يعاني قطاع غزة من كارثة صحية متفاقمة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد وإغلاق المعابر بشكل كامل منذ أكثر من شهرين.
هذا الإغلاق تسبب في توقف دخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود، ما أدى إلى تفاقم حاد في أزمة الأدوية والرعاية الصحية، خصوصاً بالنسبة إلى المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة.
ووفق معطيات جهاز الإحصاء الفلسطيني، هناك نحو 350 ألف مريض بالأمراض المزمنة في قطاع غزة، من بينهم 71 ألف مصاب بالسكري، و225 ألفاً يعانون من ارتفاع ضغط الدم، و45 ألف مريض بأمراض القلب والأوعية الدموية.
بالإضافة إلى آلاف المرضى المصابين بالسرطان وأمراض الكلى وأمراض خطيرة أخرى، هؤلاء جميعاً محرومون اليوم من تلقي الرعاية الصحية الأساسية في ظل انهيار القطاع الصحي.
لا إمكانية لتجديد الإمدادات
أكدت منظمة الصحة العالمية أن مخزون الأدوية في غزة بات على وشك النفاد. وقال ريك بيبركورن، مسؤول المنظمة في فلسطين، خلال مؤتمر صحفي عقده من القدس، إن هناك "نقصاً حاداً في مستودعاتنا الثلاثة، خصوصاً في المضادات الحيوية، والمحاليل الوريدية، وأكياس الدم".
وأوضحت المنظمة، بصفتها أكبر مزوِّد لغزة بالأدوية والمعدات الطبية، أن تقلص وصول المساعدات الإنسانية نتيجة الحصار المستمر يعوق قدرتها على إعادة تزويد المستشفيات بالإمدادات الحيوية، ويؤدي إلى حرمان آلاف المرضى من الرعاية المنقذة للحياة.
وشددت على أن استمرار الحصار دون السماح بتجديد المخزون الطبي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية، وسيتسبب في خسائر بشرية فادحة نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
من جهتها، حذّرت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة من أن مخازنها شبه خالية من الأدوية والمستلزمات الطبية.
وظهرت في مستودعاتها مشاهد درامية: رفوف فارغة، وصناديق مفقودة، وعمال توزيع يقفون بلا مهام، في ظل غياب كامل للإمدادات منذ 2 مارس/آذار، حسب تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
وقال الدكتور علاء حِلِّسْ، مدير عام الرعاية الصيدلانية في الوزارة، إن أكثر من 37% من قائمة الأدوية الأساسية غير متوفرة، وهناك نقص يزيد على 59% في المستلزمات الطبية اللازمة لجميع الخدمات الصحية.
وأضاف أن أكثر من 54% من أدوية السرطان وأمراض الدم مفقودة، و24% من أدوية غسيل الكلى غير متوفرة، إلى جانب عجز بنسبة 23% في المواد اللازمة للعمليات الجراحية والعناية الفائقة.
كما أشار إلى أن الرعاية الأولية في المراكز الصحية والمستشفيات تفتقر إلى نحو 40% من الأدوية الأساسية.
لا غذاء ولا دواء
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أعلن أنه منذ 50 يوماً لم يجرِ إدخال أي طعام أو وقود أو دواء أو مواد أساسية إلى غزة.
وأوضح دوجاريك أن مخزونات الغذاء انخفضت بشكل خطير، وأن الأدوية واللقاحات أوشكت على النفاد، مشيراً إلى أن الأطفال والبالغين يعانون من الجوع، وأن النظام الصحي في غزة على شفا الانهيار الكامل.
في السياق ذاته، حذَّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من احتمال وقوع وفيات جماعية في أي لحظة، بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية وانتشار الأمراض. وأكد أن القطاع دخل مرحلة "الانهيار الإنساني الكامل"، نتيجة سياسة التجويع والحصار التي تفرضها إسرائيل منذ أكثر من 6 أشهر.
وأشار البيان إلى أن أكثر من مليون و100 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، نتيجة غياب الغذاء، وشُح المياه، وانهيار المنظومة الصحية، وحرمان السكان من الحد الأدنى من مقومات الحياة.
بدائل محدودة ومحفوفة بالمخاطر
وأوضح الدكتور حِلِّسْ أن وزارة الصحة تحاول إيجاد بدائل علاجية للتقليل من حجم الكارثة، لكنه شدد على أن "هذا الحل لا ينطبق على جميع الحالات"، محذراً من أن تغيير العلاج قد يُعرِّض حياة المرضى للخطر، ويؤثر على جودة الخدمات الصحية بشكل مباشر.
وأكد أن الوزارة "ترسل تقارير دورية إلى المنظمات الدولية"، من بينها منظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر الإماراتي، لكنها لم تتلقَّ استجابة كافية حتى الآن.
وقال إن استمرار إغلاق المعابر قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى وفاة كثير من المرضى، مشيراً إلى حالة من القلق العميق لدى العائلات التي لا تملك وسيلة لإنقاذ أحبائها.
في 9 أبريل/نيسان، أطلقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تحذيراً جديداً من اقتراب قطاع غزة من مرحلة "الجوع الشديد للغاية"، نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي ومشارفة الإمدادات الأساسية على النفاد.
وقالت جولييت توما، مديرة الإعلام والتواصل في أونروا، إن الرضّع والأطفال في غزة ينامون جوعى، في ظل نفاد شبه كامل للإمدادات.
وأشارت إلى أن هذه المرحلة الجديدة من المجاعة تأتي فيما لم يتعافَ سكان القطاع أصلاً من موجة سابقة من الحرمان، إذ عمدت إسرائيل خلال عام ونصف إلى تقنين دخول المساعدات بشكل كبير، مما حرم مئات الآلاف من العائلات من حصصها الغذائية المجانية.
وحسب بيانات البنك الدولي، فإن الحرب المستمرة التي تُنفذها إسرائيل بدعمٍ أمريكي كامل، حوّلت جميع سكان غزة إلى فقراء، غير قادرين على توفير أدنى مقومات الحياة من غذاء وماء ودواء.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة، حسب تقارير موثقة، خلَّفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافةً إلى أكثر من 11 ألف مفقود.