وعبّر عدد من أبرز حلفاء ترمب الجمهوريين عن تحفظهم تجاه تحرك عسكري محتمل ضد إيران، في مقدمتهم ستيف بانون، مساعد الرئيس السابق وأحد رموز ائتلاف "أمريكا أولاً"، الذي دعا الأربعاء إلى التريث والحذر قبل الانخراط في أي تصعيد عسكري إلى جانب إسرائيل، في غياب تسوية دبلوماسية.
وقال بانون خلال لقاء صحفي نظمه "كريستيان ساينس مونيتور" في واشنطن: "لا يمكننا تكرار ذلك مجدداً... سنمزّق البلاد. لا نريد عراقاً آخر".
يأتي هذا الموقف في وقت يراقب فيه الجناح المناهض للتدخلات الخارجية داخل الحزب الجمهوري ما يصفه بتحوّل سريع من جانب ترمب؛ من السعي إلى حل دبلوماسي مع طهران إلى احتمال دعم عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف منشآت نووية إيرانية باستخدام أسلحة ثقيلة، بينها قنابل خارقة للتحصينات.
وتُظهر هذه الانتقادات تصدّعاً محتملاً داخل القاعدة اليمينية لترمب، المعروفة باسم "ماغا"، (اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً)، التي كانت من أبرز الداعمين لوصوله إلى السلطة عامي 2016 و2024.
وتحذّر أصوات من داخل هذا المعسكر من أن الانخراط في حرب جديدة قد تكون له تداعيات سياسية كبيرة، خصوصاً مع اقتراب انتخابات الكونغرس في 2026، التي يسعى الجمهوريون فيها للحفاظ على أغلبيتهم.
ويرى مراقبون أن أي خطوة من ترمب نحو مواجهة عسكرية مع إيران ستكون خروجاً عن نهجه الحذر المعتاد في ملفات السياسة الخارجية، وقد تشتِّت جهوده الرامية إلى تعزيز علاقاته في منطقة الخليج، إلى جانب مساعيه للتوصل إلى تسوية في الحرب الأوكرانية وإبرام اتفاقات تجارية عالمية.
ورغم أن ترمب لا يمكنه الترشح لولاية رئاسية ثالثة بموجب الدستور الأمريكي، فإن الحفاظ على تماسك قاعدته السياسية يظل رهاناً أساسياً لمستقبل نفوذ الجمهوريين في المشهد السياسي الأمريكي.
ترمب: لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي
وخلال تصريحات أدلى بها للصحفيين في البيت الأبيض يوم الأربعاء، قلل ترمب من أهمية الخلافات في صفوف مؤيديه، قائلاً: "أنصاري يحبونني اليوم أكثر مما كانوا عليه خلال الانتخابات، وأنا أحبهم أيضاً أكثر".
وأضاف: "أريد شيئاً واحداً فقط: أن لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً".
وأوضح ترمب أن بعض مؤيديه "يشعرون بعدم الرضا قليلاً" إزاء التطورات، لكنه أشار إلى أن آخرين يدعمون موقفه الرافض لتحوّل إيران إلى قوة نووية.
وتابع: "أنا لا أبحث عن قتال، لكن إذا كان الخيار بين خوض المعركة أو السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية، فلا بد من اتخاذ الإجراء اللازم".
وفي تعليق على الانقسامات داخل الحزب الجمهوري، وصف مارك شورت، الحليف المقرب من نائب الرئيس السابق مايك بنس، هذه الخلافات بأنها "شرخ كبير جداً"، لكنه أبدى ثقته بأن قاعدة ترمب ستواصل دعمه.
وقال: "الانقسامات باتت علنية الآن، لكنني أعتقد أن غالبية أنصار الرئيس أوفياء له أكثر من ولائهم لأي رؤية فكرية محددة".
وأشار شورت إلى أن دعم إسرائيل قد يمنح ترمب مكاسب سياسية، إذ يحظى هذا الموقف بتأييد واسع بين الناخبين المحافظين.
وأظهر استطلاع أجرته "رويترز/إبسوس" في مارس/آذار الماضي، أن 48% من الجمهوريين يؤيدون استخدام الولايات المتحدة قوتها العسكرية لحماية إسرائيل من أي تهديد، مقابل 28% يعارضون ذلك. أما في صفوف الديمقراطيين، فأيَّد 25% فقط هذا التوجه، فيما رفضه 52%.
على الإسرائيليين إنجاز المهمة بأنفسهم
ودعا ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأمريكي ومقدم بودكاست "غرفة الحرب"، إلى عدم التسرع في اتخاذ قرار بشأن مشاركة واشنطن في أي تصعيد عسكري مع إيران، مؤكداً أن على إسرائيل "إنهاء ما بدأته" بنفسها دون تدخل أمريكي مباشر.
وقال بانون خلال تصريحات صحفية: "نحن نتحدث عن واحدة من أقدم الحضارات في العالم، يسكنها 92 مليون إنسان. هذا ليس شيئاً يُمكن التلاعب به... ينبغي التفكير على مستوى عالٍ، ويجب أن يحظى القرار بتأييد الشعب الأمريكي. لا يمكن فرضه عليهم من دون شرح ووضوح".
تأتي هذه التصريحات وسط اتساع رقعة المعارضة داخل تيار "أمريكا أولاً"، حيث عبّر عدد من أبرز رموزه عن قلقهم من انجرار البلاد إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. من بينهم تاكر كارلسون، الإعلامي المحافظ المعروف، والنائبة الجمهورية عن ولاية جورجيا مارغوري تايلور غرين.
وكتبت غرين على حسابها في منصة إكس (تويتر سابقاً): "أي شخص يتلهف على انخراط أمريكا الكامل في حرب بين إسرائيل وإيران لا يمثل حركة أمريكا أولاً... لقد سئمنا من الحروب الخارجية، بكل أشكالها".
وتجلّى هذا الانقسام بوضوح خلال مناظرة مباشرة بين كارلسون والسيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز، مساء الثلاثاء. وقد انتشر مقطع من المقابلة على نطاق واسع بعد أن تبادل الطرفان الانتقادات اللاذعة، إذ هاجم كارلسون كروز بسبب دعوته لتغيير النظام في طهران، في حين دافع كروز عن دعم الرئيس ترمب.
قال كارلسون خلال المواجهة: "أنت لا تعرف شيئاً عن إيران!"، ليرد كروز: "أنا لست خبير تاكر كارلسون في إيران"، فعقّب كارلسون: "لكنّك سيناتور تدعو إلى إسقاط حكومة!".
في المقابل، سعى نائب الرئيس جي دي فانس إلى تهدئة الأجواء داخل المعسكر الجمهوري، معبّراً عن دعمه قرارات الرئيس في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال: "الناس محقون في القلق من التورط الخارجي بعد 25 عاماً من السياسات الخارجية الفاشلة، لكنني أعتقد أن الرئيس ترمب كسب قدراً من الثقة في هذا الملف".
ولا يزال القرار النهائي بيد الرئيس ترمب، الذي أشار في تصريحاته يوم الأربعاء، إلى أنه يفكر في خيارات متعددة للتعامل مع الموقف، لكنه لم يحسم بعد الاتجاه الذي سيسلكه.