وتُعد المنشآت النووية الإيرانية الهدف الأبرز في هذه الهجمات، إذ يركز جيش الاحتلال على محاولة تحييد البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، بالاعتماد بشكل شبه كامل على سلاح الجو في هذه المرحلة. لكن التحصينات الهندسية العميقة التي تُحيط بالمنشآت الرئيسية، مثل فوردو ونطنز، تُبقي على تساؤلات مفتوحة حول مدى فاعلية الذخائر المستخدمة وقدرتها على اختراق تلك الأعماق وتدمير الأهداف الحساسة.
وفي تطور لافت، ازدادت خلال الساعات الماضية التكهنات حول احتمال دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة. ونقلت وكالة الأنباء البريطانية "بي إيه ميديا" صباح الأربعاء، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عقد اجتماعاً طارئاً مع مجلس الأمن القومي في "غرفة العمليات" بالبيت الأبيض، وسط مشاورات بشأن طبيعة الرد الأمريكي الممكن.
وتكمن أهمية أي تدخل عسكري أمريكي محتمل في نوعية القاذفات والأسلحة الخارقة التي تمتلكها واشنطن، وعلى رأسها القنابل الثقيلة مثل GBU-57/B، التي قد تكون الوحيدة القادرة على إحداث اختراق فعّال في تحصينات المنشآت النووية الإيرانية، والتي حالت حتى الآن دون تحقيق "شلل كامل" في قدرات طهران النووية.
القنابل
أشارت دراسة صادرة عن المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة (RUSI) في مارس/آذار 2025 إلى أن قلة فقط من الذخائر الخارقة التي تمتلكها الولايات المتحدة وإسرائيل يمكن أن تُحدث تأثيراً عسكرياً ملموساً على المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما تلك المدفونة على أعماق كبيرة مثل موقعي فوردو ونطنز الجديد.
وتحت عنوان "التحديات المرتبطة بالضربات العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني"، قالت الدراسة إن القنبلة الأمريكية GBU-57/B تُعد الأقوى في الترسانة الغربية، بوزن يبلغ نحو 13.6 طن، وقدرة اختراق تصل إلى 60 متراً من الخرسانة المسلحة.
وتُطلق هذه القنبلة من القاذفة الشبح B-2، ومن المقرر دمجها مستقبلاً على القاذفة B-21 Raider، ما يجعلها -نظرياً- الخيار الوحيد القادر على استهداف المنشآت المحصنة في العمق الإيراني.
وفي المرتبة الثانية، تناولت الدراسة القنبلة الأمريكية GBU-72/B التي يبلغ وزنها 2.27 طن، وهي من الجيل الأحدث ضمن الذخائر الخارقة. ورغم أن بيانات الاختراق الدقيقة غير معلنة، فإن تقديرات RUSI تشير إلى أن القنبلة قادرة على اختراق أكثر من 10 أمتار من الخرسانة، وتُستخدم عبر مقاتلات F-15E وقاذفات B-2، ما يجعلها مناسبة لضرب المداخل أو المنشآت الأقل عمقاً.
في السياق ذاته، تمتلك إسرائيل صواريخ جو-أرض من طراز ROCKS بوزن 1.8 طن، وصواريخ Air LORA بوزن يقارب 1.59 طن، وكلاهما مزود برؤوس خارقة.
ووفق الدراسة، يمكن لهذه الصواريخ اختراق أكثر من 6 أمتار من الخرسانة، لكنها تبقى أقل دقة من القنابل الموجهة في استهداف المنشآت المدفونة.
كما تشير الدراسة إلى أن القنبلة GBU-28، المستخدمة من كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، بوزن 1.81 طن، قادرة على اختراق نحو 6 أمتار من الخرسانة، ما يجعلها فعالة ضد منشآت متوسطة العمق، ولكنها غير كافية لاختراق مواقع استراتيجية شديدة التحصين.
ومن بين الذخائر الأمريكية الأخرى، ترصد الدراسة القنبلة AGM-154C JSOW، التي تزن 0.5 طن وتُطلق من طائرات F/A-18E/F، وقدرتها الاختراقية تتراوح بين 4 و6 أمتار، بشرط توافر معلومات دقيقة عن نقاط الضعف في الهيكل المستهدف.
