التحليل الذي لم يُنشر من قبل، أنجزه مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، واكتمل في أواخر يونيو/حزيران 2025.
وقد راجع التقرير 156 واقعة فقدان أو سرقة مساعدات أمريكية، أبلغت عنها منظمات إغاثة شريكة، خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024.
وحسب شرائح عرض اطّلعت عليها وكالة رويترز، لم يجد التحليل "أي تقارير تشير إلى أن حماس استفادت من تلك الإمدادات".
رغم ذلك، نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية صحة هذه النتائج، زاعماً وجود "أدلة مصوّرة" على استيلاء حماس على المساعدات، لكنه لم يقدّم أي فيديوهات أو أدلة ملموسة، متهماً في المقابل المنظمات الإنسانية بـ"التستر على فساد الإغاثة".
وأوضح مصدران مطلعان أن نتائج التحليل جرى تسليمها لمكتب المفتش العام للوكالة ولمسؤولين في وزارة الخارجية معنيين بملف الشرق الأوسط، في وقت يعاني سكان غزة من نقص غذائي كارثي.
ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن نحو 25% من سكان غزة (2.1 مليون نسمة) يواجهون ظروفاً تقترب من المجاعة، فيما يعاني آلاف من سوء التغذية الحاد، وتوثّق منظمة الصحة العالمية وفرق طبية حالات وفاة أطفال بسبب الجوع.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 1000 شخص خلال محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية، معظمهم بالقرب من مواقع التوزيع التابعة لمنظمة "غزة الإنسانية"، وهي كيان إغاثي خاص جديد يعمل عبر شركة لوجستية أمريكية ربحية يديرها ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إلى جانب عسكريين أمريكيين سابقين.
وأبرز التقرير أن 44 من أصل 156 واقعة سرقة أو فقدان كانت مرتبطة "بشكل مباشر أو غير مباشر" بإجراءات عسكرية إسرائيلية، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية الجيش الإسرائيلي في تعطيل وصول المساعدات.
يُذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كانت أكبر ممول للمساعدات الموجهة لغزة، قبل أن تُجمد إدارة الرئيس دونالد ترمب جميع المساعدات الخارجية في يناير/كانون الثاني 2020، وتبدأ لاحقاً في تفكيك الوكالة وإدماج مهامها ضمن وزارة الخارجية.
ودائماً ما بررت إسرائيل الحصار المفروض على قطاع غزة باتهام حركة "حماس" بسرقة المساعدات الغذائية المقدّمة من الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية أخرى.
لكن هذه المزاعم تنفيها حركة حماس والمنظمات الدولية والفلسطينية، التي أكدت مراراً التزامها قواعد العمل الإنساني.
وتشير التقارير إلى أن قوات الاحتلال قتلت أكثر من 800 عنصر من الشرطة الفلسطينية خلال محاولتهم تأمين قوافل المساعدات وتسهيل مرورها، رغم أن مهامهم كانت منسّقة مسبقاً مع الأمم المتحدة.
كما رفضت الأمم المتحدة وعدة منظمات إغاثية دولية دعوات للتعاون مع "مؤسسة غزة الإنسانية" -الكيان المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل- مؤكدة أن هذه المؤسسة تنتهك مبادئ الحياد والاستقلال في العمل الإنساني الدولي، وهو ما يهدد ثقة المجتمع المدني المحلي والمنظمات الشريكة في بيئة العمل الإغاثي داخل القطاع.
إسرائيل مسؤولة عن ربع الحوادث
قدّمت وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عاملة في قطاع غزة 156 بلاغاً عن سرقة أو فقدان إمدادات، استجابةً لمتطلبات الحكومة الأمريكية كشرط للحصول على التمويل.
وقد راجع هذه البلاغات مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ضمن تحليل شامل أُنجز في يونيو/حزيران.
وحسب مصادر مطلعة تحدثت لوكالة رويترز، تواصل موظفو الوكالة الأمريكية مع المنظمات الشريكة للتحقق مما إذا كانت حماس متورطة في أي من هذه الحوادث.
وقال أحد المصادر إن بعض المنظمات قد توقِف أو تعيد توجيه المساعدات إذا ثبت وجود مسلحين تابعين لحماس في مناطق التوزيع.
لكن النتائج النهائية، كما ورد في شرائح عرض داخلية اطلعت عليها رويترز، أظهرت أن من بين الـ156 واقعة: 63 واقعة نُسبت إلى جهات مجهولة، و35 إلى عناصر مسلحة (وصفت بأنها "عصابات أو أفراد يحملون أسلحة")، و 25 إلى مدنيين غير مسلحين، و11 إلى أعمال عسكرية إسرائيلية مباشرة، و11 إلى متعاقدين فاسدين، و5 إلى عاملين في منظمات إغاثية متورطين في فساد، بالإضافة إلى 6 إلى فئة "أخرى" تشمل "سرقات غامضة أو غير مفسّرة".
كما أكدت إحدى الشرائح أن "مراجعة كل الوقائع لم تكشف عن أي ارتباط بتنظيمات مصنفة إرهابية من الولايات المتحدة، مثل حماس"، في نفي مباشر للاتهامات المتداولة.
وأضافت شريحة أخرى أن "معظم الحوادث لم تُنسب بشكل قاطع إلى جهة محددة، إذ غالباً ما تكتشف المنظمات الشريكة فقدان الإمدادات في أثناء النقل دون معرفة هوية الجاني".
وفي ما يتعلّق بمسؤولية الاحتلال الإسرائيلي، وجد تحليل المكتب أن الجيش الإسرائيلي كان مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر عن 44 من أصل 156 حادثة (أي نحو 28%). وتشمل هذه الحوادث: 11 واقعة نتجت عن عمليات عسكرية مباشرة، مثل الغارات الجوية أو إجبار السكان على إخلاء مناطق.
أما الحوادث غير المباشرة، فتشمل حالات اضطُرت فيها منظمات الإغاثة إلى استخدام طرق شديدة الخطورة بسبب رفض إسرائيل تأمين ممرات بديلة، مما سهّل عمليات السرقة والنهب.
من جهته، قال مصدر مطّلع على تقييمات الاستخبارات الأمريكية إنه لا توجد تقارير استخبارية أمريكية تثبت تورط حماس في تحويل المساعدات، مضيفاً أن البيت الأبيض يستند في هذه الاتهامات إلى تقارير إسرائيلية، لا إلى مصادر استخباراتية مستقلة.