وقال المهندس مصطفى معراتي، مدير العلاقات في الإدارة العامة للنفط، في تصريح خاص لـTRT عربي، إن الغاز الأذربيجاني يمثل دعماً مساعداً لجهود الحكومة السورية في إصلاح قطاع الكهرباء، إذ يوفر وقوداً مستقراً وفعّالاً لتشغيل محطات توليد الغاز التي كانت تعمل منذ سنوات بطاقات منخفضة، نتيجة تداعيات الحرب وسياسات النظام المنهار غير المستدامة في إدارة ملف الطاقة.
وأوضح معراتي أن المورد الجديد سيساهم تدريجياً في رفع عدد ساعات التغذية، لا سيما في المناطق السكنية الحيوية، مما سينعكس إيجاباً على الاستقرار الاجتماعي وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
وفيما يخص الكميات، أشار معراتي إلى أن حجم الإمدادات اليومية المتوقعة من الغاز الأذربيجاني يبلغ نحو 3.4 مليون متر مكعب يومياً، يجري توزيعها وفق خطة مرنة تضمن تخصيص النسبة الأكبر منها لمحطات الكهرباء.
وستُخصص حصة أقل لدعم القطاع الصناعي الاستراتيجي، مع الاحتفاظ بجزء احتياطي للحالات الطارئة، بينما يجري دعم القطاع الخدمي بشكل غير مباشر من خلال تحسن التغذية العامة للكهرباء.
وأضاف معراتي أن هذا المشروع سيسهم في تقليص فجوة العجز الحاد في إنتاج الطاقة، في ظل تراجع الإنتاج المحلي من الغاز والفيول، وتضرر الشبكات ومحطات التوليد نتيجة الحرب.
وأكد أن الوزارة تخطط لتشغيل محطتي دير علي وتشرين الغازيتين بطاقة شبه كاملة، مع احتمال إعادة تأهيل وحدات متوقفة في محطات الزارة وبانياس لتعمل بالغاز الأذربيجاني، وهو ما سيزيد من القدرة التوليدية ويمنح النظام الكهربائي مرونة تشغيلية أكبر.
هيكل الطاقة السوري
ويأتي ذلك في ظل تحديات معقدة لا تزال تواجه هيكل الطاقة في سوريا، أبرزها انخفاض الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، وتآكل شبكات التوزيع، والفقدان الكبير في عملية النقل نتيجة التعديات وسوء البنية التحتية.
وحسب معراتي، فإن الذروة اليومية للطلب على الكهرباء تتجاوز 7 آلاف ميغاواط، في حين أن المتاح لا يتجاوز حالياً 2500 ميغاواط فقط.
وتتفق هذه التصريحات مع ما نقلته وكالة "سانا" الرسمية عن وزير الطاقة محمد البشير، الذي أكد أن المرحلة الأولى من المشروع المدعوم بمساهمة قطرية، ستتيح إنتاجاً إضافياً للطاقة الكهربائية بواقع 750 ميغاواط، ما سيؤدي إلى زيادة ساعات التغذية اليومية بنحو 4 ساعات إضافية، ويدعم عجلة التنمية الاقتصادية والصناعية.
ووجّه البشير شكره للدول الثلاث الشريكة—أذربيجان وتركيا وقطر—على مواقفها الأخوية الداعمة لسوريا.
ينعكس المشروع أيضاً على تموضع سوريا الإقليمي في ملف الطاقة، خصوصاً بعد توقيع مذكرة تفاهم بين دمشق وباكو، خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى أذربيجان، والتي شملت التعاون في مجالات توريد الغاز واستكشاف النفط.
وصرّح القائم بالأعمال في سفارة أذربيجان بدمشق، ألنور شاه حسينوف، بأن تدفق الغاز الطبيعي إلى سوريا يشكّل حدثاً تاريخياً يعكس عمق علاقات التعاون بين البلدين، مؤكداً أن القيادة الأذربيجانية تولي أهمية خاصة لدعم سوريا الجديدة، ومشيراً إلى أن المشروع سيُسهم استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية للكهرباء بما يبشر بانتعاش اقتصادي مرتقب.