وتُبرز الدراسة القنبلة BLU-116، بوزن 0.9 طن، والمُخصصة لاختراق قرابة 4 أمتار من الخرسانة المسلحة، وتُستخدم على نطاق واسع عبر منصات مثل F-16 وF-35.
أما القنبلة BLU-109B، التي تزن الوزن ذاته، فتستخدمها إسرائيل والولايات المتحدة بشكل مكثف، لكنها لا تخترق سوى 1.8 متر، وهو ما يجعلها غير فعالة ضد التحصينات العميقة.
وفي الفئة الأخف وزناً، تشير الدراسة إلى القنبلة GBU-39، التي تزن 0.11 طن فقط، وتستخدمها الطائرات الشبحية مثل F-35 وF-16، وتبلغ قدرتها الاختراقية أقل من متر واحد، ما يجعلها مناسبة للأهداف السطحية فقط.
كما استعرضت الدراسة القنبلة الإسرائيلية MPR-500، بوزن 0.23 طن، والمخصصة للضربات التكتيكية محدودة العمق، بقدرة اختراق تصل إلى متر واحد، وتُستخدم بكفاءة على المقاتلات الإسرائيلية من طرازي F-15 وF-16، وتتميز بخفة وزنها وسهولة حمولتها.
وحسب تقدير المعهد البريطاني، فإن التحدي الأكبر لا يكمن في توفر الذخائر فحسب، بل في الحاجة إلى معلومات استخباراتية دقيقة، وضربات متكررة على نقطة واحدة لتحقيق اختراق فعلي، وهو ما يجعل أي ضربة محدودة ضد المنشآت النووية الإيرانية محكومة بسقف عملياتي واضح، يتطلب تفوقاً جوياً وتنسيقاً استثنائياً في التنفيذ.
التحصين
وأوضحت الدراسة السابقة أن المنشآت النووية الإيرانية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً على المستويين الفني والهندسي، مع توسّع ملحوظ في قدرات التخصيب وتحصين المنشآت تحت الأرض، بما يعقّد من إمكانية استهدافها عسكرياً بشكل فعّال.
وحسب البيانات التي استعرضها المعهد، فإن منشأة نطنز لتخصيب الوقود (FEP)، إحدى أبرز محطات التخصيب في إيران، تضم حتى فبراير/شباط 2025 نحو 96 جهاز طرد مركزي موزعة على أربعة طرازات: 36 من طراز IR-1، و39 من طراز IR-2m، و18 من طراز IR-4، و3 من طراز IR-6. وتُستخدم هذه الأجهزة لتخصيب اليورانيوم حتى 5% من نظير اليورانيوم-235.
أما من الناحية الهندسية، فتقع منشأة نطنز على عمق تقديري يبلغ نحو 8 أمتار تحت سطح الأرض، تعلوها طبقة خرسانية بسمك 2.5 متر، إضافة إلى نحو 22 متراً من التربة. وتشير تقديرات هندسية أخرى إلى أن سقف الحماية قد يصل إلى 12 متراً من الخرسانة المسلحة، ما يجعل اختراقها تحدياً تقنياً كبيراً حتى باستخدام الذخائر الخارقة.
في السياق ذاته، تُعد منشأة فوردو لتخصيب الوقود (FFEP) واحدة من أكثر المنشآت الإيرانية تحصيناً. وتُشير أرقام RUSI إلى أنها تضم 16 جهاز طرد مركزي، بينها 6 من طراز IR-1، و10 من طراز IR-6، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم عند مستويات متعددة تتراوح بين 2% و60%، ما يقرّبها تقنياً من إنتاج وقود قابل للاستخدام في الأسلحة النووية.
وتُقدّر الدراسة أن المنشأة مدفونة على عمق يتراوح بين 80 و90 متراً تحت الأرض، ما يجعل تدميرها باستخدام القنابل الجوية التقليدية أمراً بالغ الصعوبة.
