حملت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منطقة الخليج كثيراً من الرسائل والدلالات، بعد سلسلة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها أنقرة مع عواصم خليجية وازنة في مجالات مختلفة، أبرزها الدفاع والاستثمار والطاقة والاقتصاد.
واختتم أردوغان جولة خليجية بدأها بزيارة السعودية في 17 يوليو/تموز الجاري، ثم وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة بعد يوم واحد، قبل أن يختتمها بزيارة دولة الإمارات في 19 من الشهر ذاته.
وقال الرئيس التركي بعد عودته، إنّ بلاده ستعزز تعاونها مع دول الخليج، الأمر الذي سيعود بالفائدة على اقتصاد تركيا، مؤكداً عقد اجتماعات مثمرة للغاية تناولت قضايا إقليمية ودولية، وبحثت سُبل تعزيز التعاون وفق مبدأ "اربح- اربح".
ولكن ما أبرز الاتفاقيات التي وُقّعت خلال جولة أردوغان الخليجية، التي تُعد الأولى من نوعها في المنطقة بعد الانتخابات الأخيرة في مايو/أيار 2023؟
أردوغان في جدّة
في محطته الأولى شهد الرئيس أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان توقيع جملة من الاتفاقيات بعد جلسة مباحثات رسمية جمعتهما في جدّة، تطرقت إلى العلاقات الثنائية وآفاق التعاون المشترك وفرص تطوره في مختلف المجالات.
ووقّع وزيرا الطاقة في البلدين على مذكرة تفاهم للتعاون، فيما وقّع وزير الاستثمار السعودي ورئيس مكتب الاستثمار بالرئاسة التركية على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاستثمار المباشر، علاوةً على مذكرة تفاهم في المجال الإعلامي.
وحظي توقيع وزيري الدفاع في المملكة وتركيا على خطة تنفيذية للتعاون في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير، باهتمام واسع، كما وقّع الجانبان على عقدَي استحواذ بين وزارة الدفاع السعودية وشركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبهما الرياض على طائرات مسيَّرة بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية، وفق وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.
ووصف المدير العام لشركة "بايكار" خلوق بيرقدار،الاتفاقية بأنّها "أكبر صفقة تصدير في مجال الدفاع والطيران بتاريخ الجمهورية التركية"، كاشفاً أنّ التعاون يخص مسيرات "أكنجي تيها" الهجومية.
ولم تتوقف الاتفاقيات عند هذا الحدّ فحسب، بل شهد منتدى الاستثمار السعودي التركي توقيع 9 مذكرات تفاهم، شملت مجالات الطاقة والعقار والبناء والتعليم والتقنيات الرقمية والصحة والإعلام، في إطار مساعي أنقرة والرياض لزيادة قيمة التجارة البينية إلى أكثر من 30 مليار دولار.
وقبل زيارة أردوغان بأسبوع، وقّعت شركات تركية وسعودية 16 اتفاقية تعاون في مجالات مختلفة، أبرزها الصناعة والعقارات خلال منتدى الأعمال التركي السعودي الذي عُقد بإسطنبول، بمشاركة وزير التجارة التركي عمر بولاط ووزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودي ماجد الحقيل.
أردوغان في أبوظبي
وفي محطته الخليجية الأخيرة تبادل الرئيس أردوغان ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين، وصلت قيمتها إلى 50.7 مليار دولار، علاوةً على إعلان اتفاق لإنشاء "لجنة استراتيجية عليا".
وشملت الاتفاقيات الثنائية الموقّعة التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، وتسليم المجرمين بين البلدين، والتعاون القانوني والقضائي في المسائل المدنية والتجارية، علاوةً على المسائل الجنائية.
ووقّع الطرفان على اتفاقية للشراكة الإستراتيجية تتعلق بتطوير مشاريع الطاقة والموارد الطبيعية، إضافةً إلى إعلان مشترك لإنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة.
بدورها وقّعت أنقرة وأبوظبي مذكرات تفاهم في مجالات التحوّل الرقمي، وتطوير قدرات مركبات الإطلاق المشتركة للأغراض التجارية بين وكالة الإمارات للفضاء، ووزارة العلوم والتكنولوجيا في تركيا، ووكالة الفضاء التركية. في حين وقّع مكتب الاستثمار بالرئاسة التركية مذكرتَي تفاهم مع مكتب أبوظبي للاستثمار ومجلس الإمارات للمستثمرين في الخارج.
وأبرم الجانبان مذكرة تفاهم في التعاون الاستراتيجي بمجال الصناعات الدفاعية، فيما وقّعت شركة أبوظبي القابضة مع بنك إكسيم التركي، مذكرة تفاهم بمجال تمويل ائتمان الصادرات، ومذكرة أخرى مع وزارة المالية والخزانة التركية للتمويل عن طريق الصكوك المالية للإغاثة من الزلازل، بلغت قيمتها 8.5 مليارات دولار، حسب صندوق أبوظبي السيادي.
وأضاف الصندوق في بيان له، أنّه وقّع أيضاً اتفاقية منفصلة مع بنك ائتمان الصادرات التركي بقيمة تصل إلى إجمالي ثلاثة مليارات دولار لتقديم حلول تمويل ائتماني للشركات التركية مع خطط لتصدير السلع والخدمات إلى دولة الإمارات وغيرها من الأسواق الأخرى.
