كيف غيّرت الطائرات المسيّرة قواعد الحرب في أوكرانيا وساحة المعركة الحديثة؟
سياسة
6 دقيقة قراءة
كيف غيّرت الطائرات المسيّرة قواعد الحرب في أوكرانيا وساحة المعركة الحديثة؟أصبحت مشاهد الطائرات المُسيّرة الأوكرانية والروسية وهي تلاحق وتستهدف القوات على الأرض جزءاً أساسياً من مشهد الحرب في أوكرانيا. للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر كأن المعركة تدور في السماء بين هذه الطائرات.
ازداد الاعتماد على الطائرات المُسيّرة صغيرة الحجم، خصوصًا طائرات FPV (منظور الشخص الأول)، التي تُستخدم في تنفيذ ضربات دقيقة / Reuters
21 مارس 2025

هذا التقدير ليس بعيداً عن الواقع؛ فحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن رومان كوستينكو، رئيس لجنة الدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني، فإن الطائرات المُسيّرة، وليس المدفعية الثقيلة التي لطالما كانت السلاح الأبرز في الحروب، أصبحت مسؤولة عن نحو 70% من إجمالي الخسائر في صفوف القوات الروسية والأوكرانية. وفي بعض المعارك، ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 80% من الوفيات والإصابات، وفقاً للقادة العسكريين.

الانتشار الواسع للطائرات المُسيّرة في الحرب الأوكرانية، ودمجها مع التقنيات الحديثة، أحدثا تحولاً جوهرياً في ميدان المعركة، وأعادا رسم ملامح الحروب وتشكيلات الجيوش.

وأصبحت هذه الطائرات عنصراً أساسياً في الهيكل العسكري الأوكراني، إذ بات لكل كتيبة قتالية تقريباً وحدة طائرات مُسيّرة هجومية، في حين يمتلك معظم الوحدات طائرات استطلاع صغيرة، مما يعزز من قدرات الاستطلاع والضربات الدقيقة في ساحة القتال.

تطور التجربة الأوكرانية 

مع بداية الحرب، وفي مواجهة سلاح الجو الروسي التقليدي، اعتمدت أوكرانيا بشكل رئيسي على أنظمة الطائرات المُسيّرة، التي حققت نجاحات ميدانية ملحوظة خلال المراحل الأولى من الصراع ضد الجيش الروسي. 

ومع تطور تكتيكات الدفاع الروسية، بدأت أوكرانيا في توظيف الطائرات المُسيّرة الأكبر حجماً للمهام الاستخباراتية وجمع المعلومات، وفقاً لما أورده مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

في المقابل، ومع تراجع فاعلية الأنظمة التقليدية، ازداد الاعتماد على الطائرات المُسيّرة صغيرة الحجم، خصوصاً طائرات FPV (منظور الشخص الأول)، التي تُستخدم في تنفيذ ضربات دقيقة بتحميلها بمقذوفات متفجرة تناسب طبيعة الهدف؛ فمنها ما يُجهز بقنابل مضادة للمدرعات، ومنها ما يُخصص لاستهداف الأفراد.

هذا الانتشار الواسع تزامن مع النقص الحاد في قذائف المدفعية وقذائف الهاون، مما جعل المُسيّرات أداة حاسمة في المعارك.

في هذا السياق، يقول صمويل بينديت، الخبير في الطائرات المُسيّرة لدى مركز التحليلات البحرية (CNA)، في حديثه مع صحيفة الغارديان: "لقد تطورت هذه الطائرات من كونها مجرد ابتكار جديد قبل أعوام، إلى أحد الأسلحة المفضلة في عام 2023، حتى أصبحت الآن تجوب ساحة المعركة التكتيكية بالكامل".

أدى هذا الواقع إلى تسارع عمليات إنتاج الطائرات المُسيّرة، وأعلن مسؤولون أوكرانيون أن بلادهم صنعت أكثر من مليون طائرة مُسيّرة من طراز الرؤية من منظور الشخص الأول (FPV) بحلول عام 2024.

في المقابل، تزعم روسيا قدرتها على إنتاج 4000 طائرة مُسيّرة يومياً، مع استمرار كلا البلدين في توسيع قدراتهما الإنتاجية. ووفقاً للتقديرات، يسعى كل منهما إلى تصنيع ما بين ثلاثة وأربعة ملايين طائرة مُسيّرة بحلول عام 2025.

