بين الردع والتصعيد.. هل دخلت إيران وإسرائيل مرحلة الحرب المفتوحة؟
الهجمات على إيران
7 دقيقة قراءة
بين الردع والتصعيد.. هل دخلت إيران وإسرائيل مرحلة الحرب المفتوحة؟منذ اغتيال قاسم سليماني على يد الجيش الأمريكي في يناير/كانون الثاني 2020، اتخذ الصراع بين إيران وإسرائيل منحى تصاعدياً، لكنّه ظلّ في معظمه ضمن حدود الاشتباك غير المباشر
ما يميز الجولة الحالية من التصعيد أنها خرجت عن الطابع التقليدي للمواجهة بالوكالة، لتأخذ شكل مواجهة مباشرة. / Reuters
18 يونيو 2025

ضربات جوية إسرائيلية على مواقع الحرس الثوري في سوريا، وعمليات تخريب في منشآت نووية، اغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين، وهجمات سيبرانية متبادلة. كل ذلك جرى وفق قواعد اشتباك غير مكتوبة، تسمح لكل طرف بتسجيل نقاط من دون تجاوز العتبة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة.

ولكن الفترة الأخيرة وبالأخص بعد عملية "طوفان الأقصى"، شهدت تحولاً نوعياً، بلغ ذروته في يونيو/حزيران 2025، حين بدأت إسرائيل في شن واحدة من أوسع ضرباتها في العمق الإيراني، استهدفت خلالها منشآت استراتيجية للحرس الثوري والجيش ومواقع نووية ومقار لقيادات أمنية، فضلاً عن عمليات اغتيال سعت لقطع رأس القيادة العسكرية الإيرانية، كما فرضت معادلة جديدة تتمثل في قدرتها على نقل الحرب إلى عمق دولة إقليمية بارزة مثل إيران، من دون أن تُجبر على خوض حرب برية شاملة.

ما يميز الجولة الحالية من التصعيد أنها خرجت عن الطابع التقليدي للمواجهة بالوكالة، لتأخذ شكل مواجهة مباشرة، ولا سيما مع تنفيذ إيران لعدة هجمات صاروخية وبالطائرات المسيّرة من أراضيها نحو عمق إسرائيل، مستهدفة منشآت الطاقة ومصافي النفط في ميناء حيفا، ومقرات وزارة الدفاع والموساد وشعبة "أمان" في تل أبيب فضلاً عن قواعد جوية وعسكرية.

لقد ارتبط هذا التصعيد أيضاً بتغير في طبيعة القيادة داخل المؤسستين السياسية والعسكرية لدى إسرائيل. التي تعيش منذ عام مطلع عام 2023 تحت قيادة حكومة يمينية موسّعة، يُمثّل فيها التيار القومي والديني المتشدد ثقلاً وازناً، وهو ما يفسّر محاولة فرض معادلة "السيادة بالقوة الضاربة واجتثاث التهديد" بدلاً من الاكتفاء بالردع.

تدمير المشروع النووي أم إسقاط النظام؟

لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون رغبتهم في زعزعة نظام الحكم الإيراني، بل إن بعض التصريحات السياسية تذهب إلى أبعد من ذلك، بتصوير النظام في طهران خطراً وجودياً لا يمكن التعايش معه. ومن هذا المنطلق، فإن العمليات الإسرائيلية الأخيرة لا تبدو مجرد محاولة لوقف المشروع النووي الإيراني أو تقويض القدرات الصاروخية الباليستية، بل يُرجح أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف مؤسسات الحكم، وإرباك مراكز القيادة والسيطرة، بل حتى دفع الداخل الإيراني إلى مرحلة من الفوضى.

يعتقد بعض الدوائر الإسرائيلية أن اغتيال القيادات وتدمير البنية التحتية العسكرية الحساسة قد يُفضي إلى فراغ قيادي داخل هرم السلطة، أو يغير التوازن بين الأجنحة المتنافسة، وهو ما يشكّل لحظة ضعف يُمكن استغلالها لتعزيز احتمالات حدوث انهيار داخلي أو تفكك مؤسسي يُتيح لإسرائيل فرض معادلات أمنية جديدة في الإقليم.

لقد اكتسبت هذه المقاربة الإسرائيلية بعداً جديداً مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025. فالرئيس الأمريكي العائد إلى السلطة لم يتأخر في إعلان اصطفافه الكامل خلف الرؤية الإسرائيلية، فأعاد تبني سياسة الضغط القصوى ضد إيران، وافتخر بمشاركته في تضليل طهران بخصوص الهجوم الإسرائيلي، بل طالب سكان العاصمة الإيرانية بمغادرتها في تأكيد على دور واشنطن الداعم لإسرائيل.

