سلّطت الصحف الإسرائيلية الضوء على هذه المشكلة، إذ أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن ضباط وقادة الاحتياط أبلغوا عن تراجع بنسبة 30% في حجم القوة البشرية.
وفي حديث للصحيفة، قال ضابط رفيع في جيش الاحتلال الإسرائيلي يخدم في كتيبة مدرعات، إنه غير قادر على استكمال تشكيل القوات. وأضاف: "هناك صعوبة كبيرة في تجنيد أفراد الاحتياط. تشعر بذلك في كل مكالمة هاتفية تجريها، فالوضع لم يعد كما كان قبل عام".
وأوضح أن "هناك كتائب كاملة خرجت من التشكيلات، لأنها تفتقر إلى قائد سرية ونائب قائد، ولم يتبقَّ فيها سوى قائدين للفصائل. إذا لم أتمكن من جلب مزيد من الأفراد، فسأضطر إلى العمل بعدد أقل. لكن خوفي هو أن من سيأتي سيتحمل أعباء زائدة من العمل، وبعد فترة سيقول إنه لم يعد قادراً على الاستمرار وسيغادر أيضاً. هناك مشكلة خطيرة يجب على الجميع أخذها بعين الاعتبار".
هذه الأزمة لا تقتصر على هذه الكتيبة المدرعة وحدها؛ إذ أكدت الصحيفة أن جميع الضباط أفادوا بأن معدلات التجنيد التي كانت تتراوح بين 50% و70% باتت الآن استثناءً، في حين يزداد العبء على من لا يزالون في الخدمة.
وصرح ضابط آخر في جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه يواجه صعوبة في تجنيد الأفراد، قائلاً: "عادةً، تنتهي مكالمات الهاتف مع جنود الاحتياط بسرعة كبيرة. بمجرد أن يسمعوا أنني أتصل، يبررون على الفور أنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار. هذا يدفعني إلى اللجوء إلى أشخاص حصلوا على إعفاء من الخدمة منذ عدة سنوات. نحن حرفياً نأخذ من الاحتياط الاحتياطي".
في الأيام الماضية، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي بلواءين قتاليين للعمل في قطاع غزة، إلا أنه لم تكن هناك علامة فورية على تعبئة واسعة النطاق مماثلة لما حدث في عام 2023، عندما استدعى جيش الاحتلال ما يصل إلى 300 ألف من جنود الاحتياط لتعزيز قوة تقدَّر بنحو 170 ألف جندي.
شرعية الحرب
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن معظم الإسرائيليين يرغبون في مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب، ويؤدي إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، إضافةً إلى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وصرّح ثلاثة مسؤولين دفاعيين مطّلعين على عملية صنع القرار الإسرائيلي لوكالة رويترز، في الأيام التي سبقت الحملة العسكرية الأخيرة، بأن استئناف القتال سيكون تدريجياً، مما قد يفتح الباب أمام مفاوضات لتمديد الهدنة. إلا أنهم لم يسهبوا في التفاصيل.
وقد أثار قرار رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، استئناف القصف، يوم الثلاثاء الماضي، غضب المحتجين، الذين يتهمون الحكومة بإطالة أمد الحرب لأسباب سياسية، وتعريض حياة المحتجزين في قطاع غزة للخطر، بعد أن صمد وقف إطلاق النار إلى حد كبير لمدة شهرين.
وشارك عشرات الآلاف في احتجاجات ضد حكومة نتنياهو في تل أبيب والقدس منذ يوم الثلاثاء، تعبيراً عن رفضهم لاستمرار القتال.
وقال الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لنتنياهو بين عامي 2011 و2013: "في دولة ديمقراطية، الشرعية الداخلية للحرب مهمة جداً جداً".
وأضاف: "السؤال هو: إلى أي مدى يكون صُنّاع القرار مستعدين للتخلي عن الشرعية لأنهم يعتقدون أن التحرك العسكري ضروري؟ وإلى أي مدى يمكن أن يضعف غياب هذه الشرعية قدرتهم على العمل؟".
من جانبه، رأى المحلل السياسي عاموس أسائيل، من معهد شالوم هارتمان، أن رئيس الوزراء بدأ ينعزل عن الرأي العام بشكل متزايد، مما أدى إلى تصدع الإجماع الواسع الذي دعم الحرب في بدايتها. وأشار إلى أن ائتلافاً من عائلات المحتجين المعارضين لسياسات نتنياهو، بما في ذلك تحركاته ضد السلطة القضائية وبعض المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، بدأ في التشكل.
ما تبقى من جيش الشعب
يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي أزمة تجنيد غير مسبوقة، إذ يحتاج إلى نحو 12000 جندي جديد، 75% منهم في أدوار قتالية، وفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وقد تفاقمت هذه الحاجة بفعل الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدها الجيش خلال حربه على غزة. وفي أول كلمة له بعد تعيينه رئيساً لأركان جيش الاحتلال، قال إيال زامير: "جرى استيعاب أكثر من 15000 جندي تعرضوا لإصابات جسدية وعقلية في منظومة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع".
ويُظهر الموقع الإلكتروني لجيش الاحتلال أن عدد قتلاه منذ بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بلغ 844 ضابطاً وجندياً، بينهم 405 قتلى منذ بدء الاجتياح البري لغزة.
وتحدثت وكالة رويترز مع ستة جنود احتياط وجماعة مدافعة عن قوات الاحتياط، وأكدوا أنه بعد عمليات انتشار استمرت عدة أشهر، بات بعض الجنود مترددين في العودة إلى غزة. وبسبب الضغوط الهائلة التي يتعرض لها جنود الاحتياط، وتراجع معدلات الاستجابة في الألوية والكتائب، اضطر جيش الاحتلال إلى تقديم "إغراءات" غير مسبوقة لجذب المقاتلين.
ووفق موقع "YNET"، سيجري توزيع شهر واحد من الخدمة الفعلية على مدى شهرين، وفق نظام "أسبوع-أسبوع"، وهو نظام كان مخصصاً سابقاً للأدوار الخلفية التي يصعب شغلها بسبب ضعف جاذبيتها، مثل الطهاة والسائقين وحراس القواعد العسكرية.
بموجب هذا النظام، يخدم جندي الاحتياط أسبوعاً واحداً في الجيش، ثم يقضي الأسبوع التالي بالكامل في منزله، مع تلقيه راتباً كاملاً من جيش الاحتلال. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يخفف الضغط عن الجنود، فإنه يُثقل كاهل الدولة مالياً، حيث يكلف عشرات الملايين من الشواكل كل ثلاثة أشهر.
وأشار بعض الضباط الذين تحدثوا مع الموقع إلى أن هذا النهج يُضعف نموذج "جيش الشعب"، ويمسّ بقيمه الأساسية، حيث يتحول الدافع للانضمام إلى الجيش من الوطنية والفخر إلى اعتبارات اقتصادية بحتة.
في مارس/آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، التي استمرت 42 يوماً بعد أن بدأت في 19 يناير/كانون الثاني.
إلا أن حكومة بنيامين نتنياهو تماطل في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ تسعى إلى إطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين دون الالتزام بتعهداتها، لا سيما إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة.
في المقابل، تؤكد حركة حماس التزامها بالاتفاق، مطالبةً الوسطاء بالضغط على الاحتلال لتنفيذ جميع بنوده، والدفع نحو بدء مفاوضات المرحلة الثانية، التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع ووقفاً نهائياً للحرب.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة بدعم مباشر من الولايات المتحدة، إذ تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 162 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود لا يزالون تحت الأنقاض.