من جهته، أكد وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن عملية التوريد ستبدأ عبر ولاية كيليس إلى مدينة حلب اعتباراً من 2 أغسطس/آب 2025، مشيراً إلى أن الغاز سيكون مخصصاً لتوليد الكهرباء، في إطار اتفاق ثلاثي واضح المعالم بين أذربيجان وتركيا وسوريا.
وحول الاستدامة المستقبلية لهذا التعاون، أشار معراتي إلى أن الحكومة السورية تعتمد رؤية استراتيجية لإعادة هيكلة قطاع الطاقة عبر تنويع مصادر الإمداد، بما يشمل توقيع اتفاقيات متوسطة وطويلة الأجل مع شركاء موثوقين، والاستثمار في البنى التحتية الوطنية، مع التزام واضح بتوجيهات القيادة السياسية لتحقيق استقرار طويل الأمد في هذا القطاع الحيوي.
أهمية مركبة
وفي تعليقه على أهمية المشروع، أوضح مهندس البترول ومدير شركة سادكوب، حسن أبو قصرة، أن الغاز الأذربيجاني يشكل رافعة استراتيجية لقطاع الطاقة السوري الذي يرزح تحت ضغط الانهيار شبه الكامل منذ سنوات.
وأشار في حديثه إلى TRT عربي إلى أن البنية التحتية للطاقة باتت متهالكة، نتيجة الاستهداف الممنهج، ما جعل سوريا عاجزة عن توليد أو توزيع الكهرباء بكفاءة.
وأضاف: "الغاز الأذربيجاني سيسهم في سد فجوة كبيرة، ونتوقع أن يؤدي إلى تحسين ملموس في ساعات التغذية قد تصل إلى 10 ساعات يوميًا في بعض المناطق، وهو أمر لم نشهده منذ أكثر من عشر سنوات".
ولفت أبو قصرة إلى أن أهمية المشروع لا تقتصر على تحسين الخدمة المنزلية فقط، بل تمتد لتشمل إعادة تفعيل المنشآت الصناعية والمشافي والمدارس التي تعتمد بشكل أساسي على استقرار التيار الكهربائي، وهو ما من شأنه أن يعيد الحياة إلى الدورة الاقتصادية برمّتها.
كما أشار إلى أن الغاز الوارد سيُستخدم حصرياً في محطات توليد الكهرباء، مما يعزز الكفاءة التشغيلية ويقلل الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة المكلفة والملوثة.
تُعد سوريا من الدول التي تمتلك احتياطياً معتبراً من الغاز الطبيعي، إذ احتلت المرتبة الثالثة والأربعين عالمياً عام 2008 من حيث احتياطي الغاز المثبت، بواقع 240.7 مليار متر مكعب، بحسب تصنيف List of countries by natural gas proven reserves.
وبلغ إنتاجها اليومي من الغاز الطبيعي عام 2010 نحو 10 ملايين متر مكعب، وفقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة قبل اندلاع النزاع. وتتركز أبرز الحقول الغازية السورية في المنطقتين الوسطى والشرقية، ومن بينها حقول شاعر وجحار وأبو رباح في البادية الوسطى، إلى جانب حقول كونيكو والجبسة والطابية والرميلان في الشرق.
إلا أن معظم هذه الحقول وفق أبو قصرة تعمل اليوم بأقل من 50% من طاقتها الإنتاجية نتيجة الدمار الممنهج الذي تعرضت له خلال حكم نظام الأسد الساقط، ما أدى إلى شلل كبير في البنية التحتية لقطاع الطاقة.
وتعمل وزارة الطاقة السورية حالياً على إعادة تأهيل هذه الحقول وإعادتها إلى العمل بطاقتها الكاملة، إلا أن هذا المسار يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين في ظل محدودية الموارد وحجم الأضرار الواسع.