وكذلك شهد منتدى الأعمال الإماراتي-التركي، في أبوظبي، إعلان اتفاقيتَين لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال الصادرات وقطاعات التشييد والبنية التحتية والطاقة والضيافة.
أمّا شركة "ألفا ظبي القابضة"، فوقّعت مذكرة تفاهم مع مجموعة "ليماك" التركية، لاستكشاف الفرص المتاحة وآفاق إقامة مشاريع مشتركة في مجالات البناء والتطوير والبنية التحتية والطاقة والضيافة، إضافةً إلى بناء وإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بزلزال فبراير/شباط 2023.
وقال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي، إنّ "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقّعة بين الإمارات وتركيا ستدخل حيز التنفيذ خلال سبتمبر/أيلول المقبل"، مؤكداً أنّها "ستسهم في تدشين حقبة جديدة من التكامل الاقتصادي مدعومة بعلاقات تجارية واستثمارية وطيدة قائمة على تحقيق المصالح المشتركة".
ولفت الزيودي إلى أنّ إجمالي التجارة البينية غير النفطية بلغ 18 مليار دولار في عام 2022، بنمو 40% مقارنةً بعام 2021، وبزيادة بلغت 112% عن عام 2020، لتصبح تركيا الشريك الأسرع نمواً بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات حول العالم، كما زاد الرصيد الإجمالي للاستثمارات المتبادلة بين الدولتين ليصل إلى 20 مليار دولار.
التزام قطري-تركي
وبين محطتَي جدّة وأبوظبي حلّ الرئيس أردوغان ضيفاً على الدوحة، حيث أشاد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمستوى التعاون القطري-التركي في المجالات الحيوية، لا سيّما في قطاعات الاستثمار والتبادل التجاري والسياحة والثقافة.
وجرى التأكيد خلال مباحثات الزعيمين على "الرغبة القوية لدى البلدين بتعميق التعاون الثنائي بينهما من خلال تعزيز التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية"، إلى جانب التزامهما بالعمل معاً لتعزيز وضعهما على الخريطة الاقتصادية العالمية.
وحسب بيان للديوان الأميري القطري، اتفق الجانبان على تكثيف عمل الفِرق الفنية المشتركة بينهما لتحديد الفرص الاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة، لا سيّما في مجالات تمويل الصادرات والسياحة والطاقة النظيفة والمجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
وشهد الزعيمان التوقيع على البيان المشترك بين البلدين بمناسبة مرور 50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية القطرية-التركية.
جولة ناجحة
ويقول الخبير الاستراتيجي والأمني الكويتي خالد الصلال إنّ جولة الرئيس أردوغان كان هدفها اقتصادي وسياسي، مشيراً إلى أنّها خطوة ذكية وإيجابية باتجاه تطور العلاقات التركية-الخليجية وتعزيزها.
ويصف الصلال في حديثه مع TRT عربي، جولة أردوغان بأنّها "ناجحة بكل المقاييس، ولصالح جميع الأطراف"، مستشهداً برغبة دول الخليج في شراء الأسلحة التركية والاستثمار في الصناعات التركية المتطورة.
ويوضّح أنّ تركيا هي ثاني أكبر دولة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، معتقداً أنّ الدول الخليجية من الممكن أن تستفيد من قدرات تركيا العسكرية، وبخاصةً أنّ موقع أنقرة الجغرافي بمنزلة جسر بين الغرب والدول العربية والإسلامية.
ويلفت إلى أنّ تركيا هي الدولة الوحيدة المسلمة في الناتو، وتريد أن تكون لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز مصالحها الأمنية، في ظل تراجع الالتزام الأمريكي لأمن الخليج بالسنوات الأخيرة.
ويؤكد الصلال (وهو مسؤول خليجي سابق) أنّ تركيا دولة فاعلة ومؤثرة في السياق الإقليمي والدولي، تقدّم نفسها للخليج شريكاً جديداً يمكن الاعتماد عليه في المجالات الأمنية والدفاعية وغيرها، مستدلاً بالصفقات التي أُبرمت في الصناعات العسكرية مثل مسيرات بيرقدار التي أثبتت نجاحاً كبيراً وغيرها من المعدات العسكرية.
ويبين الخبير الإستراتيجي والأمني أنّها، بموازاة امتلاك تركيا جيشاً قوياً في الناتو وصناعات عسكرية متطورة، تعتبر دول الخليج غنية ولديها موارد النفط والطاقة، ما يعني أنّ "بين الجانبين دوراً تكاملياً له تأثير في التوازنات الإقليمية بالمنطقة"، لافتاً إلى أنّ هذا الوضع "يجعل أنقرة قوة إقليمية مهمة كبرى متكاملة مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية".
ويشير الصلال إلى أنّ جولة أردوغان جاءت بوقت مناسب، لا سيّما أنّ الدول الخليجية تسعى للاستثمار في تركيا، لأن الأخيرة بلد مهم جداً وخصب للمشاريع الاستثمارية التي تخلق فرصة شراكة لدول الخليج تساعدها في خطتها لتنويع نظامها الاقتصادي بعيداً عن صادرات النفط والغاز.