاً مع بوتين، أن الكرملين يسعى إلى اعتراف رسمي أمريكي بضم روسيا إلى مناطق لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم.
كذلك ستُناقش رغبة كييف في الحصول على ضمانات طويلة الأمد تضمن أمن أوكرانيا بعد الحرب، لكن هذا يتعارض مع مطالب موسكو، التي تشترط تقليص عدد القوات الأوكرانية بوصفه جزءاً من أي اتفاق.
وتسعى بريطانيا وفرنسا إلى وضع خطة لإنشاء قوة ردع أجنبية تتكون من قوات وسفن وطائرات متمركزة في أوكرانيا أو محيطها بعد توقيع اتفاق السلام، لكن وفق BBC البريطانية، فقد رفض المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب ستيف ويتكوف الخطة البريطانية لتشكيل قوة دولية لدعم وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
عقبات في وجه المفاوضات
نشرت صحيفة تايمز البريطانية تقريراً أشارت فيه إلى أن نتائج اجتماع السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في أوكرانيا ستعتمد بشكل كبير على استعداد الطرفين لتقديم تنازلات، وحددت عدداً من العقبات الرئيسية قد تحدد نجاح المفاوضات أو فشلها.
ويأتي على رأس هذه العقبات انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ تُعتبر هذه القضية من أكثر القضايا تعقيداً في المفاوضات، وتسعى أوكرانيا للحصول على ضمانات أمنية قوية من خلال الانضمام إلى الناتو، في حين ترفض روسيا بشدة هذه الفكرة، معتبرةً إياها تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
العقبة الثانية تكمن في حجم الجيش الأوكراني والأسلحة الغربية، إذ تطالب روسيا بتقليص حجمه ووقف شحنات الأسلحة الغربية. ويمكن اعتبار أي قيود مفروضة على الجيش الأوكراني بمثابة مؤشر على استعداد روسيا لغزو مستقبلي، مما قد يلقى رفضاً من أوكرانيا والقادة الأوروبيين، وفق التايمز.
كما تشكل نيّات روسيا طويلة الأمد عقبة في المفاوضات، فبينما تسعى موسكو إلى هدنة قصيرة الأمد للتعافي من تبعات الحرب، يوجد قلق كبير في أوكرانيا وحلفائها بشأن النيات طويلة الأمد لروسيا في محاولة لإعادة أوكرانيا إلى دائرة نفوذها، كما أفاد التقرير.
تفاؤل أمريكي وحذر روسي
وقد أبدى ستيف ويتكوف، موفد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تفاؤله بشأن المحادثات المقبلة، مشيراً إلى أنه يتوقع إحراز "تقدم حقيقي" خلال هذه المفاوضات.
وقال ويتكوف لمحطة فوكس نيوز التليفزيونية: "أظن أنكم سترون في السعودية يوم الاثنين تقدماً حقيقياً، وبخاصة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار في البحر الأسود على السفن بين البلدين. ومن ثم، ستتجه الأمور بشكل طبيعي نحو وقف إطلاق نار شامل".
على النقيض، سارع المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إلى تقليص سقف التوقعات المتعلقة بالمحادثات المقبلة، قائلًا في تصريح للتليفزيون الروسي: "هذا موضوع معقد للغاية ويتطلب كثيراً من العمل"، وأضاف: "نحن في بداية هذا الطريق"، مشيراً إلى وجود عديد من الأسئلة العالقة حول كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار المحتمل.
وسبق أن استضافت المملكة العربية السعودية عدداً من اللقاءات لمناقشة سبل إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، وكان من أبرزها تلك التي جمعت في 18 فبراير/شباط الماضي وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بنظيره الروسي سيرغي لافروف، وكذلك لقاء روبيو ونظيره الأوكراني أندريه سيبيها.
ومنذ 24 فبراير/شباط 2022، تشن روسيا هجوماً عسكرياً على جارتها أوكرانيا تشترط لإنهائه تخلي كييف عن الانضمام لكيانات عسكرية غربية، وهو ما تعتبره كييف "تدخلاً" في شؤونها.