في 15 مارس/آذار 2019، خلال صلاة الجمعة، شهد العالم واحدة من أبشع جرائم الكراهية ضد المسلمين، إذ تعرَّض مئات المسلمين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا لهجوم مسلح وحشي، أسفر عن مقتل أكثر من 50 مسلماً كانوا يؤدون شعائرهم الدينية بسلام.
لم يكن الحادث مجرد اعتداء، بل جرس إنذار صادم يكشف عن حجم الكراهية المتجذرة في بعض المجتمعات الغربية ضد الإسلام والمسلمين. وقد أثارت الشعارات العنصرية التي تبناها منفذ الهجوم، إلى جانب صمت بعض الجهات، موجة من القلق والغضب العالمي.
رفضاً لهذا الإرهاب العنصري الممنهج، قادت تركيا، بالتعاون مع عدد من الدول الإسلامية، تحركات دبلوماسية مكثفة أسفرت عن إعلان الخامس عشر من مارس/آذار يوماً عالمياً لمكافحة الإسلاموفوبيا. هذا القرار كان رسالة واضحة إلى العالم بأن التمييز ضد المسلمين لم يعد مقبولاً، وأن المجتمع الدولي مطالَب باتخاذ خطوات ملموسة لوقف موجة الكراهية.
أكد رئيس المجموعة التركية في الاتحاد البرلماني لمنظمة التعاون الإسلامي، والنائب عن حزب العدالة والتنمية عن شانلي أورفا، عبد الرحيم دوساك، أن تركيا لن تتوانى عن مواجهة التحديات التي تهدد المسلمين، قائلاً: "سنواصل نضالنا ضد العداء للإسلام في جميع المنصات. قوتنا تكمن في وحدتنا، ولن نسمح أبداً بأن تُنسى أي قطرة دم تُسفك في الجغرافيا الإسلامية أمام الصمت المنافق للغرب".
وأشار دوساك إلى أن تركيا تتحمل مسؤولية تاريخية في حماية وحدة العالم الإسلامي، محذراً من أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد ظاهرة، بل أصبحت سياسة كراهية ممنهجة، تتجسد في الاعتداءات على المساجد، وحرق المصاحف، والترويج للعنصرية ضد المسلمين في الإعلام والسياسة الغربية.
وشدد دوساك على أن القرآن الكريم يتعرض لهجمات متزايدة بشكل عدواني وممنهج، مؤكداً أن هذه الأفعال المشينة لا تستهدف الإسلام فقط، بل تضرب في صميم القيم الإنسانية.
وأضاف دوساك: "هذه الأعمال الدنيئة المستمرة ليست مجرد اعتداءات على الإسلام، بل هي إهانة مباشرة لكرامة الإنسان. إن هذه العداوة التي يحاول البعض تبريرها تحت ذريعة حرية التعبير، ليست سوى غطاء لمحاولات أعمق تهدف إلى تهميش المسلمين وإقصائهم وطمس هويتهم".
في الأمم المتحدة: جهود تركية رائدة لمكافحة الإسلاموفوبيا
عملت البعثة الدبلوماسية التركية، بالتنسيق والتعاون مع الدول الإسلامية، على إبقاء قضية محاربة الإسلاموفوبيا على أجندة الأمم المتحدة، لتعزيز الجهود الدولية لمكافحة التمييز ضد المسلمين.
وفي عام 2022، وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لهجوم كرايستشيرش الإرهابي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 254/76، الذي بموجبه أُعلن 15 مارس/آذار يوماً دولياً لمكافحة الإسلاموفوبيا.
دعا القرار إلى تكثيف الجهود الدولية لتعزيز الحوار العالمي حول التسامح والسلام على جميع المستويات، وشددت الأمم المتحدة على رفضها القاطع جميع الأفعال الموجهة ضد الأشخاص بسبب دينهم أو معتقداتهم.
ومنذ اعتماد هذا القرار، واصلت تركيا جهودها لتعزيز ثقافة محاربة الإسلاموفوبيا وترسيخها قضيةً دولية، بهدف توعية المجتمع الدولي بخطورة هذه الظاهرة.
