وتُعتبر هذه المواد أساسية لإعادة بناء ترسانات الأسلحة الغربية التي استُنزفت جزئياً بسبب الدعم العسكري المكثف لأوكرانيا وإسرائيل.
وتُبرز الصحيفة أن قرار بكين الأخير بفرض قيود صارمة على تصدير مغناطيسات السماريوم، المصممة لتحمّل درجات حرارة عالية دون فقدان خصائصها المغناطيسية، قد ألقى الضوء على فجوة خطيرة في سلسلة الإمداد الدفاعية الأمريكية.
فهذه المغناطيسات لا تملك حتى الآن بديلاً تجارياً فعّالاً في الولايات المتحدة أو أوروبا، رغم الجهود الممتدة على مدى أكثر من عقد لتقليل الاعتماد على الصين.
وبحسَب نيويورك تايمز، فإنّ واشنطن أخفقت في تطوير قدرات إنتاج محلية أو تأمين بدائل موثوقة لمغناطيسات السماريوم، رغم إدراكها المبكر لأهميتها في الصناعات الدفاعية. فهذه المغناطيسات تُستخدم في تصميمات معقدة ضمن مساحات ضيقة، كالتي توجد في رؤوس الصواريخ أو محركات الطائرات من طراز F-35.
وتضيف الصحيفة أن المسألة تصدّرت أجندة المحادثات التجارية الجارية حالياً بين الولايات المتحدة والصين في لندن، إذ تسعى واشنطن إلى دفع بكين لتخفيف القيود التي فرضتها مطلع أبريل/نيسان 2025، وشملت سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، إضافة إلى منتجاتها. لكن تقديرات الصحيفة تشير إلى أن احتمالات تراجع بكين عن هذه السياسة تبقى ضعيفة.
في سياق ذلك، تنقل نيويورك تايمز عن وزارة التجارة الصينية أن القرار يهدف إلى "حماية الأمن القومي" و"الامتثال للالتزامات الدولية المتعلقة بمنع الانتشار"، خصوصاً أن المواد الخاضعة للقيود تُستخدم لأغراض مزدوجة، مدنية وعسكرية.
ومع أن الصين سمحت استثنائياً بتصدير مغناطيسات تحتوي على الديسبروسيوم والتربيوم لصالح شركات سيارات أمريكية وأوروبية، فإنّ هذه الأنواع لا تصلح للبيئات القتالية، على خلاف مغناطيسات السماريوم عالية الأداء.
وتؤكد الصحيفة أن الصين لا تُهيمن فقط على أكثر من 70% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة عالمياً، بل تسيطر بالكامل -بنسبة 100%- على إنتاج السماريوم المستخدم عسكرياً، وهو ما يمثل تهديداً استراتيجياً لأمن سلاسل الإمداد في الدول الغربية.
وفي هذا السياق يشير التقرير إلى أن شركة لوكهيد مارتن، إحدى أبرز الشركات الدفاعية الأمريكية، تستخدم نحو 22.5 كيلوغرام من مغناطيسات السماريوم في كل طائرة F-35.
وتختم نيويورك تايمز تقريرها بالقول إنّ إدارة الرئيس الأمريكي باتت تنظر إلى هذه المسألة باعتبارها أولوية أمن قومي، لكنها تواجه واقعاً معقداً في ظل تراجع الاستثمارات الغربية في مشاريع استخراج وتصنيع المعادن الأرضية النادرة، وفشل عدة مبادرات لبناء سلاسل إمداد مستقلة عن الصين.
وأفادت الصحيفة أن إدارة بايدن سعت إلى تقليص الاعتماد الكلي على الصين في تأمين معدن السماريوم، عبر تمويل مشاريع لبناء منشأتين لإنتاج هذا المعدن داخل الولايات المتحدة. إلا أن المخاوف التجارية حالت دون تنفيذ تلك المشاريع، ما أبقى واشنطن دون أي مصدر محلي لهذا المعدن الحيوي في الصناعات العسكرية.
وجاء هذا الانقطاع، وفقاً لتقرير نيويورك تايمز، في توقيت حرج تعمل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على تجديد مخزوناتهم من الأسلحة المتطورة، بعد استنزاف كبير بفعل الدعم العسكري المقدم إلى أوكرانيا منذ بدء الهجوم الروسي، وإلى إسرائيل خلال حربها الأخيرة في غزة.
وتضيف الصحيفة أن إدارة ترمب بدورها كانت قد كثفت تسليح تايوان، الجزيرة الديمقراطية التي تطالب الصين بضمها، ما دفع بكين إلى الرد بفرض عقوبات على شركات أمريكية متعاقدة في المجال الدفاعي. وتشمل هذه العقوبات حظر أي تعاملات مالية بين تلك الشركات والأطراف الصينية، في خطوة تعكس تصعيداً في النزاع الاقتصادي-العسكري بين البلدين.
ورغم أن هذه العقوبات لم تؤثر مباشرة في توريد السماريوم في البداية، فإنّ نيويورك تايمز توضح أن التغييرات الأخيرة في نظام التراخيص الصيني باتت تشترط الكشف عن "المستخدم النهائي" للمنتجات، وهو ما عرقل تدفق السماريوم إلى المصنّعين العسكريين الأمريكيين بشكل غير مباشر.
ويؤكد التقرير، نقلًا عن ستانلي تراوت، أستاذ المعادن في جامعة ولاية متروبوليتان في دنفر، أن من بين العناصر السبعة الخاضعة للقيود الصينية فإن السماريوم يبرز بوصفه عنصراً شبه عسكري بالكامل، بعكس العناصر الأخرى ذات التطبيقات المدنية.
وتنقل نيويورك تايمز عن تراوت قوله إن وزارة الدفاع الأمريكية تشترط تنفيذ صَهْر وصَبّ مغناطيسات الاستخدام العسكري داخل أراضٍ أمريكية أو لدى حلفاء، لكنها لا تقيّد مصادر المواد الخام نفسها، ما سمح للصين بتوفير السماريوم بأسعار منخفضة لعقود طويلة.
ويشير التقرير إلى أن المخاوف من الاعتماد على الصين في هذا المجال ليست جديدة. فمنذ سبعينيات القرن الماضي كانت الجيوش الغربية تعتمد على مصنع كيميائي في لا روشيل بفرنسا، لمعالجة السماريوم من خامات أسترالية، إلى أن أُغلق المصنع في 1994 لأسباب بيئية، تاركاً المجال لهيمنة الصين عبر منشآتها في مدينة باوتو بمنغوليا الداخلية.
وبحسَب نيويورك تايمز، بدأ الكونغرس الأمريكي يشعر بالقلق الجدي عام 2009، وأمر وزارة الدفاع بوضع خطة لحل الأزمة، بعد أن علّقت بكين فجأةً صادرات جميع المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان لمدة شهرين في خضمّ نزاع إقليمي عام 2010، ما شكّل سابقة خطيرة.
وفي أعقاب ذلك، باشرت الولايات المتحدة مشروعاً ضخماً بقيمة مليار دولار لإعادة تأهيل منجم ماونتن باس في كاليفورنيا، الذي كان قد توقّف عن العمل عام 1998، بهدف إنتاج معادن أرضية نادرة، وإن لم يكُن من بينها السماريوم.
وتشرح نيويورك تايمز أن صعوبة فصل السماريوم عن غيره من المعادن تعود إلى خصائصه الكيميائية، إذ يتطلب الأمر أكثر من 100 خطوة كيميائية معقدة باستخدام أحماض شديدة الفاعلية، ما يزيد كلفة الإنتاج محلياً مقارنة بالصين.