تبرز ضخامة هذه الأرقام عند مقارنتها بالإنتاج في دول أخرى، إذ تُظهر تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، التي نقلتها وول ستريت جورنال، أن الولايات المتحدة تمتلك قدرة تصنيع تصل إلى 100 ألف طائرة مُسيّرة سنوياً، وهو رقم يبدو متواضعاً أمام التصعيد الصناعي الجاري في أوكرانيا وروسيا.

أدى الانتشار الكثيف للطائرات المُسيّرة إلى تحويل ساحة المعركة إلى فضاء مكشوف، ما دفع الطرفين إلى اعتماد استراتيجيات دفاعية لمواجهتها. تمثّلت الاستجابة الأولى في اللجوء إلى وسائل تحصين بدائية لحماية المدرعات والآليات من الاستهداف المُسيّر، فيما ارتكزت الاستجابة الثانية على نشر عشرات الآلاف من أجهزة التشويش على الخطوط الأمامية، لا سيما من الجيش الروسي، بهدف تعطيل الطائرات المُسيّرة الأوكرانية.

في هذا السياق، أفاد جنود وقادة أوكرانيون لصحيفة نيويورك تايمز بأن أجهزة التشويش الروسية جعلت من الصعب للغاية على الطيارين الأوكرانيين، حتى الأكثر مهارة منهم، إصابة أهدافهم بدقة، ما أضاف تحديات جديدة في معركة السيطرة الجوية المُسيّرة.

حرب شاملة بتقنيات المستقبل

تشكل الحرب في أوكرانيا نموذجاً فريداً يمزج بين تكتيكات الحروب التقليدية والتطورات الحديثة، بل تُلمح إلى طبيعة الحروب المستقبلية. هذا ما يؤكده الأدميرال الفرنسي بيير فاندييه، القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي للتحول، في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، حيث وصف الحرب بأنها "مزيج من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثالثة، أي ما يمكن أن يكون نموذجاً لحرب المستقبل".

في السياق ذاته، ترى مارا كارلين، التي شغلت منصب مساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الاستراتيجية والخطط والقدرات بين عامي 2021 و2023، أن الصراع في أوكرانيا أدخل الحروب عصراً جديداً.

ففي مقال لها في مجلة الشؤون الخارجية، تصف مسرح العمليات الأوكراني بأنه ساحة فريدة، حيث "تنفِّذ الكلاب الروبوتية دوريات على الأرض، وتُطلق الطائرات من دون طيار ذاتية التشغيل، الصواريخ من السماء، وسط حرب خنادق تُشبه الحرب العالمية الأولى، وكل ذلك تحت ظلال التهديد النووي".

انعكست شمولية الحرب على الاستخدام الموسع للطائرات من ون طيار، التي أصبحت رأس الحربة في العمليات الهجومية براً وبحراً وجواً. فبدلاً من الاعتماد الحصري على القدرات الصاروخية المتقدمة والمكلفة، لجأ الطرفان إلى استخدام الطائرات المسيّرة لتنفيذ عمليات القصف الاستراتيجي بشكل أكثر مرونة وفاعلية.

وفي المجال البحري، كانت المعركة أكثر إثارةً للدهشة. فعلى الرغم من أن أوكرانيا دخلت الحرب من دون أسطول بحري يُذكر، فإنها عوَّضت ذلك باستخدام القوارب المسيّرة، التي حققت نجاحات عملياتية بارزة، من أبرزها إغراق السفينة الحربية الروسية موسكفا.

يرى نائب الأدميرال أوليكسي نيزبابا، قائد القوات البحرية الأوكرانية، أن الأسلحة البحرية التقليدية والسفن الحربية لا تزال ضرورية، إلا أن الطائرات المسيّرة قد دشنت "عصراً جديداً في العمليات البحرية".

ويضيف في بيان نقلته نيويورك تايمز: "هذه ليست مجرد أداة تكتيكية، بل تمثل تحولاً استراتيجياً في نهج الحرب البحرية"، مشيداً بدور الطائرات المسيّرة في "إعادة تشكيل ميزان القوى في البحر الأسود".

كما أشار الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا في يناير/كانون الثاني، إلى أن "العالم يتجه نحو حرب تكنولوجية".

وأوضح أن الأمر لا يقتصر على أوكرانيا وحدها، بل إن روسيا أيضاً تتكيف مع المشهد الجديد، وهو ما يستوجب إعادة التفكير في الدفاع الجماعي. وأضاف: "التطورات تتسارع بوتيرة غير مسبوقة، مما يفرض علينا جميعاً الانتباه والاستجابة السريعة لهذه المتغيرات".