إن دعم ترمب السياسي والعسكري لحكومة نتنياهو شجّعها على تجاوز كثير من الخطوط التي تجنبتها في عهد الإدارات الأمريكية السابقة. وبهذا، فإن عودة ترمب لم تُعدّل فقط في توازن القوة بين إيران وإسرائيل، بل أعادت صياغة البيئة الاستراتيجية للصراع، لتمنح تل أبيب هامش مناورة غير مسبوق، مع غطاء دولي يسمح لها بالاقتراب أكثر من تحقيق أهدافها الكبرى، وأهمها زعزعة النظام الإيراني وإضعاف قدراته على الصمود طويلاً في مواجهة الضربات المتلاحقة.

كوابح توسع الحرب

مع تحوّل الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مواجهة مباشرة، تحوّلت الحسابات من منطق الردع إلى منطق التحكم في مسار الحرب. لكن حتى داخل هذه المواجهة المفتوحة، لا تزال هناك عوامل مزدوجة تتنازعها كوابح تُقيّد اتساع الحرب، وفي المقابل محفزات قد تدفعها إلى انفجار إقليمي أكبر.

ومن أبرز الكوابح، الخوف من الانفجار الشامل في المنطقة، ورغم اندلاع الحرب، فإن أطرافاً عديدة، وخاصة بعض القوى الخليجية، تسعى لمنع اتساع رقعتها لتشمل مضيق هرمز والقواعد الأمريكية ومنشآت النفط والغاز في الخليج. كما أن العواصم الإقليمية الكبرى، مثل أنقرة والقاهرة والرياض، قلقة من أن يؤدي انفجار المواجهة إلى زعزعة التوازنات الأمنية في محيطها المباشر، وتحاول الضغط على واشنطن للدفع نحو صيغة للتفاوض.

ورغم الرد الإيراني المباشر على إسرائيل، إلا أن الطيف الكامل للمواجهة الشاملة لا يزال خارج قدرة طهران الاقتصادية والعسكرية؛ فالهجمات الصاروخية والمسيّرة لها سقف عملياتي، بينما القدرة الجوية الإيرانية ضعيفة للغاية، وفي المقابل يحوز الطيران الإسرائيلي هيمنة على الأجواء الإيرانية، ولدى الاستخبارات الإسرائيلية قدرة وصول عالية للقادة الإيرانيين، ما يحول استمرار الحرب إلى عملية منهجية لتجريف العمود الفقري للنظام الدفاعي والهجومي الإيراني عبر تفكيك بنيته القيادية. وهذا يُرجح أن يدفع طهران لتجنب الانخراط في استنزاف مفتوح وفتح الباب أمام التفاوض وتقديم تنازلات من دون المضي في معركة مدمرة.

وفي المقابل، لم تعد الجغرافيا ملاذاً آمناً لإسرائيل، فالضربات الصاروخية أثبتت أن قدرة إيران على إيذاء العمق الإسرائيلي لم تعد مجرد تهديد، ما يجعل جيش الاحتلال، وإن بدا واثقاً في قدرته على توجيه الضربات والتحكم في سير المعركة، يواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل تأمين الجبهة الداخلية أمام تهديدات صاروخية دقيقة، وضمان بقاء التفوّق النوعي في ميدان سريع التحول. فيما تزداد الهشاشة السياسية لحكومة نتنياهو في ظل الانقسامات الداخلية، وبالأخص في حال امتدت المعركة من دون حسم واضح، ما يؤثر في الاقتصاد وتماسك المجتمع.

محفزات توسّع الحرب

تخوض إسرائيل الصراع وفق منطق "الحسم"، إذ ترى في نظام الحكم بطهران تهديداً وجودياً لا يمكن احتواؤه، بل يجب اجتثاثه، ولو تدريجياً، وبعد تمكنها من تقويض قدرات حزب الله اللبناني، تجد فرصة تاريخية لتغيير المعادلة مع طهران.

 وفي حال انضمام واشنطن للحرب بشكل مباشر فسيتسع نطاق المعركة لتدخل المنطقة في نفق جديد أكثر خطورة مما حدث بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إذ يمر العالم حالياً بمرحلة اضطراب وصراعات طاحنة تمتد من السودان والقرن الإفريقي إلى أوكرانيا وشرق أوروبا مروراً بالشرق الأوسط.

كذلك فإن حكومة نتنياهو تواجه ضغوطاً داخلية هائلة، ما يجعل استمرار الحرب وتحويلها إلى "معركة مصيرية" أداة لتعبئة الداخل، وإسكات الأصوات المعارضة، وإعادة إنتاج شرعية الحكم من خلال التماسك في وجه العدو الخارجي.

وفي المقابل، في حال وجدت طهران مسارات التفاوض التي تلبي الحد الأدنى من متطلباتها مغلقة، وأن التفاوض هو على شروط الاستسلام فقط، فقد تلجأ لخيارات أكثر عنفاً لإغراق خصومها معها في دوامة الخسائر. فما زالت بيدها أوراق مثل إغلاق مضيق هرمز والإضرار بصناعة النفط.