وتُضيف الدراسة أن إيران لا تعتمد فقط على المنشآت المدفونة، إذ يوجد عدد من المواقع النووية الحساسة فوق سطح الأرض، ما يجعلها نظرياً أهدافاً أكثر عرضة للاستهداف في أي ضربة عسكرية.
ومن بين هذه المواقع: منشأة تخصيب الوقود التجريبية (PFEP) في نطنز، ومفاعل خُنداب للماء الثقيل في أراك -الذي لم يُفعّل بعد- إلى جانب منشآت تحويل اليورانيوم وتصنيع الوقود في مدينة أصفهان.
ويُحذّر التقرير من أن الجمع بين البنية التحتية المعقدة والمنشآت المنتشرة فوق الأرض وتحتها، يشير إلى أن أي عملية عسكرية تهدف إلى تحييد البرنامج النووي الإيراني تتطلب قدرات هندسية واستخباراتية غير مسبوقة، وحملة متعددة المراحل، وليست مجرد ضربة واحدة خاطفة.
هل يحسم الخيار العسكري البرنامج؟
ووفق الدراسة، فإن التحدي لا يقتصر فقط على نوع الذخيرة المستخدمة، بل يشمل أيضاً طبيعة التحصينات الميدانية والبنية الداخلية للمواقع النووية.
وحسب التقرير، تختلف قدرة اختراق كل سلاح بشكل كبير حسب المواد التي تغطي الهدف. فالسلاح القادر على اختراق عشرات الأمتار من التربة المدموكة أو الرمال قد لا يتجاوز بضعة أمتار عند اصطدامه بالخرسانة المدنية، وتنخفض القدرة أكثر في حالة مواجهة الخرسانة المسلحة عالية الكثافة.
وتشير التقديرات إلى أن غالبية المنشآت الإيرانية محمية بطبقات متعددة من الخرسانة، والصخور، والتربة المضغوطة، ومواد إنشائية أخرى، ما يزيد من تعقيد عملية الاستهداف.
كما يلعب تخطيط المنشأة دوراً محورياً في تحديد نقطة التصويب وآلية التفجير المناسبة. على سبيل المثال، المنشآت المدفونة ذات الممرات الطويلة الضيقة والأبواب الانفجارية والمداخل المتعددة، يصعب تدميرها بالكامل، مقارنةً بمرافق تحت الأرض تحتوي على كهف واحد كبير أو مدخل ومخرج موحد، حسب تحليل RUSI.
ويُظهر التقرير أنه حتى منشأة تخصيب الوقود في نطنز (FEP)، الواقعة على عمق يقارب 8 أمتار تحت الأرض وتغطيها طبقات من الخرسانة المسلحة والصخور، تتطلب استخدام ذخائر خارقة ذات قدرة عالية.
وتشير الدراسة إلى أن جميع الأسلحة المتوفرة لدى إسرائيل، ومعظم الترسانة الأمريكية، باستثناء القنبلتين GBU-57/B وGBU-72/B، ستحتاج إلى عدة ضربات مركّزة في نفس الموقع للوصول التدريجي إلى قلب المنشأة وتفجير الذخيرة داخلها بفاعلية.
أما بالنسبة إلى منشأة فوردو والمنشأة الجديدة قرب نطنز، واللتين يقدَّر عمقهما بما بين 80 و100 متر تحت الأرض، فإن الدراسة تحذّر من أنه حتى GBU-57/B -وهي أقوى قنبلة خارقة لدى واشنطن- قد تتطلب تكرار الضربات في نفس نقطة الاستهداف لضمان اختراق كامل.
رغم ذلك، يرى المعهد البريطاني أن بعض الأسلحة الأقل قدرة قد تُستخدم لتدمير أنفاق الدخول والخروج أو تعطيل البنية اللوجيستية للمنشآت النووية، بشرط توفر بيانات استخباراتية دقيقة عن المخططات المعمارية ومسارات التهوية والمداخل الحيوية.
ويخلص التقرير إلى أن أي ضربة فعالة ضد البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن تقتصر على الذخيرة المتوفرة، بل تعتمد على تكامل بين التخطيط الاستخباراتي، واستخدام الأسلحة الخارقة، وتكرار الضربات بدقة عالية على مدى زمني قصير لتحقيق الأثر المرجوّ.