وقد جرى الاختبار قبالة سواحل مرسين في البحر الأبيض المتوسط، حيث أطلق الصاروخ من غواصة "TCG Preveze" محلية الصنع، ما يمثل خطوة مهمة في تعزيز القدرات البحرية التركية بأنظمة أسلحة محلية الصنع.
يُعَدّ صاروخ "أطمجة" البديل المحلي لصاروخ "هاربون" الأمريكي، ويُستخدم بالفعل على طرادات "أدا" وفرقاطات "بارباروس" المطورة. أما النسخة الجديدة المخصصة للإطلاق من الغواصات، فتتيح قدرة هجوم بعيدة المدى دون كشف موقعها، بما يعزز فاعليتها في العمليات البحرية.
وبنجاح الاختبار أصبحت تركيا ضمن مجموعة الدول القليلة التي تمتلك صواريخ مضادة للسفن تُطلَق من الغواصات، مثل الولايات المتحدة (UGM-84 Sub-Harpoon)، وفرنسا (SM-39 Exocet)، وروسيا (طرازات Kalibr)، ما يضيف بُعداً استراتيجياً جديداً للقوة البحرية التركية.
كيف تَطوَّر "أطمجة" إلى صاروخ غواصات؟
يواصل قطاع الصناعات الدفاعية التركية تحقيق قفزات نوعية في مجال تطوير الأسلحة البحرية، وكان آخرها التحديث الذي طرأ على صاروخ "أطمجة" ليصبح قابلاً للإطلاق من الغواصات. ووفقاً للكاتب والخبير في الشؤون الدفاعية نور الله أيدن، فإن هذا التطوير الاستراتيجي يعزز القدرات القتالية للقوات البحرية التركية، ويمنحها استقلالية أوسع في ساحة المعركة.
وتطورت إمكانيات صاروخ "أطمجة" من مجرد صاروخ مضاد للسفن إلى سلاح يمكن إطلاقه من الغواصات بفضل تقنية الكبسولة، وأوضح أيدن لـTRT عربي أن الشركات الدفاعية التركية عملت لفترات طويلة على تطوير هذه الكبسولة، التي تُثبَّت ويوضع الصاروخ بداخلها. وبعد إطلاقه يتقدم "أطمجة" تحت الماء لمسافة تصل إلى 70 ميلاً، قبل أن يخترق سطح البحر وينطلق نحو هدفه.
هذه الميزة تمنح الصاروخ مرونة تشغيلية عالية، وتزيد مداه وارتفاعه، كما تضمن حماية كبيرة للغواصة المستخدمة بفضل الدفاع الذي توفره ضد التهديدات البحرية المختلفة، سواء على السطح أو في الأعماق. بالإضافة إلى ذلك، يوفر هذا الصاروخ ميزة دفاعية برية تعزّز مستوى الحماية، بحسب الخبير.
كيف يعزز "أطمجة" النظام الدفاعي البحري لتركيا؟
يقول أيدن إن تطوير "أطمجة" يأتي ضمن استراتيجية تركيا لتعزيز اكتفائها الذاتي في الصناعات الدفاعية، بخاصة بعد العقوبات التي فُرضت عليها، مضيفاً أن "أطمجة" ليس مجرد نسخة من صاروخ أمريكي، بل هو نظام أكثر تطوراً من نظيره (Harpoon)، إذ يتمتع بمدى يصل إلى 250 كيلومتراً، مقارنةً بـ130-150 كيلومترا لـ"هاربون".
كما يتميز بتقنيات متطورة مثل تتبع الأهداف بالأشعة تحت الحمراء، وقدرته على التحليق المنخفض فوق سطح البحر بـ3-5 أمتار، فيما لا يوفر الصاروخ الأمريكي المعادل له هذه الميزة.