مسارات محتملة

بعد الضربات الموجعة التي تلقتها طهران على المستويات القيادية والعسكرية والسيادية، تجد نفسها عند نقطة حرجة من عمر الصراع؛ لم تعد تدير "حرب إرادة" بل تسير في مضمار حرب بقاء، ما يتطلب إعادة تقييم جذرية لمفاهيم الردع التقليدية وأدوات المواجهة.

 ويتوقع أن تلجأ إيران إلى تفكيك مراكز القيادة الكبرى إلى خلايا لا مركزية لتقليل آثار الاختراقات والانكشاف، كما قد تلجأ إلى نمط الحرب اللا متماثلة المكثفة عبر تفعيل مجموعات تابعة لها بالخارج لاستهداف المصالح الإسرائيلية، لكن هذا لن يُغير جوهر المعادلة القائمة في الميدان الإيراني ذاته.

لقد تحولت الحرب الراهنة بين إيران وإسرائيل إلى منعطف استراتيجي فارق، تتقاطع فيه الحسابات السياسية للطرفين مع الموجة الكبرى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

 فالمواجهة، وإن بدت ثنائية في ظاهرها، فهي تتداخل في عمقها مع شبكات صراع أشمل، من الجنوب اللبناني إلى غزة، ومن الخليج إلى البحر الأحمر، ومن أنقرة إلى موسكو وواشنطن. وقد كسرت الضربات المتبادلة وهم "الضبط والتحكم" الذي حكم قواعد الاشتباك لعقود، وأثبتت أن المنطقة مهما ظنّ اللاعبون الكبار أنهم يمسكون بخيوطها، فإنها لا تزال تملك طابعاً انفجارياً كامناً، ما إن يُسحب أحد صمّامات الأمان، حتى تتدحرج الأحداث نحو مسارات حرجة يصعب التحكم فيها.

تُراهن إسرائيل اليوم على لحظة تفوّق نوعي، تعززها إدارة ترمب الجديدة، مع تحقيق اختراقات جوية وأمنية واستخباراتية غير مسبوقة، قد تُفضي إلى تغيير قواعد اللعبة، أو حتى تدمير بنية الردع الإيرانية. لكنها في المقابل تُخاطر بأن تجد نفسها بعد شهور أمام مشهد إقليمي أشد تعقيداً، إذ ستنهض أطراف جديدة، وتتغير التحالفات، وتتفكك بعض المنظومات الأمنية الإقليمية التقليدية.

وفي المقابل تقف طهران على حافة مفترق طرق مصيري، فمستقبل الحرب مرهون بقدرة إيران على الصمود والتحمل. وفي هذا الفضاء المتوتر، قد تميل الخيارات الإيرانية إلى تسوية موجعة، تُبقي الدولة وتُفرّغ الثورة، أو مواجهة مفتوحة قد تُفجّر الاثنتين معاً.

 

 

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
خشية حرب طويلة.. إعلام أمريكي: ترمب وافق على خطط ضرب إيران لكنه لم يأمر بتنفيذها
بصواريخ باليستية ثقيلة بعيدة المدى.. إيران تبدأ المرحلة 13 من عملية الوعد الصادق 3 وتهاجم إسرائيل
إعلام عبري: طائرة عسكرية تجلي دبلوماسيين أمريكيين من إسرائيل
ترمب: الإيرانيون تواصلوا معنا وعرضوا القدوم إلى البيت الأبيض.. وقلت لهم فات الأوان
هل تكفي القنابل الأمريكية والإسرائيلية لاختراق تحصينات إيران النووية؟
كتائب القسام تعلن قنص جندي إسرائيلي شرق خان يونس
بين الردع والتصعيد.. هل دخلت إيران وإسرائيل مرحلة الحرب المفتوحة؟
تل أبيب تعلن مهاجمة مناطق متفرقة بإيران.. وطهران تبث مشاهد لإسقاط مسيّرة إسرائيلية
الخارجية الروسية: العالم على شفا كارثة بسبب استهداف إسرائيل منشآت إيران النووية
بزشكيان يوجه الإيرانيين إلى اتخاذ "الخطوات اللازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية"
جيش الاحتلال يقتل فلسطينياً ويعتقل 60 آخرين خلال سلسلة اقتحامات بالضفة
في سادس أيام التصعيد الإسرائيلي-الإيراني.. استقرار الذهب وتأرجح الدولار وأسعار النفط تواصل الارتفاع
الاحتلال يقتل عشرات الفلسطينيين في غزة بينهم منتظرو مساعدات.. والأمم المتحدة تطالب بتحقيق فوري
ترمب يبحث مع قادة عسكريين المواجهات الإسرائيلية-الإيرانية ويدعو طهران لـ"استسلام غير مشروط"
السفارة الأمريكية في إسرائيل تغلق أبوابها حتى الجمعة بسبب تصاعد المواجهات مع إيران
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us