ركّز الاتحاد الأوروبي جهوده في مكافحة الهجرة غير النظامية من إفريقيا على توجيه جزء من المساعدات المخصّصة لملف الهجرة إلى دعم خفر السواحل في البحر المتوسط، وتعزيز حماية الحدود الأوروبية، لمنع وصول المهاجرين واللاجئين.
فهل يخالف الاتحاد عبر هذه الإجراءات قواعد المساعدات المتفق عليها عالمياً؟ وما التداعيات السلبيّة لسياسات التمويل الجديدة هذه على دول منطقة المغرب العربي؟
قلق المنظمات المدنيّة
تثير هذه السياسات الخاصة بالهجرة قلقاً في أوساط منظمات غير حكومية، مثل "أوكسفام" التي نشرت تقريراً حديثاً بخصوص الإجراءات.
ويُشير التقرير إلى تخصيص 10% من حزمة المساعدات الدولية، البالغة قيمتها 79.5 مليار دولار للجهود الموجّهة للحدّ من الهجرة الإفريقية، بدلاً من استخدامها في مشاريع التنمية في الدول النامية.
ويُعتبر هذا، وفقاً للمنظمة غير الحكومية، تجاوزاً للمعايير التي وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وقالت ستيفاني بوب، خبيرة الهجرة في أوكسفام في الاتحاد الأوروبي والمشارِكة في إعداد التقرير، إنّ "أوروبا تركّز على المشاريع التي تموّل إدارة الحدود، أكثر من تركيزها على العودة وإعادة الإدماج كما يسمّونها".
وأشارت في حديثها مع موقع يورونيوز، إلى أنّ دول الاتحاد الأوروبي "ترسل مساعداتها لدعم خفر السواحل في تونس وليبيا رغم سجلّها السيّئ للغاية في مجال حقوق الإنسان".
طرق محفوفة بخطر الموت
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكان الدول النامية، وخاصةً الدول الإفريقية الأقل نمواً، بما في ذلك قلّة الفرص الوظيفية وعدم الاستقرار الاجتماعي والتعرض المستمر للنزاعات المسلحة، بالإضافة إلى التحديات السياسية الجسيمة، يهاجر العديد بطرق غير نظامية، بحثاً عن ملجأ آمن أو حياة جديدة تتسم بالاستقرار.
وتعدّ تونس اليوم نقطة انطلاق رئيسية في شمال إفريقيا لمن يبحثون عن الحماية في أوروبا، ورغم الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المهاجرون غير النظاميين، العابرون الحدود التونسية نحو أوروبا، والصعوبات المحفوفة بطريق الهجرة، فإنّ أعدادهم تنمو بازدياد.
ووفقاً لوكالة الأناضول، فإنّ بيانات مفوّضية الاتحاد الأوروبي، تشير إلى وصول ما لا يقلّ عن 45 ألف شخص إلى أوروبا من تونس، خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023، ما يمثل زيادة كبيرة في عدد الوافدين عبر هذه الطرق في السنوات السابقة إلى تونس وبقية الدول المغاربية.
واعترض خفر السواحل التونسي أكثر من 14 ألف شخص حاولوا الوصول إلى أوروبا في الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، وهو ما يعادل أكثر من 5 أضعاف أولئك الذين خاضوا الرحلة ذاتها، في الوقت نفسه من العام الماضي، على حين فُقد أكثر من 600 مهاجر قبالة السواحل التونسية.
هل تخالف أوروبا قواعد الإنفاق؟
بدورها حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، من انعكاس إجراءات شبيهة على حقوق المهاجرين، ووثّقت انتهاكات لحقوق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، من الحرس البحري التونسي.
كما وصفت منظمة "لجنة الإنقاذ الدولية" الفترة الأولى من عام 2023 بأنّها "الأكثر دمويةً للمهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط منذ عام 2017".
وبينما يحثّ الهدف "رقم 23" من الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة، على أهمية دعم البلدان النامية بتوفير المساعدة المالية والتكنولوجية، أعلنت المفوضية الأوروبية دعمها لتونس بمبلغ 67 مليون يورو، لتنفيذ مذكرة تفاهم تركز على مجال الهجرة ومكافحة شبكات التهريب.
ونصَّ الاتفاق على تقديم دعم مكثف من الاتحاد الأوروبي؛ لتعزيز قدرات السلطات التونسية في مجال تطبيق الأنظمة والقوانين وتنفيذها وضمان الامتثال لها.
لكن البرلمان الأوروبي انتقد الاتفاق من جانبه، قائلاً إنّه "لم يعترف بالأدلة المتزايدة على معاملة السلطات التونسية المسيئة للمهاجرين من جنوب الصحراء، مثل الكراهية والعنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان".
وعن دوافع توقيع هذه الاتفاقية، يبيّن الناشط السياسي التونسي والمختص في قضايا الهجرة واللجوء، مجدي الكرباعي، أنّ الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب الذي تمرّ به تونس، مكّن أوروبا من عقد الاتفاقية معها، بالإضافة إلى أنّها مهدَّدة بعبور أمواج كبيرة من المهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الأوروبية.
ويؤكد الكرباعي في حديثه مع TRT عربي أنّ المساندين لهذه الاتفاقية هم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس وزراء هولندا الأسبق مارك روتي ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، بينما لاقت هذه الاتفاقية اعتراضات عديدة من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا.
وفيما يتعلق بمخالفة أوروبا قواعد الإنفاق، يرى الكرباعي أنّ "الاتحاد الأوروبي يلتزم بقواعد الإنفاق المنصوص عليها من منظمة التعاون الاقتصادي للمهاجرين النظاميين، والذين يدخلون إلى أوروبا كجزء من برنامج هجرة منظمة".
ويوضّح أنّه عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين غير النظاميين، ترى أوروبا أنّ هذه القواعد لا تنطبق عليهم بالطريقة نفسها، ما يؤدي إلى تطبيق سياسات صارمة تجاههم، ويجعل المشكلة أكثر تعقيداً بين اللاجئين النظاميين وغير النظاميين.
سياسات "لا تراعي حقوق اللاجئين"
وفيما يتعلق بسياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة، يشير الكرباعي إلى أنّ قرارات الاتحاد تتأثر بالتيّارات السياسية في الدول الأعضاء.
ويعتقد أنّه مع تزايد تأثير التيارات اليمينية المتطرفة حالياً، "أصبحت هذه السياسات أكثر صرامة تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء، ونتيجة لذلك، تقوم أوروبا بإغلاق أبوابها أمام المهاجرين وطالبي اللجوء، والهدف هو سنّ قوانين هجرة ولجوء جديدة".
ويؤكد الناشط المختص في قضايا الهجرة واللجوء، على أنّ ما يهمّ أوروبا هو دفع الأموال بشكل مستمر إلى أنظمة الجنوب، بالإضافة لتزويدها بالمعدّات الخاصة لردع الهجرة.
ويشير إلى أنّ مؤسسات الاتحاد "لا يهمها إذا كانت الدول تحترم حقوق الإنسان والمهاجرين واللاجئين، لكن ما يهمها هو الإظهار للرأي العام الأوروبي أنّها تحارب الهجرة غير النظامية".
أما عن دفع أوروبا المهاجرين الأفارقة غير النظاميين للهجرة داخل إفريقيا، فيرى الكرباعي أنّ أوروبا تريد أن تجعل من دول شمال إفريقيا، مثل تونس، نقاط تجميع للمهاجرين.
ويوضح بأن أوروبا توفّر لخفر السواحل التونسي عديداً من المعدّات للحدّ من الهجرة غير النظامية، مثل الزوارق السريعة، والطائرات المسيرة عن بُعد، بالإضافة إلى سيّارات الدفع الرباعي.
يُشار إلى أنّ الجزائر وعدت دولاً إفريقية بمساعداتقيمتها مليار دولار لإنجاز مشاريع تنموية تحدّ من هذه الهجرة، مع ذلك ما زالت مراكب الهجرة غير النظامية العديدة تخرج يومياً من مناطق جزائرية محمّلة بالآلاف من المهاجرين.