بخلاف "هاربون"، الذي تنتجه فقط الولايات المتحدة، فإن "أطمجة" منتج محلي بالكامل، بما يعزِّ استقلالية تركيا في استخدامه. ويوضح أيدن أن "هاربون"، يمكن تعطيله من بُعد، بما يجعل الاعتماد عليه في الحروب محفوفاً بالمخاطر، "لذلك فإن التوترات الجيوسياسية تجعل من الضروري امتلاك أسلحة لا تخضع لقيود القوى الخارجية".
في المقابل، يمنح تطوير "أطمجة" تركيا استقلالية تشغيلية كاملة، ويقلّل اعتمادها على الأسلحة الأجنبية، كما أن التكلفة العالية للصواريخ المستوردة -التي تصل إلى 1.6 مليون دولار للصاروخ الواحد- تجعل الاستثمار في الإنتاج المحلي خياراً استراتيجياً واقتصادياً، وفق أيدن.
ويؤكد أيدن أن قدرة تركيا على تطوير "أطمجة" تمنحها حرية كبيرة في تحديد كميات الإنتاج وفقاً لاحتياجاتها العسكرية، موضحاً أنه "في حال اندلاع حرب، سيكون بمقدور تركيا إنتاج العدد اللازم من الصواريخ بلا حاجة إلى انتظار شحنات من الخارج، وهو ما يمنحها ميزة استراتيجية كبيرة، وهذه النقطة تعد محورية، بخاصة مع التغيرات المستمرة في السياسة الدولية وعدم القدرة على التنبؤ بمواقف الدول الكبرى".
فرصة للتوسع في الأسواق العالمية
يرى أيدن أن تطوير "أطمجة" يمنح تركيا فرصة لتوسيع نفوذها في سوق الأسلحة الأوروبية، بخاصة أنه مع تزايد التوترات بين الدول الغربية والولايات المتحدة، بدأ عديد من الدول الأوروبية يدرك أهمية تقليل الاعتماد على واشنطن في التسلح.
ويتابع: “وبما أن تركيا عضو في حلف الناتو، فإن ذلك يجعلها بديلاً موثوقاً به ويسهل على الدول الأوروبية تبرير شراء الأسلحة منها، بدلاً من اللجوء إلى مورّدين من خارج الحلف مثل الصين وروسيا”.
ويكشف أيدن وجود خطط لتوسيع استخدام "أطمجة" ليشمل منصات أخرى غير البحرية، بحيث تطور نسخ يمكن إطلاقها من البحر إلى البر، ومن البر إلى البحر، بما يعزز قدراته العملياتية ويجعله عنصراً رئيسياً في منظومة الدفاع التركية.
بدأ تطوير صاروخ "أطمجة" عام 2009، وهو صاروخ كروز مضاد للسفن يتميز بقدرته على العمل في مختلف الظروف الجوية، ويعتمد على نظام توجيه متطور يدمج بين تقنيات الملاحة عبر الأقمار الصناعية (GPS)، والملاحة بالقصور الذاتي، إضافة إلى مقياسي ارتفاع بارومتري وراداري.
كما يُستخدم باحثاً رادارياً نشطاً لتحديد الأهداف بدقة عالية، في حين يتيح له رابط البيانات تعديل مساره في أثناء الطيران، بما يمكِّنه من تغيير الهدف، أو إعادة الاشتباك، أو حتى إلغاء المهمة عند الحاجة.
ويبلغ طول "أطمجة" ما بين 4.8 و5.2 متر، ويزن أقل من 800 كيلوجرام، ويُزوَّد برأس حربي خارق يزن 250 كيلوجراما، ويصل مداه إلى أكثر من 220 كيلومتراً، فيما تتجاوز نسخة الإطلاق البري، المعروفة باسم "قارا"أطمجة"، مدى 280 كيلومترا.
وأثارت هذه القدرات اهتماماً دولياً ملحوظاً، إذ وقّعت إندونيسيا صفقة في عام 2022 لشراء 45 صاروخاً من طراز "أطمجة"، المضاد للسفن، في حين تخطّط ماليزيا لاستخدامه على الجيل الثاني من سفن المهامّ الساحلية التابعة لها.