حروب الكتلة الدقيقة

في مقال نشرته مجلة الشؤون الخارجية، يناقش مايكل هورويتز، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لتطوير القوات والقدرات الناشئة، والأستاذ في جامعة بنسلفانيا، تأثير الحرب في أوكرانيا على اندماج مفهومي "الكتلة العسكرية" و"الدقة".

حسب هورويتز، كان القادة العسكريون يعدّون الكتلة -أي امتلاك قوات تفوق الخصم عدداً وعتاداً- عاملاً حاسماً لتحقيق النصر في المعركة. فكلما تمكن الجيش من نشر عدد أكبر من الجنود، سواء كانوا مسلحين بالرماح أو الأقواس أو البنادق، أو يقودون الدبابات، زادت فرصه في هزيمة أعدائه.

إلا أنه، على مدار الأعوام الخمسين الماضية، شهد العالم تحولًا من التركيز على الكتلة إلى الاعتماد على الدقة، وهو اتجاه تسارع بعد نهاية الحرب الباردة. فقد اكتشفت جيوش، مثل الجيش الأمريكي، أن استخدام أسلحة متقدمة وباهظة الثمن قادرة على إصابة الأهداف بدقة عالية في جميع أنحاء العالم، يوفر كفاءة وفاعلية أكبر. ونتيجة لذلك، اختار القادة تقليص حجم قواتهم والتركيز على تعزيز تفوقهم التكنولوجي.

لكن هذا النهج تغيّر مع الحرب في أوكرانيا، التي أظهرت، وفقاً لهورويتز، أن الكتلة تعود مجدداً، ولكن ليس على حساب الدقة، بل من خلال دمجهما معاً والجمع بين الحجم والتطور، في ما يسميه "عصر الكتلة الدقيقة".

ويؤكد هورويتز أن آثار "الكتلة الدقيقة" عميقة؛ إذ لم تعد الأسلحة المتطورة وحدها كافية لضمان النصر. بل قد يعتمد النجاح العسكري على مزيج من الأنظمة المتقدمة وأعداد كبيرة من الأصول القابلة للاستنزاف. ومن المرجح أن تشهد الحروب المستقبلية اعتماداً متزايداً على الأنظمة غير المأهولة وذاتية التشغيل في جميع المجالات -البرية والبحرية والجوية، وحتى الفضاء والفضاء الإلكتروني.

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن التصدّي لأحد صاروخين أطلقا من لبنان ويقصف الجنوب بالمدفعية
"خلال توزيعه وجبات".. المطبخ العالمي يعلن استشهاد أحد متطوعيه بقصف إسرائيلي على غزة
إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال شرق نابلس وتعزيزات عسكرية تصل جنين
عشرات الشهداء والجرحى بغارات متواصلة على غزة والآلاف معرضون للجوع مع تناقص مخزون الغذاء
حماس: جاهزون للتفاوض رغم تنصل الاحتلال.. و"العليا الإسرائيلية" ترفض السماح بإدخال المساعدات لغزة
بصاروخين باليستيين.. "الحوثي" تعلن استهداف مطار بن غوريون وهدفاً عسكرياً وسط إسرائيل
بعد عقود من التبعية.. هل تنجح الدول الأوروبية في الاستقلال عسكرياً عن الولايات المتحدة؟
الدفاع التركية: تحييد 14 عنصراً من PKK الإرهابي شمالي العراق وسوريا خلال أسبوع
نتنياهو يوسع نفوذه على القضاء.. الكنيست يقر تعديلاً لقانون اختيار القضاة
"الدفاع" التركية: ندرس إنشاء قاعدة عسكرية في سوريا لتعزيز قدرات جيشها
ماكرون: تركيا تلعب دوراً محورياً بتأمين صادرات الحبوب عبر البحر الأسود
"حرب مباشرة".. دول تنتقد قرار ترمب فرض رسوم جمركية على واردات السيارات
ترمب يحمّل تسريب "سيغنال" لمستشاره والتس.. وقاضٍ له خلافات سابقة مع الرئيس سينظر في القضية
مسيرات روسية تقصف خاركيف.. وماكرون يهدد بالرد على أي هجوم روسي بعد نشر قوة أوروبية في أوكرانيا
جامعة ألاباما تعلن عن احتجاز سلطات الهجرة الأمريكية طالب دكتوراه إيرانياً
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us