وفي 15 مارس/آذار 2024، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً جديداً بعنوان: "تدابير مكافحة كراهية الإسلام"، خلال اجتماع خاص بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا.
وشهد التصويت على القرار دعماً واسعاً، إذ أيَّدته 115 دولة، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت، ولم تعترض أي دولة عليه.
كانت تركيا من الدول الرائدة في إعداد هذا القرار، حيث قدمته بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، وعملت على حشد الدعم اللازم لاعتماده في الأمم المتحدة.
يُدين القرار جميعَ أشكال الكراهية الدينية، ويؤكد رفض التحريض على التمييز أو العداء أو العنف ضد المسلمين، مشيراً إلى الازدياد الملحوظ في حوادث تدنيس القرآن الكريم، والهجمات التي تستهدف المساجد، والمواقع الإسلامية المقدسة.
كما يتضمن القرار دعوةً إلى تعيين مبعوثٍ خاصٍّ للأمم المتحدة معنيٍّ بمكافحة الإسلاموفوبيا، لمتابعة الجهود الدولية في هذا الإطار.
وفي مايو/أيار 2023، وبدعمٍ تركي، وافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على إدراج مصطلح "الإسلاموفوبيا" في مشروع قرارها بشأن التمييز والعنصرية، رغم معارضة عديد من الدول داخل المجلس التنفيذي للمنظمة.
وخلال أعمال الدورة الـ216 للمجلس التنفيذي لـ”يونسكو”، أكدت غولنور آيبيت، مندوبة تركيا لدى المنظمة، أن هذا الإنجاز جاء نتيجة جهود دبلوماسية تركية حثيثة، مشيرةً إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة سبق أن تبنَّت هذا المصطلح بمبادرة تركية.
وشددت المندوبة التركية على أهمية تجنب التمييز ضد جميع الأديان، واحترام حرية المعتقد، بما في ذلك حق الأفراد في عدم الإيمان.
في العلاقات الثنائية: دور تركيا في محاربة الإسلاموفوبيا عالمياً
لم تقتصر جهود تركيا على المؤسسات الدولية، بل جعلت من قضية الإسلاموفوبيا محوراً أساسياً في علاقاتها الثنائية مع الدول الإسلامية والغربية على حد سواء.
في عام 2023، ومع سعي السويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اشترطت تركيا دعم طلب عضوية استوكهولم باتخاذ خطوات جدية للحد من مظاهر الإسلاموفوبيا، خصوصاً بعد تصاعد الانتهاكات التي استهدفت القرآن الكريم في البلاد.
وقد شكَّل هذا الموقف سابقة دبلوماسية بارزة، إذ وضعت أنقرة مكافحة الإسلاموفوبيا أولوية ضمن سياساتها الخارجية، حتى في سياق التحالفات الأمنية والعسكرية.
لم تقتصر الجهود التركية على التصدي للمواقف العدائية في الدول الغربية، بل امتدت إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع الدول الإسلامية، من خلال إطلاق برامج ومشاريع مشتركة لمواجهة الظواهر المعادية للإسلام.
في هذا السياق، وقّعت تركيا وماليزيا، عام 2019، مذكرة تفاهم في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تهدف إلى مكافحة الخطاب المعادي للإسلام وتعزيز الجهود المشتركة لمواجهته.
بموجب هذه الاتفاقية، أُطلق "مشروع التواصل لمكافحة الإسلاموفوبيا"، الذي يتضمن: تنفيذ مشروع إعلامي وتواصلي مشترك لمحاربة الصور النمطية السلبية ضد الإسلام، وتأسيس مركز اتصالات في إسطنبول ليكون منصة مركزية للتنسيق ومتابعة الأنشطة المناهضة للإسلاموفوبيا، بالإضافة إلى إعداد برامج توعية دولية لتعزيز التفاهم بين الثقافات وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإسلام.