شارك في الاجتماع هشام الحيصة، أمين عام سلطة وادي الأردن ورئيس الجانب الأردني في اللجنة، وأسامة أبو زيد، معاون وزير الطاقة السوري ورئيس الجانب السوري.
وصرّح عمر سلامة، مساعد الأمين العام لشؤون الإعلام في وزارة المياه الأردنية، بأن الجانبين توصلا إلى اتفاق مبدئي بشأن عدد من النقاط المشتركة، أهمها ضمان توزيع عادل للمياه في حوض نهر اليرموك، الذي يُعد من أهم الروافد المائية في المنطقة.
وحسب البيان الرسمي، فقد جرى التوافق على: تطوير حوض نهر اليرموك بشكل مشترك، وتنفيذ مشاريع مائية ثنائية، بالإضافة إلى مراقبة مصادر المياه والتحكم فيها عن بُعد باستخدام أنظمة تقنية حديثة.
كما اتفق الطرفان على عقد اجتماع متابعة في العاصمة السورية دمشق يوم الثلاثاء (غداً)، لمواصلة النقاشات المتعلقة بواقع السدود وسبل ضمان الحقوق المائية لكلا البلدين.
يُذكر أن نهر اليرموك يُعد أحد أكبر الروافد المائية التي تصب في الأردن، إذ يبلغ طوله نحو 57 كيلومتراً، منها 47 كلم داخل الأراضي السورية، فيما يتدفق الجزء المتبقي عبر الأراضي الأردنية.
ينبع النهر من بحيرة المزيريب في محافظة درعا جنوبي سوريا، ويتدفق جنوباً ليشكّل جزءاً من الحدود الطبيعية بين سوريا والأردن، كما تغذيه روافد فرعية مثل وادي الرقاد القادم من هضبة الجولان السورية المحتلة.
هذا الاجتماع يُعد خطوة مهمة على طريق إعادة بناء الثقة والتعاون الفني بين عمان ودمشق، بعد سنوات من الجمود في الملفات المشتركة، وعلى رأسها ملف المياه.
"خطوة في اتجاه المصالح المشتركة"
يرى الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش أن مراجعة الاتفاقية المائية بين بلاده وسوريا تشكّل مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، في ظل التحديات المتفاقمة التي تواجه البلدين في ملف الأمن المائي.
وقال عايش في تصريحات لوكالة الأناضول، إن سوريا "تعاني من مشكلات مائية متزايدة بعد سنوات من الحرب التي دمّرت بنيتها التحتية، خصوصاً في قطاع المياه، ما أثر بشكل مباشر على قدرتها على التزود المائي". مضيفاً أن "الأردن يُعدّ من أفقر دول العالم مائياً، وبالتالي فإن التوصل إلى تفاهم جديد حول تقاسم مياه نهر اليرموك أنقذ البلدين من أزمة متفاقمة".
وحسب الخبير الأردني، فإن المياه كانت من أبرز ملفات الخلاف بين الأردن والنظام السوري السابق، إلى جانب قضايا أخرى مثل تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود.
وتعود جذور الخلافات المائية إلى الاتفاقية الثنائية الموقعة عام 1957، التي جرى تعديلها في 1987، وتنص على تنظيم تقاسم مياه نهر اليرموك والسماح بإقامة 27 سداً فقط على روافده.
لكنَّ النظام السوري السابق، حسب عايش، ارتكب خروقات كبيرة تمثلت في بناء نحو 50 سداً وخزاناً إضافياً، فضلاً عن حفر نحو 10 آلاف بئر في منطقة الحوض، وهو ما أدى إلى انخفاض تدفقات مياه اليرموك إلى الأردن إلى أقل من 50 مليون متر مكعب سنوياً، في حين أن الاتفاقية كانت تستهدف تدفقات تُقدّر بـ200 مليون متر مكعب.
وأشار الخبير إلى أن جلسة المراجعة الأخيرة بين الجانبين شهدت تحسناً ملحوظاً في معالجة هذه الملفات العالقة، لا سيما في ما يخص ملف المياه، مضيفاً أن إعادة تفعيل سد الوحدة بوصفه مشروعاً مشتركاً أعاد للنهر تدفقاته الطبيعية وفتح المجال لتعاون تقني ومؤسساتي بين البلدين.
وأكد عايش ضرورة إعادة تقييم جدوى السدود التي أنشأها النظام السوري السابق، نظراً إلى تأثيرها السلبي على الحصة المائية الأردنية، مشيراً إلى أن تلك السياسات تسببت في خسارة سنوية تُقدّر بـ200 مليون متر مكعب من المياه، ما اضطر الأردن إلى الإنفاق على حلول بديلة مكلفة.
في سياق متصل، حذّر عايش من أن نصيب الفرد من المياه في الأردن انخفض إلى 60 متراً مكعباً سنوياً فقط، وهو ما يُعد أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي البالغ 500 متر مكعب، مؤكداً أن هذا الانخفاض يشكّل ضغطاً هائلاً على معيشة المواطنين ويضاعف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية.
وأشاد عايش بالخطوات الأخيرة التي نفذتها الحكومة السورية الجديدة، والتي شملت وقف العمل بآبار المياه غير المرخصة التي حفرتها جهات خارجة عن الدولة، إضافةً إلى مصادرة معدات الحفر، وتعهّدها باتخاذ إجراءات حازمة لضبط التجاوزات في حوض اليرموك.
ويُنظر إلى هذه الخطوات بوصفها بدايةً مشجِّعة نحو تقاسم عادل ومنصف للمياه بين الجانبين، بعد سنوات من الإهمال والتعديات التي تسببت في تدهور منسوب نهر اليرموك، وتهديد استدامة الموارد المائية في المنطقة.
وتتراوح حصة الفرد من الماء المستهلك للأغراض المنزلية في الأردن، وفقاً لتصريحات رسمية سابقة، بما بين 80 و120 لتراً يومياً، فيما تبلغ حصة الفرد السنوية لجميع الاستخدامات أقل من 100 متر مكعب، وهو ما يمثل أقل من 10 في المئة من خط الفقر المائي العالمي، الذي تُقدره الأمم المتحدة بنحو 1000 متر مكعب للفرد في السنة.
ويكشف التقرير السنوي الأخير الصادر عن وزارة المياه والري الأردنية في 2024، عن بلوغ التدفق السنوي من نهر اليرموك إلى سد الوحدة في 2023 نحو 23.73 مليون متر مكعب، ليسجل انخفاضاً في 2024 إلى 14.47 مليون متر مكعب فقط.
كما بلغ مخزون السد في 2023 نحو 3.85 مليون متر مكعب، مع تسجيل انخفاض أكبر في هذا المخزون خلال 2024.
نحو تعاون إقليمي أوسع
رأى الخبير الاقتصادي السوري جلال بكار أن مراجعة اتفاقية المياه بين سوريا والأردن تشكّل مؤشراً واضحاً على انفتاح الحكومة السورية الجديدة على محيطها الإقليمي، واعتبارها دول الجوار شركاء في تحقيق الأمن، وليسوا خصوماً.
وقال بكار إن "مراجعة الاتفاقية دليل على أن الحكومة السورية تنظر إلى دول الجوار بوصفها مصدر أمان ومنصة للحلول، لمعالجة الأزمات التي ورثها الشعب السوري عن سياسات النظام السابق"، في إشارة إلى الممارسات التي قوَّضت الثقة بين الجانبين، مثل حفر الآبار غير المرخصة والتدخلات في حوض نهر اليرموك.
ووصف الخبير السوري أهداف الاتفاقية الجديدة بأنها تسعى إلى تحقيق العدالة في تقاسم الموارد، وتجاوز الاختلالات التي طغت خلال عهد النظام المخلوع، بما في ذلك الخروقات الفنية والقانونية لاتفاقية 1987 الخاصة باستثمار مياه اليرموك.
ورجّح بكار أن تفتح مراجعة الاتفاقية الباب أمام تحسن في العلاقات السورية-الأردنية، وتُمهّد لتعاون إقليمي أوسع، خصوصاً في ظل ما وصفها بـ"حكومة سورية منفتحة على علاقات متوازنة مع دول الجوار، ومعنية بحل الملفات العالقة بصورة بنّاءة تسهم في استقرار المنطقة”.
في سياق متصل، أعلنت وزارة الإعلام السورية يوم الثلاثاء، أن الجانبين اتفقا على إعداد دراسة فنية شاملة لتقييم اتفاقية عام 1987، بهدف تحديثها بما يواكب المتغيرات المناخية والتحديات المائية الحديثة.
كانت دمشق قد استضافت، في 20 مايو/أيار الماضي، لقاءً جمع وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، إذ وقّع الطرفان مذكرة تفاهم لإنشاء وتفعيل "مجلس التنسيق الأعلى" بين البلدين، وهو ما يمثّل خطوة مؤسساتية جديدة لتعزيز التعاون الثنائي.
وشملت تلك المحادثات، حسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، بحث اتفاقية المياه بشكل يضمن الحقوق المائية العادلة للطرفين، إلى جانب تأكيد تفعيل اللجان المشتركة بين الوزارات المعنية في كلا البلدين.
يأتي هذا التحرك في ظل واقع جغرافي حساس، إذ ترتبط الأردن وسوريا بحدود برية تمتد إلى 375 كيلومتراً، ما جعل المملكة الأردنية من أكثر الدول تأثراً بالاضطرابات التي شهدتها سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011 حتى الحرب التي انتهت فعلياً في 2024.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات الأخيرة تعكس محاولة سورية لإعادة التموضع الإقليمي عبر مسارات تنموية وتعاونية، بعد سنوات من العزلة، وتفتح آفاقاً حذرة لمرحلة جديدة تقوم على المصالح المتبادلة والتنسيق الفني بدلًا من التوتر السياسي.